اراء و مقالات

الشرع لـ «العقبة»: «لسنا دولة بعد ولا نهتم بالأمم المتحدة»… هل تخسر عمَّان إذا تأخرت في مصافحة دمشق؟

عمان- «القدس العربي»: سمحت الحكومة الأردنية على مدار يومين بإرسال وإدخال نحو 700 شاحنة محملة بالبضائع إلى سوريا المجاورة، في رسالة ضمنية تمنح القطاع التجاري الأردني والسوري فرصة العودة للتبادل بين البلدين وبغطاء سياسي.
وزارة الصناعة والتجارة الأردنية أرسلت ما يفيد بأنها قيد التفاعل مع احتياجات السوق السورية.
واتخذت حكومة عمان هذه الخطوة في سياق توجيه “رسائل ودية” لكنها مبرمجة ودقيقة إلى الهيئة الجديدة الحاكمة عند الجار السوري، في الوقت الذي يخيم فيه “الصمت السياسي والإعلامي” في عمان ودمشق بالتوازي وسط “انطباع أولي” بأن الجانب الأردني يحاول تجاوز “الأسئلة المقلقة” و”يرغب في المساعدة”.
ما لاحظه المراقبون أن سلطات الأردن الرسمية تعاملت بـ “حذر” مع دعوات برلمانيين أردنيين لـ “الانفتاح بأقصى طاقة” على الحكم الجديد في دمشق، في وقت أظهرت فيه عمان “مرونة كبيرة” لجهة فتح معبر جابر وتحريك الشاحنات ومنحها رخص تصدير، لا قنوات أو تبادل رسائل سيادية أو أمنية أو حتى سياسية رفيعة مع طاقم حكام دمشق الجديد.
العاهل الأردني ومعه وزير الخارجية أيمن الصفدي، يؤكدان في كل المناسبات والاستقبالات والفعاليات على سعي المملكة لـ “احترام” ما يقرره الشعب السوري، وإن كان مصدر أردني مطلع اشتكى عبر “القدس العربي” بأن عمان تحتفظ بقيودها وتحفظاتها وتخاطب حكومة دمشق الانتقالية عن بعد وبواسطة “بروتوكولات المعابر والتجارة” ولا ترسل أي “رسائل مشفرة” خاصة للقائد أحمد الشرع، فيما لا يبدو الأخير أيضاً مهتماً بمخاطبة الأردنيين حصراً في هذه المرحلة، مع التأشير على أن عمان منفتحة حتى اللحظة إزاء “إجراءات” تساعد في تدفق البضائع والمنتجات والصادرات إلى سوريا، وفتح معابر لوجستية تسمح باستقبال “المساعدات” أيضاً التي يمكن تمريرها بريا لسوريا التي “تحتاج لكل شيء”.
في حوار جانبي بحضور “القدس العربي”، اقترح الخبير الدكتور جواد العناني إعادة قراءة الواقع السوري والتعامل معه، مفسراً أن ظهور بعض الحذر والتساؤلات القلقة أمر طبيعي في هذا المرحلة، فيما اقترح الناشط النقابي البارز أحمد أبو غنيمة ضمناً على بلاده أن “لا تتأخر كثيراً” عن مشاركة الشعب السوري فرحته في التخلص من “نظام طاغية”. عملياً، الأردن في “البعد السياسي” اختار التفاعل مع الاستعراض الذي ضغطت من أجله بعض الدول العربية عبر طاولة الوزير الأمريكي أنتوني بلينكن في “لقاء العقبة الشهير”، الأمر الذي قد يحتم على الأقل في الخطاب السياسي البقاء ضمن التوازنات التي عبر عنها البيان الختامي للقاء العقبة، حيث تعبير مباشرة عن “مخاوف”، وترحيب حذر بالمتغير السوري.
بالمقابل، بقي الأردن في سياق توجيه الرسائل التعاونية الحذرة للغاية مع القائد الشرع ورفاقه، حيث تزايد تعقيد الموقف بعد بروز “مستجد سياسي وأمني” غير متوقع، فكرته أن إيصال رسائل خاصة للشرع أو مساعديه الكبار “قد يتطلب” بعد الآن “التخاطب” مع قياديين “أردنيين” بارزين في “التيار السلفي الجهادي”، بعضهم في المسجد الأموي الآن في دمشق، وبعضهم الآخر في عمان أو مدينة إربد شمالي المملكة، خلافاً لأن “تمرير البروتوكولات” الحدودية والتجارية قد يتطلب أيضاً بعد الاضطرار إلى استخدام قنوات من الإخوان المسلمين يمكنها الاتصال برئيس الوزراء السوري المؤقت والموصوف بأنه “أخ مسلم” بصورة معروفة ومؤكدة، كما يؤكد لـ “القدس العربي” السياسي مروان الفاعوري.
لم تحدد الدولة العميقة في عمان بعد كيفية التعاطي مع هذا المستجد، والجميع لاحظ أن مجموعة الشرع الحاكمة “لم تعلق” على نتائج “لقاء العقبة” لا سلباً ولا إيجابياً، مع أن ما صدر منها عبر مسؤولين ومستشارين أوروبيين هو فقط الرسالة القائلة إن “حكومة سوريا الجديدة لا تحفل وليست معنية بالأمم المتحددة”.
ذلك المنطق يخالف بوضوح جوهر الاجتهاد الأردني بخصوص مشاورات العقبة والتواصل مع بلينكن. وما نقله دبلوماسيون غربيون عبروا عمان إلى دمشق مرتين الأسبوع الماضي عن الشرع قوله بأن “سوريا الآن ليست دولة بعد.. لذلك لا مبرر للتحدث عن الأمم المتحدة”.
دون ذلك، فإن الإيحاء من الشرع الذي يخالف منطوق الحراك الدبلوماسي الأردني النشط لا توجد بعد قنوات خاصة لتبادل الرسائل حتى الآن بقرار مركزي من عمان يخطط للتريث ومراقبة ما يجري وسيجري قبل الانتقال لأي حالة تواصل مع الحكام الجدد، وسط ملاحظة الجميع بأن الدولة العربية الوحيدة التي أرسلت موفدين للشرع وقررت إعادة فتح سفارتها هي قطر، أما شركاء الأردن العرب الأساسيون فقرروا الانتظار قبل أي تسرع.
هنا حصراً محاولة مكشوفة سياسياً من جانب الحكومة الأردنية للتفاعل بتوازن، بمعنى البقاء في أقرب مسافة ممكنة من المجتمع الدولي في المسألة السورية، وبذات الوقت إظهار صيغة “لا مانع” من قدر من التعاون الحدودي مع سلطات دمشق الجديدة تجارياً ولوجستياً وعبر خلايا أزمة تحضر لمساعدات، خصوصاً بعدما تحولت عمان لـ “معبر نشط جداً” باتجاه دمشق لإعلاميين ومسؤولين ودبلوماسيين أجانب راغبين في زيارة دمشق بعيداً عن المسار التركي.
النمط الحذر في التعاطي مع تطورات دمشق يمكن مصادفته في كل التفصيلات الأردنية.
لكن الخلاصة وسط تعقيدات الحذر وكلف “التأخر” بأن عمان سياسياً قد لا تستطيع التأخر أكثر في الالتحاق بالمشهد إقليمياً، خصوصاً بعدما نصحت بأن العملية السورية الأخيرة حظيت بكل التوافقات والإجماعات، بما فيها الأمريكية والتركية والإيرانية وحتى الروسية، الأمر الذي قد يؤشر على فاتورة مفترضة أو كلف أو خسائر أو قلة مكاسب إذا تأخرت عمان أكثر عن “مصافحة” دمشق الجديدة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading