برلمان الأردن: «الوسط» مصرٌ على «وراثة» 17 مقعداً للإسلاميين… وتعديلات على «مسار التحديث» على الطاولة

عمان – «القدس العربي»: بعيداً عن الاعتبارات المرتبطة بحسابات انتخابات مواقع الصف الأول الموسمية في مجلس النواب الأردني، يرصد المتابعون مجدداً نمو وزحف السيناريو الذي تفترضه بعض كتل المجلس عن الأحزاب الوسطية وهي تخطط لوراثة 17 مقعداً يجلس عليها التيار الإسلامي في سلطة التشريع وتمثل الكتلة البرلمانية لحزب جبهة العمل الإسلامي.
شهية الطمع في الجلوس على 17 مقعداً برلمانياً جديداً يرصدها الإسلاميون المتخصصون بالمتابعة ونواب حزب الجبهة. والفكرة هنا قائمة على فرضية أن الاتجاه الرسمي في طريقه أو قد يكون في طريقه لحل حزب جبهة العمل الإسلامي تفاعلاً مع تداعيات المخالفات القانونية، التي تقول الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات إنها سجلت باسم الحزب.
والفرضية، في مساحة الأطماع تلك، أن الحزب قد يحل بعد حظر جمعية الإخوان المسلمين، وبعد أو في حال إخفاقه في تفكيك العلاقة التنظيمية مع الجمعية المحظورة رسمياً، ما يعني -في حال استبعاد خيار حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة- إعلان عدم شرعية أحقية الحزب بمقاعد البرلمان التي كسبها حصراً عن القوائم الوطنية العامة.
تلك أطماع قد تكون طبيعية، لكنها تعكس تسرعاً في التخطيط السياسي وسعياً من بعض أحزاب الوسط للحصول على مقاعد مجانية لم ينتخب الشعب رموزها من بين الأحزاب الوطنية. والسيناريو – وهو افتراضي حتى اللحظة على مستوى بعض نواب الجبهات الوسطية – أن إلغاء حصة التيار الإسلامي في القوائم العامة تبقي له 14 مقعداً فقط في مجلس النواب، حصل عليها في الدوائر المحلية، وتعيد توزيع المقاعد التي عددها 17 مقعداً على بقية القوائم الوطنية في حال سعي مراكز القرار والحكومة لتجنب سيناريو انتخابات جديدة.
يقول نواب الوسط بطموحهم في المقاعد المجانية علناً في أروقة مجلس النواب، لا بل يبلغ بعضهم زملاء لهم من الإسلاميين بأن رحيلهم وتقاسم مقاعدهم سيحصل قريباً مع عدم وجود مسوغات قانونية ولا قضائية ولا بيروقراطية حتى الآن على الأقل، في تبرير تلك الأطماع القائمة على الخصومة الحزبية والسياسية، التي تغذيها مؤشرات إقصاء المكون السياسي في المشهد الوطني العام، والتي توسعت بدورها بعد الحظر وتداعياته.
قد تكون مثل هذه المقترحات في توريث مقاعد الإسلاميين لغيرهم مجرد أوهام تعبر عن رغبات شخصية، لكنه سيناريو يبلغ النائب عبد الناصر الخصاونة “القدس العربي” بأنه مطروح على الطاولة، ويجب على المجلس الاستعداد له. ويقدر بعض نواب جبهة العمل، ومنهم حسن الرياطي، بأن هذه المشاغلات والمناكفات هدفها مضايقة كتلة جبهة العمل الإسلامي، وهي جزء من حملات التشويه والتشكيك في كل حال.
لا تعلن أحزاب الوسط في إفصاحات رسمية عن طموحها في السياق، لكن المسألة أقرب إلى سلسلة تسريبات في الأروقة والأقنية الخلفية للنواب مع اقتراب انعقاد الدورة العادية المقبلة، والتي يفصل الشارع عنها نحو 9 أسابيع على الأرجح، فيما يربط الإسلاميون بدورهم أو من تبقى منهم في الحالة الشرعية القانونية بين ضعف هوامش المناورة والمبادرة عند حزبهم الرئيسي، وبين عدم وجود ضمانات بأن لا تسترسل الحكومة والسلطات في استهداف التيار الإسلامي، بحيث تصل موجة الحظر والحل إلى الحزب الأكبر في البلاد.
مؤشرات الطمع في وراثة مقاعد الإسلامين عن القائمة العامة لا يمكن إنكارها، لا بل يميل بعض النواب الآن في العطلة البرلمانية إلى اعتبارها بمثابة أحقية سياسية لهم، فيما أبلغ عميد كتلة التيار الإسلامي النائب صالح العرموطي مبكراً “القدس العربي” بأن استهداف الكتلة تحت قبة البرلمان بات أمراً واضحاً، والمضايقات تواصلت في كل حال.
طبعاً، يظهر الإسلاميون صمتاً مقابل مثل تلك التحرشات والمناكفات. لكن الانطباع لديهم ولدى غيرهم من المراقبين، أن تلك الأطماع بمقاعد مجانية لا تصدر عن فراغ أو أنها ورقة للضغط والمساومة وتضييق الهوامش، وفي كل الأحول لا يمكن توقع نهاية المشوار في جزئية كتلة الأغلبية التي تشكل الثلث المعطل في بعض التشريعات ويجلس عليها الإسلاميون بعدما حصدوا في الانتخابات الأخيرة أكثر من 450 ألفاً من الأصوات، غالبيتها الساحقة في القوائم الوطنية العامة، مع العلم بتراجعهم على مستوى القوائم المحلية في الانتخابات الأخيرة من 180 ألف صوت إلى 150 ألفاً.
وفي كل حال، استمرار وجود أطماع عند أحزاب الوسط في وراثة مقاعد الإسلاميين هو مؤشر حيوي على وجود حالة تنافس شرسة بين النواب على الأقل تعكس الانطباع بأن الأزمة بين الدولة والتيار الإسلامي لا تزال قائمة.
والأهم على الصعيد البرلماني هو تلك الهمسات والتسريبات التي تفيد الآن بأن هذه الأزمة قد ينتج عنها -لأول مرة- ليس فقط إعادة تقييم مسار التحديث السياسي الذي انتهى بالانتخابات الأخيرة، ولكن أيضاً مسارات موازية يتهامس بها بعض المسؤولين مرحلياً بعنوان تعديلات على قانوني الأحزاب والانتخابات، وهو الأمر الذي ستتلقفه الكتل الوسطية في سلطة التشريع إذا ما قفز إلى السطح فعلاً تحت صيغة أسرع تعديلات على أهم تشريعين لمسار التحديث السياسي يمكن ملاحظتها. وهو خيار لا يقف عند حدود مراجعة مفاصل التحديث السياسي ذاته، بل يتعدى باتجاه بصمة وتأثير واضح لأزمة الثقة بين الدولة والتيار الإسلامي.