الأردن وسيناريو «السند الشعبي»
لابد من تغيير النظرة البيروقراطية الضيقة لقوى الشعب والتقارب مع الناس ورفع مستوى أهليتهم في الاستجابة لما طالبت به القيادة

كيف يمكن تحويل «الإسناد الشعبي» لخيارات القيادة وثوابت الدولة في الأردن ضمن سياقات «ميكانيزم برمجي» يتميز بالإنتاجية والديمومة ويعيد تأهيل القواعد الشعبية على أساس التحدي ومواجهة «القلق» بمدلولاته الشعبية والمرجعية؟
صيغة السؤال تبدو طويلة نسبيا لكنه ضروري جدا ما دامت مؤشرات المصارحة الوطنية هي الأساس وما دام خطاب العرش الأخير في افتتاح دورة البرلمان العادية قد رسم سيناريوهات المرحلة لا بل تعمق في الرهان على الإسناد الشعبي.
نفترض بأن ما ورد في الخطاب بحكم ظرفيته الدستورية عبارة عن «توجيه مباشر» لكل السلطات في البلاد وهو توجيه ملزم بالنص الدستوري ولا يقبل التأويل أو التكهن أو القراءة المنحرفة خارج سياق النص.
في الإطار التحليلي فقط يمكن الافتراض بأن المؤسسات السيادية العميقة لا توجد لديها مشكلة في الاستجابة والقدرة على التنفيذ، مما يعني ضمنا بأن المؤسسات المدنية وتحديدا «مؤسسات الأعيان والنواب والوزراء» هي المكلفة برفع مستوى إنتاجية «العودة للداخل» وإسناد ثوابت الدولة والقيادة.
هل الطاقم الحالي في تلك المؤسسات قادر على الالتزام بحرفية التوجيه؟
سؤال لا يمكن الإجابة عليه الآن والمطلوب من القيادات في السلطتين التنفيذية والتشريعية بعد الآن السهر على تحقيق أفضل نوعية من الاستجابة بعيدا عن الاجتهاد والعبث والعدمية وبعيدا عن تلك الرؤى التي يعرفها كل من يختلط بنخب عمان والتي لا تظهر الاحترام الكافي للشعب الأردني لا بل تتهمه أحيانا.
ليس سرا أن نظرة النخب التنفيذية للقوة الكامنة في العمق الشعبي قاصرة أو أقصر من الرؤية المرجعية.
وليس سرا أن تصرفات الحكومة ورموزها وأحيانا أعضاء البرلمان ترتكب أخطاء في اليومي والإداري «تسحب من رصيد» الدولة عند الناس… تلك معادلة نحسب أن خطاب العرش حسمها وهو يقترح على المؤسسات قبل الشارع مقاربة «قيادة تشتد بالأردنيين» أو معادلة لا تقلق ما دام الأردنيون بالمعنى الشعبي المقدر خلف مؤسساتهم.
لابد من تغيير النظرة البيروقراطية الضيقة لقوى الشعب والتقارب مع الناس ورفع مستوى أهليتهم في الاستجابة لما طالبت به القيادة
المطلوب الآن وبعد التوجيه المباشر قلب المعادلة والعمل التنفيذي والتشريعي في المساحات التي تختص برفع كفاءة «السند الشعبي» حيث لا يجوز بقاء «الفراغات» وأسئلة الإصلاح الحائرة أحيانا حكوميا في مرحلة الاستجابة التي يواجه فيها الأردنيون قيادة وشعبا «مخاطر مقلقة».
يتوجب أن ترتقي قليلا إلى مستوى النبل في النص التوجيهي تصرفات وسلوكيات المستويات التنفيذية والتشريعية بعد الحديث الصريح في معادلة الإسناد الشعبي للقيادة، فالمؤسسة المرجعية تظهر الاحترام الشديد للشعب الأردني وتراهن عليه فيما لا تفعل ذلك المؤسسات المكلفة بعد.
نقولها بصراحة أكثر: مطلوب وبإلحاح رفع كفاءة الإسناد الشعبي للثوابت والدولة في مرحلة إقليمية حساسية… كيف يحصل ذلك ومتى؟ هذا هو السؤال الذي نزعم أن الحكومة والبرلمان كلفا به ظهر الأحد الماضي وعليهما واجب التشاور والتنسيق والعمل بجدية لمواجهة تلك الفراغات والقيام بالمهمة المطلوبة.
تلك أيضا مهمة نبيلة بالمستوى التنفيذي قد لا تكون متاحة بدون مصارحات وطنية أعمق تبني وتؤسس على مصارحات ودهشة ما ورد في خطاب العرش.
ولإنجاز المطلوب وليس المأمول فقط لابد من تغيير النظرة البيروقراطية الضيقة لقوى الشعب والتقارب مع الناس ورفع مستوى أهليتهم في الاستجابة لما طالبت به القيادة علنا… ذلك يحتاج لمساحة «جرأة» في التشخيص والمعالجة لا تقل عن جرأة الرهان المرجعي على الأردنيين كسند لدولتهم ولخيارات قياداتهم ودليلنا مستوى الاحتفال الشعبي الذي تلقى بارتياح مضامين ورسائل خطاب العرش الملكي الأخير.
مطلوب تمكين الأردنيين من استعادة رصيدهم في مؤسسات الدولة بعيدا عن اجتهادات الوزراء والنواب ولا نجافي الوقائع عندما نقول بأن الشعب في وضعه الحالي اقتصاديا وسياسيا قد لا يكون بمستوى المهمة المطلوبة منه في الإسناد ما لم يلمس المواطن قبل المؤسسات تغييرا وتعديلا في المنهجية والأداء والمصارحة والمصالحة الوطنية.
لابد من سياسات تحسن الوضع المعيشي وتواجه البطالة وتؤدي إلى تحسين خدمات القطاع العام.
لابد من عودة عميقة للداخل وللمواطن الأردني تعمل على استعادة «اليقين» الذي ترنح عدة مرات بسبب «ممارسات حكومات الماضي» ولفتح صفحة جديدة على أساس محورية معادلة» السند الشعبي» من المنطقي جدا القول إن الإعلام الرسمي عليه التحرك في اتجاهات مختلفة والأزمة مع الإسلاميين ينبغي أن تحل والمصالحة الوطنية تحتاج لنضج وسرعة خلافا للفهم القائل بأن التركيز على «العمل الميداني» ليس بديلا عن الاقتراب من «نبض الشارع الحقيقي».
لدى الشارع مشكلات حيوية ويومية مع أداء الحكومة وملاحظات على فردية وشخصانية أداء بعض النواب… تلك ملاحظات عليها أن تزول من الخارطة حتى يتم تحشيد الناس وتجميعهم خلف «سردية وطنية» موحدة بعيدا عن «فهلوة» الحكومات وأذرع الإعلام وبوابة «السند الشعبي» لخيارات الدولة والقيادة تبدأ حصرا من عند بناء السردية الوطنية الموحدة.
خطاب العرش استثنائي ومحطته الخاصة بالسند الشعبي وإعادة ترسيم ملامح التوافق والتحلق حول «الخيارات» هي الخطة المقبلة كما نفهم من الأدبيات وظرفها المكاني والزماني.
خطاب العرش «يؤطر» ويرسم والشعب الأردني عموما لا خيارات له بعيدا عن الدولة والثوابت والمؤسسات… هل تستجيب السلطات وتقوم بواجبها في رفع كفاءة الاستجابة الشعبية؟
