اراء و مقالات

تحالف الفلسطينيين مع «النشامى»: «وحدة الموقفين» الرسمي والشعبي في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية

«خلاصة استثنائية» في ذكرى معركة الكرامة:

عمان ـ «القدس العربي»: الاحتفاء رسمياً وملكياً بذكرى معركة الكرامة الأردنية، مؤشر إضافي على استقرار فكرة التناقض الآن مع «المشروع الإسرائيلي» من حيث طموحاته وأطماعه ليس في الذهن الشعبي العارم فقط، ولكن أيضاً ولأول مرة في «عقل الدولة» بعدما ضاقت خيارات «التكيف السياسي» أمام دوائر القرار الأردني، وبرز بأن خيار «حل الدولتين» الذي تمأسست حوله الاستراتيجية الأردنية برمتها منذ عام 1994 «يترنح» الآن تماماً في مواجهة «مخاطر حقيقية» بالتهجير تبدأ من قطاع غزة، وبالضرورة تنتهي أو ستنتهي بالضفة الغربية، حتى بتقدير وزير الخارجية الأسبق الدكتور مروان المعشر.
ملك الأردن نشر صباح أمس الجمعة «تغريدة» خاصة بذكرى الكرامة التي حلت ظهر الجمعة، استذكر فيها تعريفات «الجيش العربي المصطفوي» التي تعتبر من أحب المفاهيم التعريفية في وجدان المؤسسات والشارع الأردني.
في تغريدته عاهل البلاد، وجه التحية لرجال القوات المسلحة بمناسبة ذكرى الكرامة «الخالدة» مستذكراً «الشهداء الأبرار الذين سطروا أسمى آيات ومعاني التضحية حتى يبقى الوطن آمناً».
وبرزت أيضاً تغريدة موازية بتوقيع ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله، الذي شارك في شهر رمضان المبارك «رفاقه» في السلاح بعدة نشاطات «عسكرية الطابع» خصوصاً على صعيد القوات الخاصة وتدريبات «العمليات» قبل أن ينشر عن ذكرى معركة الكرامة قائلاً «يوم الكرامة 21 آذار. الكثير من العزم».
وبالخطاب نفسه، تبرز رسائل الكرامة في مقال نشره العميد مصطفى الحياري، أحد أبرز مسؤولي التوجيه في المؤسسة العسكرية عندما يقارب قائلاً: نعم، معركةُ الكرامةِ أردنيةُ الإنجازِ، هاشميةُ القيادةِ، عربيةُ الانتماءِ، فانتصارُها عامَ 1968م لم يكن للأردنيين فقط، وإنما للفلسطينيين الذين احتموا بحياضِ الأردن، منتفعين من أرضهِ ومنطلقين منها لاستعادةِ الحقِّ الفلسطينيِّ.

اللهجة المعاكسة

اللهجة المعاكسة للإسرائيلي يمكن رصدها في كلمات مؤثرة وبخلاصة استثنائية تبرز تماماً في وقتها للعميد الحياري، نشرتها عدة صحف بينها «عمون» خصوصاً عندما تحدث عن «تلاحم أردني فلسطيني» وعن وقوف «اللاجئين الفلسطينيين» مع النشامى في معركة الكرامة، ثم قال: الأردنيون والهاشميون وعلى نهجِ الكرامةِ، ينتصرون للفلسطينيين من جديدٍ في غزةَ، يكشفون زيفَ العدوانِ، يعالجون الجرحى، يغيثون المحتاجَ، ويقفون في وجهِ محاولات التهجيرِ لأصحابِ الأرضِ والحقِّ الشرعيِّ.

«خلاصة استثنائية» في ذكرى معركة الكرامة:

الرسالة السياسية بامتياز فيما نشره العميد الحياري، قد تنطوي على مختصر مثير ومهم ومفيد في شرح ما حصل يوم الكرامة: فأصلُ تسميةِ الكرامةِ هو مكرمةٌ هاشميةٌ من المغفورِ له جلالةُ الملكِ عبد الله الأول، الذي وزَّع أراضيَ مزرعتهِ في غورِ كبدٍ وخصصَ مياهَ بئرِها لعونِ اللاجئينَ الفلسطينيينَ عامَ 1948م في ذلك المكانِ، فيما ردَّ اللاجئون الفلسطينيونَ الجميلَ بتسميةِ المكانِ بالكرامةِ، ولاحقا بقتال التنظيمات الفلسطينية المسلحة مع النشامى في معركةِ الكرامة.
تلك خلاصة تحسم جدلاً واسعاً وتعيد إنتاج مدلول وحدة المصير بين الشعبين، وأهميتها أنها تنتج عن «المؤسسة العسكرية» في التوقيت الحالي حصراً، رداً على سيل من التقولات التي سبق أن هاجمها علناً وزير الداخلية وابن مؤسسة الجيش مازن الفراية، عندما توعد مثيري الفتنة ومروجي الكراهية والعنصرية.
ليس سراً في الجانب السياسي باحتفاء الأردنيين أن التحديات التي تواجه الإقليم وفلسطين المحتلة ووالأردن في ظل ذكرى الكرامة الجديدة، هي من الصنف الذي يشغل جميع الأردنيين من القمة إلى القاعدة وعند العسكر قبل المدنيين. وليس سراً أن الذكرى بطابعها الوطني في مقارعة ومواجهة الجيش الإسرائيلي لا بل الانتصار عليه في يوم الكرامة تحل لهذا العام في ظل العدوان الإسرائيلي العسكري الموصوف أردنياً بـ «الهمجية» على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وأيضاً الضفة الغربية.

«وحدة الموقفين» الرسمي والشعبي

ويقدر سياسيون كبار بينهم طاهر المصري، بأن الذكرى الغالية في موسمها الجديد تبرز فيما يزداد شعور الأردنيين بـ «المخاطر» وحصراً من الأطماع الإسرائيلية التي لم تعد مجرد مقترحات انتخابية على الورق، بل برامج عمل تنفيذية تتحول إلى احتلال جديد في الواقع.
المصري أصر بحضور «القدس العربي» على اعتبار «وحدة الموقفين» الرسمي والشعبي، في مواجهة «عدوان الكيان» ورقة رابحة لا بد من الاستثمار وطنياً فيها.
وذكرى الكرامة بهذا المعنى، تعيد إنتاج مخاوف الأردنيين من الاستهداف بعد معركة طوفان الأقصى ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية، التي يصر المصري والمعشر وغيرهما على أن الإسرائيلي يعتمدها حتى وإن كانت على حساب البلاد.
عملياً، ما يميز ذكرى معركة الكرامة في العام 2025 أنها تحضر في ظل خطط إسرائيل المعلنة عن «تغيير شكل وملامح الشرق الأوسط» وفي ظل الإعلان عن إقامة الجدار على حدود الأغوار والتوسع الاستيطاني وبروز عدة سيناريوهات بعنوان تهجير أبناء الضفة الغربية وتحويل قضيتهم إلى «مسألة سكان» ينبغي إما طردهم وتهجيرهم، أو إجبار الأردن على إدارة ملفهم ومصالحهم، وفقاً لتلميحات المعشر في ندوة قبل 4 أيام استضافها منتدى الحموري الثقافي.
لذلك، تحتفل المعارضة قبل الحكومة بذكرى الكرامة العسكرية. ويعبر الأردنيون بكثافة خلال ساعات فقط عن «تناقضهم المباشر» مع الإسرائيلي عبر التوسع في استذكار تلك المعركة وما حصل خلالها، خلافاً للتوسع في استحضار ونشر صور الملك الراحل الحسين بن طلال، وطبعاً استذكار الشهداء من أبناء عشائر وقبائل شرق الأردن في القوات المسلحة قبل غيرهم.
حتى النشطاء في تظاهرات الشارع المنددة بجرائم إسرائيل والمتضامنة علناً مع المقاومة، هتفوا لمدلولات يوم الكرامة بمعناه العسكري في استدعاء «مسيس» لتلك المواجهة التي تحالفت فيها قوى المقاومة الفلسطينية آنذاك مع الجيش في «التصدي» للدبابات الإسرائيلية التي حاولت العبور واحتلال مناطق أردنية في الأغوار.
الاحتفاء الأردني بالموسم الجديد لذكرى الكرامة يحفل بالترميز والتشفير الوطني والمرجعي، الأمر الذي يعكس حالة ذهنية وسياسية على المستوى المؤسسي، تعود بقصة التناقض مع المشروع الإسرائيلي إلى بداياتها الأولى وجذرها بعد تداعيات 7 أكتوبر، والأهم بعد مرحلة امتدت 30 عاماً وأعقبت توقيع اتفاقية وادي عربة التي وصفها وزير الخارجية أيمن الصفدي العام الماضي بـ «ورقة يعلوها الغبار» والتي لم يعد من الممكن الرهان عليها الآن دون أي مزايدة، لا شعبوية ولا سياسية، على مؤسسات العمق الأردني.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading