بعد ثلاثية تحذيرات المصري: أردنيون أكثر يطالبون بـ «حوار مخاطر»
دعا لوجوب «اتخاذ خطوات داخلية وبسرعة»… «وجود لا حدود»
عمان ـ «القدس العربي»: خلفية التحذير «الثلاثي» الذي تبناه علناً في مقال جديد له، سياسي أردني مخضرم من وزن طاهر المصري، قد توازي المحتوى في أهميتها بسبب حالة «سيولة استراتيجية» في المنطقة عموماً، مفتوحة على كل الاحتمالات بدون مواجهتها بأي تحضيرات استراتيجية أردنية وطنية «معلومة» أو مطروحة للتداول.
ما تبناه المصري بالمختصر المباشر، هي مقولة من 3 أركان: «الضمانات، وهي: الأخطار المحدقة في المملكة حقيقية وكبيرة، والنجاة الذاتية صعبة، ويجب اتخاذ خطوات داخلية وبسرعة».
تلك مقولة لا يوجد في الصف الرسمي الأردني من يتحدث عنها علناً اليوم أو حتى يريد مناقشتها، حيث الحكومة الجديدة برئاسة الخبير الاقتصادي الدكتور جعفر حسان، لا تتحدث عن الموضوعات والملفات «الدسمة» سياسياً، التي تعكس مخاوف الأردنيين المتنامية خصوصاً من جهة الأطماع.
بحضور «القدس العربي» ونخبة سياسيين، اقترح السفير المخضرم الدكتور موسى بريزات، خطوات عملية لا تنتظر الحكومات من جهة الشعبين الأردني والفلسطيني، للدفاع عن الوطنين.
في السياق، يعيد الخبير الدكتور جواد العناني، التذكير بما قاله سابقاً لـ «القدس العربي» عن ضرورة التحضير جيداً عبر مطبخين للتخطيط الاستراتيجي، أحدهما في رام الله والآخر في عمان؛ لأن التحولات والتغييرات في الإقليم والمنطقة هي في حالة سيولة استراتيجية لا تستوجب الصمت ولا التريث ولا الانتظار.
تصدح المزيد من الأصوات الخبيرة في الأردن هذه الأيام وهي تلتقط يومياً مؤشرات حيوية تتجاوز حالة «إنكار المخاطر» بسبب إصرار اليمين الإسرائيلي؛ أولاً على السيطرة الأمنية في منطقة الأغوار، وثانياً بسبب المناخ الدولي والأمريكي الذي يتواطأ بمنهجية مريبة مع استمرار العدوان الإسرائيلي ومنع أي فرصة لوقف العمليات العسكرية في غزة أو لبنان.
نصائح عمان لكل من دمشق وطهران بتجنب «فخ نتنياهو» كما سمي رسمياً، يبدو أنها لم تعد صالحة للاستهلاك السياسي، فيما يرى سياسيون أردنيون بالجملة اليوم أن على عمان ذاتها أن تتوقف عن الحسابات الوقتية وتعمل في إطار أوسع لتجنب «كمين نتنياهو» رغم المؤشرات التي وصلت مؤخراً من سلطة رام الله، وتنصح بتوفر أدلة وقرائن على «نسخة معدلة» من دونالد ترامب.
دعا لوجوب «اتخاذ خطوات داخلية وبسرعة»… «وجود لا حدود»
لاحظ الجميع سياسياً أن المصري قرر بعد الإعلان عن فوز ترامب مغادرة منطقة الصمت «أردنياً» ونشر مقالاً بجرأة غير مسبوقة طالب فيه بإجراءات وطنية وداخلية سريعة ترتقي إلى مستوى «المخاطر» في عهد السيولة الاستراتيجية. ولم يعترض أحد من ممثلي الصف الرسمي على «ثلاثية المصري» التحذيرية.
المصري يعتبر أحد أكثر السياسيين الأردنيين اعتدالاً وميلاً لقراءة الوقائع، والواضح حتى اللحظة أن شخصية مثل المصري قررت التحدث «علناً» لأنها لا تجد من تتحدث معه أو إليه داخل مؤسسات القرار.
في المقابل، يتحدث كبار الساسة عبر الإعلام؛ لأن غرفة المعلومات والمعطيات مغلقة تماماً على عدد محدود جداً من المسؤولين، أو لأن الحوارات الوطنية التي تناقش «المخاطر والتحديات وموقف الدولة» لا تبرز وسط النخبة أو طبقة رجال الدولة. ويشتكي غالبية أعضاء نادي رؤساء الحكومات في الماضي من «عدم وجود من يتحدثون معه أو يتحدث معهم».
ورغم «جسامة» التحديات ووجود مخاطر تطرق الأبواب، كما يقدر القطب البرلماني صالح عررموطي أيضاً، لم ترصد مبادرات لا من مجلس الوزراء ولا من مجلس النواب أو حتى الأحزاب السياسية، لإبلاغ الرأي العام بالتقدير المركزي لما يجري في المنطقة.
المصري طالب بإجراءات وحوارات وطنية سريعة عنوانها تصليب الجبهة الداخلية، وعلى أساس الإقرار بأن المخاطر عميقة وحقيقية، وعندما استفسرت منه «القدس العربي» عبر عن قناعته بأن الواجب الوطني يوجب على جميع السياسيين التلاقي والتحاور للدفاع عن الدولة وخياراتها ومصالح الأردنيين.
ولم يحدد المصري شكل «الحوار الوطني» الذي يقترحه، لكنه يوافق على «غياب أو تغييب» كل أنماط الحوار، فيما يسجل العرموطي عندما تحدثت معه «القدس العربي» الملاحظة الأكثر تهديفاً وهو يقول إن الحوارات الوطنية أقيمت في الماضي لأسباب «أقل أهمية» بكثير مما يحصل الأردن، حيث الخطر الإسرائيلي محدق.
العرموطي أيضاً لا يحدد نمطية الحوار المقصودة، لكن مراقبين سياسيين كثراً يؤكدون اليوم بأن قاعدة حوار وطنية ضخمة جداً أقيمت قبل أقل من عامين بين مئات من الخبراء والمختصين لنسخ وثيقتين؛ تتحدث الأولى عن تحديث المنظومة السياسية، والأخرى عن تحديث المنظومة الاقتصادية، فيما الوضع الخطير على «حدود الأردن مع فلسطين المحتلة» اليوم، أكثر أهمية بكثير. في ندوة حضرتها «القدس العربي» مؤخراً، رصد نائب رئيس الأركان السابق الجنرال قاصد محمود، وهو يقول: «لم تعد المسألة مسألة حدود، بل وجود، والخطر الإسرائيلي حقيقي جداً».
يسأل أحد الخبراء: ما أهمية أو قيمة التركيز على وثائق التحديث للمنظومات في ظل رصد مخاطر وجودية الآن؟ كيف ستعمل ماكينة الدولة على تثبيت وإنجاح التحديث إذا كانت مشاعر القلق تجتاح مكونات المجتمع؟ تلك أسئلة تطرح أكثر كلما «صمتت» الحكومة الجديدة أو امتنعت عن إدارة «حوار وطني» يطالب به الجميع الآن، فيما يقر الجميع بأنه ينبغي أن لا يترك للأحزاب أو لقوى المجتمع المدني، بل عليه أن يتمأسس وينطلق من مبادرة على مستوى الدولة والمظلة.