اراء و مقالات

«الغرب لن يشبع»… سؤال «الرهان الأردني»: هل تراجعت أخطار الثنائي ترامب ـ سموتريتش؟

عمان- «القدس العربي»: يفترض في بعض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأردنية خلال اليومين الماضيين أن تؤسس مساحة مبادرة ومناورة «سياسية ودبلوماسية» في «الجوار الإقليمي» لم تعرف بعد «مكاسبها»، وإن بقيت قابلة للتوقع والحساب.
طبيعي جداً القول بأن قرار «الحظر الشامل» لأبرز جماعات «الإسلام السياسي» في البلاد هو خطوة تتقدم ليس في اتجاه الحفاظ على «الأمن الداخلي» فقط، بل أيضاً في اتجاهات «محسوبة» على مستوى التحالفات والشراكات والاصطفاف الإقليمي، حيث تتيح «خطوات جريئة وصارمة» هنا لحكومة عمان، التحرر من بعض القيود، وهوامش مناورة يفترض المراقبون أنها ستؤدي أو يجب أن تؤدي إلى خلطة «ضمانات ومكاسب» بعضها عاجل وبعضها الآخر مؤجل على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، والأهم الدبلوماسي.
توجيه ضربات «احتواء» لتعبيرات الإسلام السياسي في الأردن -في رأي الناشط السياسي والحقوقي عاصم العمري- هي استراتيجية أصبحت مطلوبة لدول المحور الغربي وللولايات المتحدة في عهد الرئيس الحالي.
الاستجابات هنا «مفهومة في سياقها» وبعضها متوقع.
لكن الانعكاسات على تقاليد العمل السياسي الداخلي والتوازنات المحلية، في تقدير العمري، هي التي يجب أن تقرأ بعناية أيضاً دون أن تسقط من الحسابات العميقة، خصوصاً أن «الأمريكي والغربي» المتحالف تماماً مع «العدو الإسرائيلي» لن يقفا عند أي حدود في المطالبة بالمزيد من «الخطوات اللاحقة» ليس فقط ضد «تعبيرات ومؤسسات الإسلام السياسي» بل أيضاً ضد «الحاضنة الاجتماعية» العريضة للمقاومة في الأردن.
هنا تكمن «أزمة الحسابات العميقة». وما يؤشر إليه العمري وغيره هو أن «الغرب لن يشبع»، وقد لا يقف عند حدود معينة في ضغوطه بصيغة قد ينتج عنها «الإخلال» بالعديد من الاعتبارات الداخلية المستقرة منذ عقود.
رأس الحاضنة الاجتماعية مطلوب أيضاً للعديد من الأطراف، خصوصاً بعد 7 أكتوبر وفي ظل استمرار العدوان وبدون أفق سياسي لوقف الإبادة في غزة.
ومن المألوف توقع أن السياق المحظور الآن أردنياً، بقي منذ أشهر المحرك الأساسي لملتقيات شعبية تناصر المقاومة وتخاطبها، وفيما تمكنت الحكومة من الاستناد لقرارات قضائية واتخذت إجراءات سيادية يبدو أنها أخفقت في تحمل مسؤولية المطلوب منها في ملف «الحواضن الاجتماعية».
يعلم الجميع أن الشارع الأردني «يتصدر» بقية الشوارع في العالمين العربي والإسلامي في مسارين، وهما: مقاطعة السلع والمنتجات والماركات الأمريكية، والبقاء في التظاهر بعد 7 أكتوبر لفترة طويلة دون كلل أو ملل.
لذلك، يفترض الخبراء أن «إخراج» التعبيرات الأهم للإسلام السياسي من المعادلة المحلية بقرارات الحظر، من المنطقي أن يؤدي إلى «تقلص» في نشاطات وفعاليات الحواضن الاجتماعية التي لا تشبه الحكومة وهي تدعم المقاومة الفلسطينية، لا بل تنغمس في هواجس أطماع اليمين الإسرائيلي.
تلك حتى اللحظة «ليس أكثر من فرضية»، والدليل الأبرز عليها أن كل من أسند ودعم «إجراءات الحظر» لم يتجرأ على التفوه بأي عبارات ضد المقاومة الفلسطينية، ما قد يعني أن إبعاد الإسلاميين عن الشارع قد يهضمه الرأي العام إلى حد ملموس، لكنه قد لا يؤدي إلى تقليص فرص دعم المقاومة في غالبية حواضنها الاجتماعية، خصوصاً أن «يمين إسرائيل طامع علناً في الأردن»، كما يقول السياسي البارز ممدوح العبادي، فيما الإدارة الأمريكية الحليفة والتي تداعبها أي إجراءات «مضادة للإسلام السياسي» لا توفر للأردنيين شعبياً «أدلة» على استمرار اهتمامها ورعايتها، أو حتى على «طمأنتهم» من مشاريع وطموحات وأطماع «إسرائيل الجديدة».
المؤسسة الأردنية تريد حصر «الإجراءات» في زاوية «مقتضياتها الأمنية» فقط. وهذا من حقها ويطلبه الجمهور دوماً، لكن قراءات بوصلة الرأي العام قد تنحرف باتجاه السعي إلى «انتظار المزايا والمكتسبات»، ومن ثم مراقبة ما ستنجزه أو تحققه الحكومة الحالية من مصالح بعد «التأزيم المنهجي المبرر قانونياً»، وأحياناً وطنياً، مع أبرز القوى الفاعلة في المستوى الشعبي.
وهنا حصرًا يمكن الإطلالة ولو من منطلق «تدوير الزوايا»، على التوقعات التي تعقب «إجراءات الحظر» والاصطدام بأهم تعبيرات الإسلام السياسي في البلاد، ووقف حالة «التعايش» مع الإسلاميين وأخطائهم التي تجاوزت حدودها أحياناً.
ليس سراً في المقاربة، أن تلك الإجراءات يفترض أن تقود إلى «دفعة كبيرة وملحوظة وسريعة» في العلاقات الأردنية مع 4 أطراف أساسية تشتبك بدورها مع الإسلام السياسي وتستهدفه في الجوار العربي، والمفهوم ضمناً أن الانًدفاعة المطلوبة هنا «اقتصادية « بالمقام الأول، حيث مصالح أردنية ملحة جدا على المحك. لاحقاً لـ «ترتيب أوراق» التحالفات العربية والخليجية والتقارب مع مصر والسلطة الفلسطينية، لا بد من الوقوف على محطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتلمس تقليص فعال ونشط في ضغوطه السياسية والمالية والجمركية على الأردن، بعدما أزاحت إجراءات جريئة عائقاً كبيراً مع سكان البيت الأبيض.
لم يعرف بعد ما الذي واجهه أو حصل معه رئيس وزراء الأردن الدكتور جعفر حسان، عندما زار واشنطن مؤخراً للتفاوض بشأن «الرسوم الجمركية» قبل الصدام المحلي مع ملف «الإجراءات».
لكن الدوائر المختصة تفترض أن تقارباً كبيراً يفترض أن يزيل العوالق عن العلاقات الأردنية- الأمريكية بعد «الاستجابة» لأحد الشروط العلنية لإدارة ترامب- خصم الإسلام السياسي والمقاومة الفلسطينية الأبرز عالمياً اليوم.
بالخلاصة، الخطوات الحكومية ضد تعبيرات الإسلام السياسي في الأردن مؤخراً لها ما يبررها في ميزان مصالح الدولة، فيما الشارع يريد «مكتسبات سريعة» جراء المجازفة باعتبار محلي لصالح آخر «دولي وإقليمي وعربي».
والأوضح أن الجميع سيرغب في مراقبة الإجابة عن السؤال الأهم أردنياً: هل «إخراج» الإسلام السياسي من معادلة «القانون والشارع»، ولاحقاً البرلمان الأردني، سيعفي البلاد والعباد من نتائج «خرائط سموتريتش»؟
وهل تقليص حضور الحواضن المناصرة للمقاومة الفلسطينية سيمنع إدارة ترامب ومن والاها غربياً من «مباركة» أو تأييد أو التواطؤ مع «خطة ضم الضفة الغربية» بدلالة «تهديد استراتيجي خطير على الأردن» يعيد «التطرف الشعبوي» بكل تصنيفاته من «نافذة الدولة» حتى وإن غادرت الحركات المحظورة من «باب شرعية القانون»؟
مثل هذه الأسئلة، الأرجح أن حكومة الرئيس جعفر حسان لا تناقشها أو لم تناقشها بعد، حيث «رهان» سياسي ودبلوماسي عابر للحكومات يبقي الأردنيين في منسوب «الانتظار»، لكن الإجابة ملحة ومطلوبة وتحتاج إلى توقيت.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading