برلمان الأردن: افتعال وانفعال وإقصاء… و«خطوة تكتيك» بتوقيع حزب إرادة
وسط مشهد فوضوي… متى يصعد «الدخان الأبيض»؟

الجملة التكتيكية التي تضمنها موقف حزب إرادة الوسطي الأردني المعلن صباح أمس الثلاثاء، تبدو واضحة للعيان وتخدم – إن أكمل الحزب مسيرته في الترشح لانتخابات رئاسة مجلس النواب – وظيفة سياسية منظمة تشكل علامة فارقة قياساً بالافتعال والانفعال والحماسة المنفلتة التي ظهرت في موقف بقية الأحزاب الوسطية.
ثمة مشهد فوضوي على مستوى مجلس النواب قبل انعقاد دورته العادية المقبلة بإجماع مراقبين. وما أعلنه حزب إرادة قياساً بمنسوب الانفلات والفوضى هو موقف منتظم في التكتيك والاستراتيجية، ويتمثل في إعلان الحزب نيته ترشيح أحد نوابه لمواجهة انتخابات رئاسة مجلس النواب دون تسمية المرشح حتى الآن في البيان الرسمي.
وسط مشهد فوضوي… متى يصعد «الدخان الأبيض»؟
لكن حزب إرادة في المقابل، قدر وقرر تكليف لجنة تجري المشاورات اللازمة لتحقيق الهدف المعلن بعضوية 3 من أعضاء كتلته البرلمانية وبرئاسة القطب البرلماني المخضرم خميس عطية، وبإشراف الأمين العام زيد العتوم.
والمدلول هنا أن عطية ورفاقه يدخلون بصورة منظمة وبرامجية إلى التنافس الانتخابي، ويراهنون على إجراء مشاورات مع بقية الكتل والنواب المستقلين في صورة تظهر تبايناً مع بقية الأحزاب الوسطية التي أعلن نواب يمثلونها بصفة فردية نيتهم الترشح أو صيغت قرارات الترشح عند بعضهم بناء على طموحات شخصية. في كل حال، تجنب حزب إرادة هنا منزلقات الطموح الشخصي، وأعلن نيته الترشح وخوض المنافسة ليس فقط على رئاسة البرلمان، لكن أيضاً إجراء مشاورات على بقية مواقع الصف الأول في إدارة المؤسسة التشريعية.
يمكن استباقاً القول ومن باب التحليل، إن خبرة نائب من وزن خميس عطية متاحة اليوم بين يدي الحزب، وإن المشاورات التي سيجريها حزب إرادة قد تضفي إطاراً جدياً على المناقشات والمقترحات وتؤسس فرصة وسط حالة فوضى واجهتها قوائم وكتل بقية الأحزاب الوسطية.
خطوة الحزب ذات مدلول سياسي، وهذا الأهم، والفكرة إظهار التباين مع جموح بعض الرغبات الشخصية عند النواب للترشح والمنافسة في إطار سعي شخصي لإقصاء أو تقليص فرصة مرشح آخر محدد للموقع، وليس في سياق برامجي متناسق. وهو ما يتوقع أن يعلنه لاحقاً حزب إرادة؛ بمعنى التأشير على أن ترشحه لرئاسة البرلمان هي خطوة في برنامج سياسي منظم متكامل غير مبني على طموح شخصي فقط. والإعلان هنا مهم سياسياً وبرلمانياً؛ لأنه يمنح مقترحات توحيد أحزاب الوسط لاحقاً خلف مرشح واحد بالتفاهم، وفرصة صمود بدلاً من الاسترسال في زحام المرشحين لتولي المقعد الأول في رئاسة النواب والتأسيس لحالة تجاذب واستقطاب حادة قد لا تخدم استقرار العملية التشريعية في الدورة العادية المقبلة، مع أنها دورة في غاية الأهمية بسبب الظروف والتحديات الإقليمية المحيطة.
حزب إرادة كان قد أعلن توحده مع حزب تقدم، وليس سراً وسط النواب اليوم أن الانطباع يزيد بعنوان بروز طموحات بعض النواب في الترشح بهدف مناكفة ومشاغلة رئيس المجلس الحالي أحمد الصفدي، وتقليص فرصته فقط، وهو واقع يمكن الافتراض بأنه خارج النص ولا يناسب المؤسسات.
تناقضات جبهة الأحزاب الوسطية تحت عنوان انتخابات رئاسة المجلس ظهرت مبكراً في الوقت الذي تنشغل فيه المؤسسات والدولة ونخبة عريضة من المثقفين والسياسيين بتصويب مسار التحديث السياسي.
والتجاذبات بين ممثلي الوسط الحزبي في البرلمان تظهر بصورة مؤسفة، فيما تبحث في مقرات القرار العميقة ملفات أساسية من بينها تداول حزبي بين 4 أحزاب رئيسية فقط.
الأهم في المشهد البرلماني بعموميته اليوم وقبل نحو 6 أسابيع من انعقاد الدورة العادية المقبلة للبرلمان، هي الانطباعات السلبية الناتجة عن زحام مرشحي أحزاب الوسط وتنافسهم فيما بينهم على موقع رئاسة مجلس النواب، وهو ما يؤثر ضمناً على كل المسارات الأخرى بما فيها العنصر الأكثر أهمية المرتبط باستقرار العلاقة بين سلطتي التنفيذ والتشريع في مرحلة إقليمية صعبة ومعقدة، أقلها تأثيراً الوضع الاقتصادي الصعب، وأكثرها مباغتة الجدل الذي أثاره الكيان الإسرائيلي في عمق الأردنيين، بطرحه مقاربة مشروع إسرائيل الكبرى.
الفوضى برفقة زحام المرشحين الممثلين للألوان الوسطية الحزبية، لا يمكن إنكارها، وأغلب التقدير أن ما أعلنه حزب إرادة حصراً هو خطوة قد تساهم في التنظيم وتقليص مؤشرات الفوضى، ما قد ينعكس إيجاباً على فكرة وجود تنافس جدي وحقيقي ومنتج ويخلو من الأغراض الشخصية أو العناصر الإقصائية.
في طبيعة الحال، من الصعب بقاء حالة الزحام التي قد تصل إلى 7 مرشحين جميعهم من الأحزاب الوسطية، وأكثر من ثلثهم من حزب وسطي واحد، برسم وضعها الحالي، حيث تبرز الحاجة مجدداً إلى قوة ما تسمعها أحزاب الوسط وتفرض عليها إيقاعاً مرتبطاً بمصالح الدولة وتصورها في خطوة لا يوجد ما يمنع -كما هو مألوف- أن تتصدر أو تظهر في وقت لاحق قبل انعقاد الدورة العادية.
إلى أن يصعد ما يسميه النائب الدكتور عبد الناصر الخصاونة -وهو يناقش الفرص والتجاذبات مع «القدس العربي»- الدخان الأبيض تحت قبة البرلمان قبل الاجتماع الأول في الدورة العادية المقبلة، يمكن الانتظار والتريث قليلاً، وإعادة تقييم الفرص والاحتمالات.
وما يزيد ضرورات توحيد الجبهة الوسطية هو حرص عدة أطراف داخل البرلمان وخارجه على عدم تقديم خدمة مجانية بسبب زحام المرشحين للكتلة الأكثر توحداً وصلابة في المجلس، وهي كتلة جبهة العمل الإسلامي التي ترفع أصوات أعضائها من قيمة التصويت والتسويات، مادام البرلمانيون الممثلون لأحزاب الوسط منشغلاً بعضهم ضد بعض.