اراء و مقالات

«تذخير وتغذية» مخاوف الشارع: لماذا تحدث عمرو موسى فجأة عن «الخيار الأردني»؟

عمان- «القدس العربي»: عاد ما يسمى برئيس لجنة الأمن القومي في الكنيست الإسرائيلي بوعاز بيسموت، للعبث مجدداً بأعصاب الأردنيين، ويحرص على توفير مادة جديدة لقوى الشارع التي تنتقد بقاء الموقف الرسمي في إطار إعلان الثوابت وتسعى إلى المزيد من الاشتباك حرصاً على مصالح الوطن الأردني مع الإسرائيليين.
لجنة الأمن القومي في الكنيست الإسرائيلي عادت للربط بين سوريا والأردن، واعتبرت أن الدولتين ينبغي أن تبقيا ضمن السيطرة والتبعية الإسرائيلية.
الاقتراح الذي طرحه بيسموت للمرة الثانية يتضمن أن «الأردن منطقة خالية من القدرات العسكرية، مثل سوريا».
حكومة اليمين الإسرائيلي لا تتبنى مثل هذا الخيار بأي حال من الأحوال، لكنها لا ترفضه في الوقت ذاته، لا بل تستمر في التواطؤ معه.
تصريحات متشددة من هذا النوع أصبحت ذريعة لقوى الشارع الأردني التي تحذر من مخاطر اليمين الإسرائيلي وخططه وطموحاته التوسعية على حساب الأردن والأردنيين، الأمر الذي تحدث عنه في آخر خطابين له المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة، معتبراً أن وحدة المصير بين الشعبين، الأردني والفلسطيني، يؤطرها أيضاً أنهما يواجهان الأطماع الصهيونية في المملكة.
ذلك سياسياً وعملياً «عدائي للغاية» من كل ما تصدره الإدارة الأمريكية من تصريحات إيجابية بحق الأردن، كان آخرها تصريح للمبعوث الرئاسي ستيف ويتكوف، تحدث فيه بإعجاب عن قدرات الأردن في مواجهة الأزمات.
استمرار ظهور تصريحات من الجانب الإسرائيلي تعيد التأزيم والتوتير في الداخل الأردني وتضرب على الأعصاب الحساسة، أمر بات موسمياً ويتكرر ويستخدم لتذخير وتغذية كل المخاوف، سواء على الصعيد الشعبي العام والعارم أم على الصعيد السياسي بالنسبة للتيارات والأحزاب والقوى السياسية، التي تصر على وجودها في الشارع تنديداً بالعدوان الإسرائيلي ومناصرة للمقاومة الفلسطينية.
يحصل ذلك في إطار تتابع غريب لسلسلة من التصريحات التي تضع العديد من الأسطر تحت غالبية النقاط، وكان من بينها تصريح مصور ومتلفز منقول عن الأمين العام الأسبق للجامعة العربية الدكتور عمرو موسى، أعاد فيه الحديث عن ضرورة تحصين الأردن وتوفير الحماية له ودعمه، مستذكراً ما يسمى بـ «الخيار الأردني» الشرير.
والخيار الأردني هو ذلك الذي يعني تكليف الأردن بالإدارة والإشراف وتحمل مسؤولية التجمعات السكانية الباقية بعد ضم الأراضي في الضفة الغربية.
تلك مقاربة كان لافتاً للنظر أن موسى هو الذي طرحها بصورة علنية، معتبراً أن اليمين الإسرائيلي لديه خطط واضحة ومكشوفة للتوسع في سوريا، وأيضاً على حساب الأردن.
هذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها مثل هذه التعليقات عن سياسي مصري رفيع المستوى ودبلوماسي معروف، في الوقت الذي يتداول فيه الشارع الأردني مثل هذه التكهنات والتقولات، فيما لا تعلق عليها الحكومة رسمياً.
رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، الذي يميل للامتناع عن التعليق على الأحداث الفلسطينية والإقليمية، صرح أمس الأول بأن العمليات العسكرية الإسرائيلية الجديدة ضد أهل قطاع غزة واستئناف القصف، لا علاقة له بالأسباب الأمنية التي تتذرع فيها إسرائيل، ما يعني أن لدى رئيس وزراء الأردن قناعة بأن استئناف العمليات العسكرية في غزة له أهداف أخرى، وهي في كل حال ليست أهدافاً غامضة للحكومة الأردنية؛ فقد سبق للدكتور حسان ذاته أن صرح بأن هدف هذه العمليات هو التهجير.
الأردن على ثقة رسمياً ولديه قناعة بأن العدوان الإسرائيلي المتجدد على قطاع غزة وفي ظل استمرار العمليات في الضفة الغربية، مؤشران على صعود غامض لسيناريو التهجير تحت غطاء أمريكي، حيث لا علاقة بالتصعيد لا بالمختطفين والأسرى ولا بكل ما تتحدث عنه حكومة إسرائيل.
يبدو أن العمق الأردني في طريقه للتفاعل مع التطورات على هذا الأساس، فيما تقاطع ما قاله موسى مع ما أعلنه في ندوة عامة الأسبوع الماضي وزير الخارجية الأردني الأسبق الدكتور مروان المعشر، عندما قال إن ما يقترحه اليمين الإسرائيلي بخصوص ما يتبقى من سكان الضفة الغربية أنه يريد ضم الأراضي وترك السكان.
برأي المعشر، المقترح على الطاولة ضد الأردن في كل الأحوال؛ فإما يتم تهجير السكان، أو ذهاب الإدارة الأردنية لرعايتهم، وهو ما يسميه موسى بـ «الخيار الأردني».
تلك مقاربات تبدو مخيفة ومرعبة وتبرر- برأي العضايلة- بقاء الأردنيين في الشارع، كما تبرر دعوة الملتقى الوطني الشعبي الأردني، مساء الإثنين، الجماهير للانتباه لمرحلة خطرة، والأمة برمتها في خطر.
المطارحات تتقافز وتتكدس في سياق المشهد السياسي الأردني، في الوقت الذي انتقل فيه النقاش إلى مستوى متقدم من الحذر والحيطة ونمو الشعور بالمخاطر، فيما الحكومة الأردنية ذاتها تفسر استئناف القصف الإسرائيلي بأنه مقدمة لأغراض التهجير.
يعكس التفاعل هنا انطباعاً بوجود معلومات ومعطيات أردنية من الصنف الذي لا يمكن تجاهله في هذا السياق، تقود إلى مثل هذا الاستنتاج.
لا توجد آفاق حتى الآن لمعالجة اختفاء ما يسمى بالرؤية المصرية وقرار القمة العربية في القاهرة عن مقدمة المشهد الإعلامي والسياسي.
ويحتاج الأردن، مثل غيره من الأطراف الفاعلة والنشطة، إلى التوثق من حياد لم يعد موجوداً أو حتى قدر من الإنصاف في سياسات الإدارة الأمريكية.
ما يتضح لمؤسسة القرار الأردني هو حصراً أن حكومة اليمين أو حكومة المتطرفين -كما تصفها بيانات الخارجية الأردنية- بدأت تتوسع وتتصرف كما يحلو لها في المنطقة بدون رادع تحت ظل صمت وأحياناً تواطؤ إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وهو مشهد يعبر عن أزمة استراتيجية لوجستية ضيقة جداً لا بد من تحديد كيفية التعاطي معها لاحقاً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading