الصفدي ـ الشرع: الأردن يحاول «كسر الجمود» وتجاوز «مطبخ العقبة» ولديه أسئلة من دون مواقف
عمان- «القدس العربي» : يفترض أن ظهور وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في قصر الشعب السوري في العاصمة دمشق بمعية كبار مسؤولي الإدارة الجديدة والقائد العام لها أحمد الشرع، ألا تقف عند حدود “كسر الجمود” وتجاوز التأويلات والتكهنات في العلاقة الأردنية مع المتغير السوري، بقدر ما تحاول الإجابة عن الأسئلة الأردنية الغامضة التي يترد صداها في كل الأروقة.
الوزير الصفدي كان تقريباً آخر مسؤول عربي يزور قصر الشعب السوري ويلتقي الرئيس المخلوع بشار الأسد، ناصحاً بعملية سياسية شاملة تنهي الأزمة قبل حصول التغيير الذي أدهش الجميع وعلى نحو مفاجئ.
الصفدي بهذا المعنى، زار دمشق مجدداً في خطوة أردنية تحاول الإقرار بالواقع الموضوعي كما حصل، وبصرف النظر عن القناعات والمخاوف، الأمر الذي اعتبره المراقبون الخبراء سلوكاً في الاتجاه الصحيح بدلاً من الوقوف لفترة أطول على رصيف الترقب والانتظار، خصوصاً أن الأوساط المحيطة بوزير الخارجية الأردني النشط تشير إلى أنه تلقى تعليمات بالتوجه إلى دمشق، وفي ذهنه شرح أجندة “لقاءات العقبة” التي أعقبت تمكن الثورة السورية من السيطرة على العاصمة دمشق. وصلت تقديرات للجانب الأردني بأن القيادة السورية الجديدة تنتقد مع زوارها الأجانب لقاءات العقبة، خصوصاً بعدما غاب أي ممثل لفصائل هيئة الشام والحكومة المؤقتة عن هذه اللقاءات.
وجهة نظر الأردن في لقاء العقبة كانت أن أجندته مساعدة الشعب السوري على الاستقرار.
قبل ذلك، توثقت “القدس العربي” مباشرة من مصادر مشتبكة مع التفاصيل بأن القائد أحمد الشرع عبر عدة مرات لزواره عن عدم ارتياحه لانعقاد لقاءات العقبة بدون ممثلين عن الحكم السوري الجديد، لا بل اعتبر في لقاءات حصراً مع وفد أوروبي استقبله الأسبوع الماضي بأن “سوريا ليست دولة بعد”، وبأن ما تقوله لقاءات العقبة عن الأمم المتحدة لا يبدو منطقياً ولن تحفل به دمشق بحلتها الجديدة.
لذلك، زيارة الصفدي محطة ضرورية في الإجابة عن الأسئلة الأردنية العالقة. وقد تضرب عدة عصافير بحجر واحد، أهمها أن عمان تقول بأنها لم تعد في خندق الدول العربية التي ترتاب بالتغيير في سوريا، وإن كسر الجمود مع الحكام الجدد لدمشق تقرر في أرفع المستويات، والخطوة التالية بعد زيارة وزير الخارجية وشرح وجهة نظر بلاده للقائد الشرع ورفاقه قد تكون فتح السفارة الأردنية في دمشق وتسمية بعثة دبلوماسية تمثل المصالح والتوازنات على أساس حسن الجوار.
وفقاً لهذا المنطق، يغادر الأردن -بزيارة الصفدي- بعض مناطق الحذر والتخوف، ويوحي بأنه مستعد لتدشين عملية تطبيع مع الحكومة الجديدة ومساعدتها ضمن صيغة تقول بأن القيود والمخاوف الأمنية يمكن الاحتفاظ ببعضها ومراقبته، ويمكن معالجة بعضها الآخر عبر القنوات التي تنتج عن تفاهمات أولية ما بين الوزير الصفدي والقائد الشرع؛ لأن الجغرافيا تحكم الرجلين في الواقع، ولأن مصالح الأردن أعمق وأكبر وأبعد -برأي المحلل السياسي الإسلامي رامي العياصرة- من أن تترك للصدفة أو للآخرين.
خطوة الصفدي لم تكن لتتقرر وبالطريقة التي صيغت فيها على نحو مباغت لو لم تتقدم دول عربية كبيرة مثل السعودية، في الاندفاع نحو الاعتراف بالهيئة الحاكمة الجديدة في سوريا. وهي خطوة أعقبت لقاء مهماً بين الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
برزت زيارة الصفدي بعد سلسلة التقارير التي أشارت إلى أن السفراء العرب ودبلوماسيي الغرب والأتراك يتجولون باسترخاء في زوايا وأزقة دمشق، ويبحث كل منهم عن مصالح بلاده حيث لم يعد لائقاً بالجار الأهم لسوريا -وهو الأردن- أن تبقى عمان بلا ممثلين يختبرون أو يخترقون.
وعليه، يمكن اعتبار وقوف الصفدي على عتبات قصر الشعب بل إلى جانب أحمد الشرع، خطوة في اتجاه تصحيح البوصلة الدبلوماسية الأردنية تحت عنوان توجيه رسالة مباشرة لحكام دمشق الجدد بأن مساحة التردد الأردنية ارتبطت بأسئلة وليس بمواقف، فيما اللحاق بالدول العربية الكبيرة التي أرسلت السفراء والوفود أفضل من العكس، حتى وإن كان متأخراً.
عمان شرحت موقفها ما بعد لقاءات العقبة، لكنها في كل حال ترد على سلسلة شائعات وتسريبات حاولت بعض الأوساط الإيحاء عبرها بأن الأردن لا يرحب بالثوار الجدد.
وهي الرسالة التي تكفل بها الوزير الصفدي عملياً، فيما يمكن للعاصمة الأردنية أن تحتفظ بالأسئلة وهي تسعى إلى تحريك السياسي والدبلوماسي قليلاً، مع بقاء الأمني في الرقابة والمتابعة؛ لأن الخطوات التي اتخذتها الحكومة الأردنية على الحدود بعنوان تفعيل بروتوكولات الترانزيت التجاري بقيت ضمن القيود ذات البوصلة الأمنية، إلى أن تصبح أوضاع الحكومة السورية المؤقتة أكثر استقراراً وقابلية للتعامل والتعاطي مع وقائع الحال.
في الخلاصة، يفترض أن العلاقات والاتصالات الأردنية مع حكومة سوريا الجديدة بعد وقوف الصفدي على محطة دمشق، ستختلف عنها ما قبل هذه الزيارة، حيث يحتاج السوري إذا ما أراد بناء الدولة من جديد، إلى الحدود الأردنية بإلحاح، ليس بسبب أهميها فقط، ولكن لأن الحدود السورية العراقية والسورية اللبنانية قد لا تكون صالحة في هذه المرحلة لتقديم أو نقل ما يحتاجه الشعب السوري من تبادل وسلع وخدمات.
وهو وضع يجلس الأردن بموجبه دبلوماسياً على الأقل على الطاولة في الملف السوري بدلاً من البقاء في الغرفة المجاورة ويحقق، ولو بنسبة محدودة الآن، ما يريده رموز القطاع الأردني الخاص والشركاء في التجارة والأسواق من الحرص على ولو جزء من كعكة إعادة الإعمار بدلاً من ترك تلك الكعكة تماماً للاعب التركي الحصري.