بوصلة الانتخابات ومصير المعارضة و«انزلاقات ترامب»: شغف «الأسئلة المحرجة» يزحف في الأردن

عمان- «القدس العربي»: تزاحم الاجتهادات المباغت على عتبة البرلمان الأردني له ما يبرره عملياً؛ لأن كل الجهات وبدون استثناء في المسرح والمشهد الداخلي سياسياً، تظهر الشغف بالإجابة عن سؤالين:
الأول، ماهي انعكاسات توجهات الإدارة الأمريكية الحالية في تصنيف ومحاربة ومحاصرة الإسلام السياسي على البرلمان وتوقيته وولايته وكتلته المعارضة؟
والسؤال الثاني يغرق في بعض التفاصيل أكثر: ما المطلوب بإلحاح من المؤسسات الرسمية العميقة وغيرها أردنياً، استعداداً لمرحلة خطرة، احتمالات الانزلاق الجيوسياسي فيها واردة بعنوان صفقة القرن الأمريكية بنسختها المستحدثة؟
سؤالان في الواقع الموضوعي مطروحان بقوة بدون أجوبة واضحة وصريحة لسبب بسيط يتمثل في أن المستوى الشعبي ومعه الرسمي لم تتوفر له بعد معطيات الإجابة المباشرة أو المفصلة.
وعليه، يمكن فهم اضطرابات تزاحم الاقتراحات والأجندات التي تتلاطم فيما بينها الآن فيما يخص مصير التركيبة البرلمانية، لا بل مستقبل العملية الانتخابية برمتها في المشهد الأردني، بصيغة مرتبطة بالفهم العميق الذي تتحدث عنه همساً نخبة من الخبراء ورموز طبقة رجال الدولة بعنوان «استراتيجية البقاء والصمود والبحث عن الحد الأدنى من الخسائر».
مجلس النواب حتى برأي بعض رموزه وبينهم النائب عبد الناصر الخصاونة- قد يكون الحلقة الأضعف في مواجهة شغف الأسئلة الكبيرة.
ومع غياب بناء تصور استراتيجي شامل للتعاطي مع المرحلة وتداعياتها -وفقاً لرأي المحلل الاستراتيجي البارز نضال أبو زيد- يمكن القول بأن ثمة فرصة وتحديات، لكن الملموس أن غياب المصارحات والمصالحات الوطنية -بتقدير المحلل السياسي الإسلامي الدكتور رامي العياصرة- هو الذي يؤدي إلى إنتاج متعسف للاجتهادات الفردية قد لا يصلح لإدارة استراتيجية جماعية تعيد إنتاج الموقف السياسي الشعبي بما يخدم أهداف الدولة، والعكس صحيح.
تتابع الجدل بين السياسيين المحليين محطة لم يعد من الممكن تجاهلها، ومؤسسة النواب تحديداً على نحو أو آخر، هي المرآة التي تعكس اضطراب الاجتهادات وتزاحم التصورات، حيث لا يشعر غالبية النواب لا بالاستقرار كما يرجح الخصاونة، ولا بحرص السلطة التنفيذية على الاستثمار الإيجابي المتكافئ لأغراض وطنية في هيبة ودور السلطة التشريعية، كما يرجح القطب البرلماني صالح العرموطي.
يسأل النواب في كواليس قبة البرلمان ليس فقط عن مصير ومستقبل حزب جبهة العمل الإسلامي المعارض، ولا فقط عن مصير كتلة ذلك الحزب البرلمانية التي تشكل أغلبية من الصعب التساهل معها، ولكن عما هو جديد تماماً في النقاش الديمقراطي والبرلماني والانتخابي الأردني عموماً، وهو الدخول المربك الذي يثير الفوضى والتجاذبات لما يسعى إليه الأمريكيون تحديداً في ملف الإسلام السياسي وجماعة الإخوان، وعلى غالبية خطوط الإنتاج المحلية.
موقف إدارة ترامب هنا، ولاحقاً تطبيقات الكونغرس الأمريكي المتوقعة، وتعليمات وزارتي الخارجية والخزانة في واشنطن، هي التي دفعت نقاشات الداخل الأردني إلى مستويات فيها قدر من الهلع السياسي أحياناً، ومن وضمنها قدر لا يستهان به من الأسئلة الحرجة التي لا بد -برأي العياصرة وغيره- من حوار وطني راشد لتوفير إجابات دولة عليها.
وجد نواب الأردن أنفسهم بدون إرادة منهم أمام معضلة السؤال والجواب. وتوالدت وتكاثرت فجأة واستجابة لهجمة أمريكية متوقعة على الإسلام السياسي، تلك التوصيات والمقترحات التي تفترض بأن الطريقة اليتيمة لمراوغة الهجمة الأمريكية المقبلة هي تدشين سيناريو حل البرلمان والانتخابات المبكرة. من يطالب بانتخابات مبكرة لا يجيب عن سؤال في غاية الأهمية: كيف يمكن ضمان تقلص مساحة التيار الاسلامي في مقاعد البرلمان في حال تطبيق تدابير الأمريكيين المطلوبة وبدون تفعيل خاصية التدخل في الانتخابات على نحو أو آخر؟
سؤال مقلق ومثير للإزعاج، ومجرد طرحه اليوم على هامش التفكير بالانحناء لعاصفة ترامب وقومه يعني المساس الفوري والمباشر والمؤكد بمنطوق ومضمون استراتيجية التحديث السياسي التي قيل في الإعلام الرسمي لعامين متتالين إنها الأساس والجوهر في التطلع لهندسة المستقبل، وكما قيل طوال الوقت في سياق الترويج لها، بأنها استراتيجية تحديثية بعنوان «قلب صفحة الماضي وترك الخوف من الإسلاميين والتطلع للمستقبل».
ليس سراً هنا أن تلك العبارة تحديداً سمعتها «القدس العربي» عدة مرات من أحد أبرز وأنشط المشاركين في مشروع التحديث السياسي، وهو موسى المعايطة رئيس الهيئة المستقلة الآن لإدارة الانتخابات.
دائرة الخيارات أضيق مما يعتقد الكثيرون. وفي الوقت الذي يمكن فيه التقاط مؤشرات الحيرة وسط البرلمانيين، لا بد من الاعتقاد الراسخ بأن الدولة فيها مجسات خبيرة تقرأ الاعتبارات بعمق، ولديها تصور وخطة تحت عنوان المشي بين الألغام الأمريكية، على الأقل فيما يخص النسخة الأردنية المحلية من الديمقراطية الانتخابية.
سبب الضجيج وتزاحم الاجتهادات يتمثل في أن الحكومة أو السلطة التنفيذية لا تستطيع إبلاغ الرأي العام والنواب بأنها تحتفظ بخطة ما وقادرة على تنفيذها. لكن الرهانات على قراءة الوقائع والمعطيات في توقيت مفعم بالمجازفات وتحيط به الاحتمالات الواسعة، يبقى خياراً عابراً لأي حكومة، وإن كانت المؤسسة المنتخبة ممثلة بمجلس النواب الحالي تشعر بوطأة الإرهاق وتسير حقاً مع بقية الأطراف على الحبل العصبي المشدود، الأمر الذي يبرر عملياً اتساع رقعة الاجتهادات ونمو المقترحات وأحياناً بروز الأجندات التي تحاول قيادة البوصلة إلى مكان ما ليس بالضرورة يمثل وصفة وطنية ملائمة.
