الشارع الأردني «سلاح ذو حدين»: جموح في «النقاشات» …والأولوية «الاستغناء عن المساعدات» ومخاطر التحالفات

يمكن طبعاً الوصول إلى قناعة سياسية بأن «ردة فعل الشارع» الأردني على «خطة الرئيس الأمريكي» دونالد ترامب بعنوان «التهجير» أصابت 3 عصافير منتقاة بعناية بـ «حجر واحد» تحت عناوين ظهور قدرة على التحريك الشعبي بين قوى المجتمع واتجاهات الدولة والمؤسسات.
التقاطع ثم الاستقرار أردنياً في منطقة مشتركة ترفض «سيناريوهات ترامب واليمين الإسرائيلي» هو «العصفور السياسي- الاجتماعي الأول».
الإصرار على استعمال «المساعدات» للعبث في الداخل الأردني، يصبح العصفور الثاني الذي لا بد من اصطياده قبل الانتقال للعصفور الثالث، وهو بروز أهمية المشهد الاجتماعي بعد الاستقبال الجماهيري للملك عبد الله الثاني بعد عودته من واشنطن، وتداعيات المشهد هنا فيما يتعلق ببروز مطالبات ومناقشات لمسائل صنفت مبكراً ومن سنوات أرشيفياً بقائمة «المسكوت عنها».
أفرزت طريقة تعامل الإدارة الأمريكية الحالية مع «الخبرة الأردنية» خصوصاً في جزئية «الخشونة ألإعلامية» حصراً وقائع موضوعية مستجدة على الأرض الأردنية، قد يكون أهمها على الإطلاق ما طرحه عضو البرلمان ناصر نواصرة ولا تعارضه الحكومة تحت خطاب «ترسيم استراتيجية وطنية» تستغني عن المساعدات الأمريكية بعد الآن.
ملف المساعدات كان «البطل الأبرز» في كل تفاصيل الزوايا الأبعد والأعمق عند الاصطدام الأردني بـ «خيارات ترامب».
هنا لفت النظر أن الإسلامي الموصوف بالتشدد، النواصرة، يجلس في موقع وزير البلاط الأسبق نفسه الدكتور مروان المعشر، عند عبارة.. «آن أوان التفكير بالتخلص من عبء المساعدات الأمريكية»، فيما يقترح السياسي المخضرم الدكتور ممدوح العبادي عشرات المرات أمام «القدس العربي» بأن الأموال الأمريكية التي تدفع للأردنيين ليست مساعدات بقدر ما هي «بدل خدمات لا يفيد».
قبل ذلك، سمعت «القدس العربي» الخبير الباحث الدكتور جواد الحمد، في ندوة مغلقة يسجل بأن المساعدات الأمريكية الموسمية قيمتها الفعلية في التأثير على الميزانية لا تزيد عن 5-7% فقط، ما يعني أنه يمكن بقليل من الترشيد والتفكير خارج الصندوق «الاستغناء عنها».
الانطباع يزيد محلياً، خصوصاً بعد العرض الذي أداره ترامب مؤخراً في واشنطن لمضايقة الأردن أمام الكاميرات بأن «ملف المساعدات» جزء من الأمن القومي الأمريكي وينبغي ألا يتحول إلى «أداة حرب» على الأمن القومي الأردني؛ لأن تلك ليست وظيفته، والعكس؛ يجب أن يحصل في ظل «تحالف قديم».
واضح أن جهة ما في «العمق الأمريكي» ومعه العمق الأردني أيضاً، تدخلت في اللحظات الأخيرة لاستدراك نتائج التعاطي «الخشن» مع الأردن، فتم بث تصريح متلفز للرئيس ترامب يمتدح الأردنيين ويشيد بهم، لكن في وقت متأخر قبل صدور بيان البيت الأبيض الرسمي القائل بأن «الأردن عارض سيناريو التهجير» في اللقاءات المغلقة.
الاستدراك الأمريكي هنا -على أهميته اللحظية- قد لا يفيد في الحد من «جموح النقاشات» التي بدأت «تجتاح» لأول مرة عمق النخب الأردنية فيما يخص تأثيرات «الصداقة» مع الولايات المتحدة على «استقرار الأردن وهويته الوطنية»، في رأي المحلل السياسي الأمريكي الفلسطيني الدكتور سنان شقديح، ترامب هنا نجح بامتياز في إثارة كل المخاوف.
لكن في الواقع، اليوم، جموح النقاشات المحلية لا يقف عند حدود تأثيرات الصداقة مع الأمريكيين فقط، بل اتجه بصورة ملموسة مؤخراً إلى نقاشات تحاول معرفة كيفية إدارة الأمور عموماً وأسباب غياب «مطبخ سياسي» وحتى «أزمة الأدوات» الوطنية التي يقر الجميع بها، خلافاً دوماً لأزمة» تشكيل حكومات وصناعة نخب».
سياسياً، المعادلة التي «عبث بها الرئيس ترامب» عملياً هي تلك التي كانت تتصور بأن «وظيفة» القواعد العسكرية الأمريكية هي حماية البلاد من طموحات وأطماع اليمين الإسرائيلي، كما قال لـ «القدس العربي» في وقت سابق الباحث الدكتور أنور الخفش.
لكن السؤال الأردني «المؤرق» تولد على عتبات ترامب والبيت الأبيض مؤخراً: الصدام يومي مع اليمين الإسرائيلي في أطماعه وبرنامجه ضد المملكة منذ يوم 8 أكتوبر العام الماضي… كيف ينبغي أن يتصرف الأردن في حالة يتشارك فيها يمين تل أبيب مع يمين واشنطن في مساحة «الضغط على الأردنيين» وتغيير الوقائع؟
سؤال محرج للغاية، أهم دلالاته أنه يدفع عمان شعبياً ورسمياً لمنطقة «خالية أو قد تخلو لاحقاً» من حماية ظل الحليف الأمريكي إذا ما انتخب في الولايات المتحدة طاقم ما يؤمن بتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردنيين.
لذلك، يصبح تكدس ما لا يقل عن نصف مليون أردني بصيغة جماعية في الشارع لإسناد «لاءات الملك» العلنية وإطلاق هتافات مسيسة، خطوة تلقائية وعفوية من الصعب السيطرة عليها رداً على «الضغوط والتحرشات».
الأهم أن هذه الخطوة تزامنت مع انطلاق دعوات «الاستغناء عن المساعدات» ومع نحو إحساس الأردنيين عموماً بـ «مخاطر» لم يعد من الحكمة تجاهلها، على حد التعبير الذي سمعته «القدس العربي» من السياسي الرفيع طاهر المصري، في وقت مبكر بعد بعض تداعيات «طوفان الأقصى».
واحد من إشكالات «تحريك الجمهور» مؤخراً في الأردن هو ذلك الذي يكرس سقفاً في الحراك والهتاف والمطالب من الصعب بعد الآن أو لاحقاً «التراجع عنه»، الأمر الذي قد يحرم القرار السياسي من مساحات مطلوبة ومرنة وهوامش تكتيكية في مواجهة هجمة ترامب التي لن تقف عند أي حدود ودون أن يعني ذلك بكل حال إلا «إدارة الحفاظ على الثوابت» وليس أي صيغة للتراجع عنها.
تلك «كلفة» يبدو أن مراكز القرار في الدولة الأردنية مستعدة على الأرجح لدفعها مقابل «تمرير» مرحلة الرئيس ترامب وما يفعله مع الأردن، أو لأسباب مختلفة ومتنوعة في الحسابات العميقة، فيما القناعة لا يمكن تأجيلها بأن «ورقة الشارع» احتياط استراتيجي، لكنها دوما ً»سلاح ذو حدين» في لعبة القرار والاتجاه السياسي يجب أن يستخدم -كما نصح كثيرون- سابقاً بعيداً عن «فاتورة» أصغر وأقل أهمية، اسمها «عدم ترك الميكروفون الشعبي فقط للإسلاميين»… ذلك هدف بائس وغير مهم قياساً بالأهم مرحلياً.