اراء و مقالات

ترامب يحشر الأردن في «زوايا غير قابلة للتدوير»: «قذيفة تشريعية» ضد التهجير وبـ «صفة الاستعجال»

عمان- «القدس العربي»: إعلان اللجنة القانونية في مجلس النواب الأردني، صباح الإثنين، منح مقترح بقانون «يحظر التهجير إلى الأردن» صفة الاستعجال؛ بمعنى منحه أولوية في النقاش قبل تحويله للنقاش عليه أو مناقشته، هو خطوة إضافية في اتجاه الاستجابة لما اقترحه نواب التيار الإسلامي حصراً، وبصيغة تظهر جاهزية المؤسسات الرسمية والتنفيذية والتشريعية لإطلاق ما يمكن وصفه بـ «قذيفة تشريعية أردنية» مضادة هذه المرة لاتجاهات وسيناريوهات التهجير التي يطرحها اليمين الإسرائيلي ومعه اليمين الأمريكي.
قبل ساعات فقط قليلة من لقاء مرتقب ومنتظر وجميع الأنظار تتجه نحوه بين الرئيس الأمريكي والملك عبد الله الثاني، أبلغ رئيس اللجنة القانونية مصطفى العماوي صحيفة «عمون» المحلية بأن لجنته استقبلت مشروع قانون حظر التهجير ومنحته صفة الاستعجال، وسيحظى بالأولوية وسيحال -وفقاً للنظام الداخلي في أقرب وقت ممكن- للتصويت عليه.
الخطوة التي أعلنها النائب العماوي قد تكون الأكثر جدية في المسار التشريعي باتجاه قوننة حظر التهجير. ورئيس كتلة جبهة العمل الإسلامي النائب والمرجع القانوني صالح العرموطي كان قد أبلغ «القدس العربي» سابقا أن مشروع القانون الجديد صيغ بعناية مدروسة بعد مراجعة كل التشريعات الوطنية التي يمكن أن تكون ذات صلة، بما في ذلك القوانين التي تنظر في محاكمة الوزراء وكبار المسؤولين.
تلميحات العرموطي واضحة هنا، وقد تقود إلى تجريم فكرة القبول بالتهجير تحت أي ظرف.
منح مشروع القانون صفة الاستعجال هنا سابقة تشريعية قد تكون الأولى من نوعها منذ عام 1994 خصوصاً أن رئيس اللجنة القانونية وهو يعلن صفة الاستعجال، يؤشر ضمناً على توافقات على مستوى الدولة في طرح هذه الورقة التشريعية على الطاولة السياسية.
النائب العماوي يترأس أصلاً الحزب الوطني الإسلامي الذي ينافس الإخوان المسلمين في العادة. والحزب المشار إليه كان قياديون فيه برفقة نواب كبار من حزب إرادة على رأسهم خميس عطية، قد تقدموا سابقاً بصيغة مماثلة لاقتراح قانون يمنع التهجير إلى الأردن. تلك السابقة التشريعية إضافة جديدة تكمن أهميتها في أن البرلمان الأردني يتحرك تشريعياً ضد خط التهجير، ولأول مرة يحصل ذلك عملياً رداً على تشريعات من الكنيست الإسرائيلي قررت إلغاء بعض القوانين الأردنية النافذة في الضفة الغربية تحديداً منذ عقود.
ورسالة اللجنة القانونية هنا تظهر ضمناً وجود ضوء أخضر لدعم استقلالية القرار السياسي للمملكة بمنح صفة الاستعجال لصيغة قانونية تنطوي على تحريم أي خطوة تسمح بالتهجير، علماً بأن الرأي العام الأردني عموماً في حالة توتر وانتظار وترقب لما ستسفر عنه لقاءات الملك عبد الله الثاني في واشنطن.
يكشف العرموطي عن مقترحات قانونية أخرى قدمتها جبهة العمل الإسلامي تحت عنوان «رفض ضم الضفة الغربية والأغوار أيضاً».
اللافت والمستجد في إعلان اللجنة القانونية هو ترتيب وحصول استجابة سريعة بصفة الاستعجال بجهد تشريعي وقانوني ناضج تقدمت به المعارضة التي تمثل الحركة الإسلامية هذه المرة.
ذلك بحد ذاته ترتيب مختلف ومستنجد يوحي ضمناً بأن تيارات الوسط والموالاة لا تمانع بعد الآن حالة التشبيك التشريعي مع الإسلاميين أو غيرهم عندما يتعلق الأمر بملف التهجير الذي يضرب كل الأعصاب المشدودة في الشارع وداخل المؤسسات الأردنية بالرغم مما يقال وما يمكن قوله لاحقاً هنا وهناك.
هنا حصراً حالة استجابة وتشبيك يمكن البناء عليها بعدما رفع الإسلاميون في الشارع خطاب التقارب مع الدولة والإدارة العليا لها بثلاثية «الوطن والجيش والقيادة» التي طرحها في أكثر من مرة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة، فيما كان القطب البرلماني العرموطي يصرح بأن مشاريع القوانين الجديدة المقترحة، من بين أسبابها الموجبة دعم «لاءات ملكية» معروفة ومعلنة؛ بمعنى دعم خطاب الثوابت.
العرموطي تحدث مع «القدس العربي» عن أخطار وشيكة لا بد للشعب الأردني أن يتصدى لها وليس عن مخاطر مفترضة أو مجرد أطماع؟
والإشارات لدى الأوساط السياسية المحلية تراكمت باتجاه رصد الإجراءات وليس الأقوال فقط، الذي يقوم بها ويمارسها اليمين الإسرائيلي في الضفة الغربية، فيما تكرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غير المسبوق لمقترحاته بشأن تهجير أهل غزة تثير كل أصناف الحساسيات وسط الأردنيين، حيث لا يجامل الرئيس ترامب هنا ولا يتراجع ولا يعدل بتصريحاته، دافعاً المصالح الأردنية حصراً إلى زوايا ضيقة للغاية، أهم صفاتها مرحلياً أنها زوايا لا تقبل مسارات التكيف أو الملاعبة السياسية، لا بل زوايا لا تقبل إعادة التدوير؛ لأن الأردن مضطر للرفض ويتعامل مع مقترحات التهجير التي طرحها ترامب مساء الأحد للمرة الرابعة باعتبارها خطراً على الهوية الوطنية الأردنية وليس على مصالح الدولة فقط.
الجهود الشعبية والمؤسساتية والتشريعية الأردنية تفاعلت وتكثفت خلف منطق دعم موقف الملك في مواجهة سيناريوهات ترامب.
تلك الجهود تتراكم بغطاء رسمي واضح ولا مجال لإنكارها، الأمر الذي يجعل منح قانون حظر التهجير صفة الاستعجال خطوة في الاتجاه البرلماني المؤسسي، وليس باتجاه التيار الإسلامي فقط.
التقدير سياسياً هنا أن مفاوضات القيادة الأردنية مع الإدارة الأمريكية ستأخذ بالاعتبار تلك الخطوات في التحسين التشريعي على طريقة الكونغرس والكنيست.
النمط الجديد من الحراك التشريعي ضد التهجير والضم وتصريحات ترامب، دخل في المعادلة الأردنية السياسية، والمشهد بات مفتوحاً على كل الاحتمالات.
ما يبدو عليه الوضع أردنياً، أن تمسك الرئيس الأمريكي بخيار امتلاك غزة ثم التبرع بأجزاء منها وتهجيره أهلها، يدفع الأردن الرسمي إلى مستويات غير مسبوقة من الضغط السياسي والابتزاز المالي، ما سينتهي أو ستكون نتائجه المباشرة على الأرجح تغيير شكل وصيغة العلاقة الأردنية الأمريكية المألوفة منذ عقود في عهد الرئيس الأمريكي الحالي.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading