بعد اتفاق غزة… كيف يفكر «العقل الأردني»؟: السلام بالقوة فرصة… العودة لمجلس الأمن و«هندسة عكسية»
عمان- «القدس العربي»: تجنب الأردن الرسمي بوضوح التعليق على الجدل الذي توسع عبر بعض الشخصيات السياسية والشعبية بعنوان “تجاهل الدور الأردني” من جهة القيادي البارز في حركة حماس ورئيسها في قطاع غزة الدكتور خليل الحية.
في الأثناء، اجتهدت قيادات متعددة بحركة حماس وبعدما أثارت “القدس العربي” المسألة في تقرير سابق لها في بيانات متعددة تعيد إنتاج حالة الثناء على الدور الأردني الذي لا يمكن سياسياً ودبلوماسياً وشعبياً إنكاره.
لوحظ بوضوح أن الصيغة التي اعتمدتها شخصيات أردنية معروفة بعمق خبرتها مثل رئيس الديوان الملكي الأسبق الدكتور جواد العناني، هي لفت نظر الدكتور الحية تحديداً بصفة شخصية إلى خطأ تقديري لما حصل في بيانه الأول الذي أعلن وقف إطلاق النار، مع إشارة إلى أن الحية نفسه يستطيع الاستدراك وتمكين حاضنة المقاومة الفلسطينية الاجتماعية من تجنب الإحراج.
دون ذلك، الجدل الذي انشغل به أردنيون متعددون في المستوى الشعبي وليس الرسمي في الواقع عن تجاهل دور الملك والمملكة من جهة بيان حركة حماس الذي ألقاه الحية في الدوحة القطرية، لم يشكل بأي صيغة مسألة تستوجب التوقف عند بيان رسمي، فقد تجاهل الناطق باسم الحكومة الوزير محمد مومني التجاذبات واكتفى بإصدار تصريح يستعرض فيه ثوابت الأردن في ملف فلسطين وغزة.
لذلك، يمكن القول بعد دخول اتفاق وقف النار، إن الأردن الرسمي يشعر بارتياح بالغ، لا بل إن ما يعمل عليه ويجتهد من أجله وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي هو الحرص الشديد، بالمقابل، على شرعنة وتدويل وقف إطلاق النار تجنباً لمزالق انهيار الهدنة التي يصفها الخبراء بأنها هشة وقابلة للانفجار.
طوال أسابيع، استمعت “القدس العربي” مباشرة للوزير الصفدي، وهو يعتبر العدوان الهمجي على قطاع غزة نتيجة للتشدد الإسرائيلي ولغياب العودة لجذور المسألة الأمنية الإقليمية ولأصل إنكار حقوق الشعب الفلسطيني.
وطوال الوقت يستذكر إعلاميون أردنيون رسميون ما سمعوه في لقاءت سيادية مغلقة بمقرات القرار عن استرسال إسرائيلي في العدوان والحرب خشية مواجهة الحقيقة المتمثلة في أن “الكاميرات” ستتجول بحرية وسط الركام لفضح مستوى الجريمة.
يبدو أن لحظة الصدام بين نتنياهو وفريقه وكاميرات الإعلام الحر والوفود الأممية تقترب في الفهم الأردني لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، ومسؤول أردني بارز همس في أذن “القدس العربي” قائلاً: “تلك لحظات حاول نتنياهو لأشهر الإفلات منها باحثاً عن ضمانات بأن لا تتعرض له العدالة الدولية، لكنها الآن لحظات في الاستحقاق؛ لأن ما ستكشفه الكاميرات بعد إزالة الركام قد يكون أبشع بكثير في مستوى إجرامه وما يعتقده العالم”.
واضح أن الأردن مهتم جداً بمبدأ “المساءلة” وتجنب الإفلات من العقاب، وهو ما كان الوزير الصفدي يردده علناً طوال أشهر في الأقنية الدولية وبهدف حصري مهم، وهو ألا يسمح لإسرائيل بعد الآن بتكرار ما فعلته في أهل غزة تحت كل الظروف، لا في غزة ولافي الضفة الغربية.
وعليه، فرهان المستوى العميق في القرار الأردني ملموس وخافت ولا يتردد علناً على دور “الكاميرات الحرة” وما ستكشفه بعد الحفر من الركام في غزة في ملف “قصف عمر فكرة التهجير بعد الآن” وحرمان إسرائيل من مجرد التفكير فيها بالضفة الغربية، الأمر الذي يشل -برأي العناني وآخرين- الذروة في قائمة المصالح الأردنية الأساسية.
يتهامس الأردنيون عن كاميرات لا ترتبط فقط بالإعلام والصحافيين وبأهل غزة أو بيروقراط حماس، بل أيضاً بالمجاميع التي ستبدأ باسم المنظمات الدولية والإنسانية والدول بالتحرك في القطاع الذي تم تدميره، فتصور وتوثق بطريقها.
وتتحدث مؤسسات عمان العميقة عن “إطار عملياتي”، سياسياً، يردع اليمين الإسرائيلي ومشاريعه وأطماعه العلنية. والانطباع مبكر في عمان بأن ما خططت له “الدوحة” هو الخيار السليم الذي يجب دعمه وإسناده عندما يتعلق الأمر بالعمل مع “دول عربية أخرى” في مجلس الأمن لاستصدار قرار جديد يغلف “مرحلتي اتفاقية وقف إطلاق النار” بصفة “الإلزامية” وبنود ميثاق الأمم المتحدة.
تلك خطوة تقدر الخارجية الأردنية بأنها “ضرورية” لمنع انهيار الهدنة والتأسيس للمرحلة الثانية من التفاوض، خصوصاً أن الاتفاق الأخير ينسجم مع قرار سابق لمجلس الأمن “لم يكن ملزماً” على أن كل ذلك ينبغي أن يتبع ما اقترحه سابقاً وزير البلاط الأسبق الخبير الدكتور مروان المعشر على بلاده وعلى الأوروبيين بعنوان “استصدار قرار جديد من مجلس الأمن يعترف بدولة فلسطينية” أولاً، على أن تنتقل مواصفات التنفيذ الإجرائية بعد وقف دائم لإطلاق النار في غزة إلى منظور “الهندسة المعاكسة”؛ بمعنى “شرعنة قيام دولة فلسطين” أممياً، ثم التفاوض على ولادتها وليس كما كان يحصل في الماضي.
تمكن الوسطاء في المجموعة العربية للوصول بعد “الإبادة في غزة” إلى هذا المستوى المتقدم من خيار “حل الدولتين” في عهد الرئيس دونالد ترامب، هو التحدي الأبرز مع أن المحلل السياسي الفلسطيني الأمريكي البارز الدكتور سنان شقديح نصح الدول العربية عبر “القدس العربي” بأن الرهانات على ترامب تدخل في سياق الاحتمالات المتعددة، لأنه رجل “غير متوقع”. والأهم -برأي شقديح- أن ذلك يشمل إسرائيل في هذه المرحلة.
لذلك، أول ما تفكر به المؤسسة الأردنية الدبلوماسية الآن بعد دخول المرحلة الأولى للهدنة في غزة حيز التنفيذ ظهر الأحد، هو الاستثمار قدر الإمكان بعد العودة لمجلس الأمن مجدداً في مفهوم “فرض السلام بالقوة” الذي اعتمده ترامب وهو يشرح ضغطه على الجانب الإسرائيلي في غزة مؤخراً.
هل يمكن الاستثمار في “النسخة الجديدة” من ترامب وحديث الدول الأوروبية عن “الهندسة العكسية” في الملف الفلسطيني؟ هذا هو السؤال الذي يشغل الآن الكواليس الرسمية الأردنية.