جديد الأردن: حاضنة شعبية و«إخوانية» تدعم «الثورة السورية» وضمور «شبيحة عمان»
كيف ومتى ستلتحق الحكومة الأردنية بالثورة السورية؛ بمعنى الاستثمار فيها؟ هل ستواصل عمان الانتظار؟
عمان- «القدس العربي»: خطاب رموز الحركة الإسلامية الأردنية يتطور دعماً للتغيير الذي حصل في سوريا المجاورة؛ لأن وجود “الصديق التركي الموثوق” في عمق ترتيبات الثورة السورية الجديدة يحفز خطاب الإسلاميين الأردنيين ويؤسس لضمانات ليس بالضرورة تتفق معها الدولة تحت عنوان وستار دعم التغيير الحاصل.
في كل حال، واضح من خطاب رئيس كتلة جبهة العمل الإسلامي في البرلمان الأردني صالح العرموطي، صباح الإثنين، أن التيار الإسلامي بنسخته المحلية قرأ تطور المشهد السوري بصورة متأخرة في سياق مصالح عودة الإسلام السياسي، ومن ثم تخفيف الضغط عن مؤسسات الإسلام السياسي في الأردن على سبيل المثال.
هنا قرر العرموطي باسم كتلته، توجيه بعض الرسائل التي تحتاج لتفكيك ضمن شيفرة محددة قد يكون من بين أهم إشاراتها تلك الرسالة القائلة إن ما جري مع النظام السوري رسالة لكل نظام عربي عنوانها “التصق بشعبك”.
العرموطي أيضاً امتدح موقف الأردن التاريخي في دعم الشعب السوري، لكنه طالب بما سماه الاعتراف بالثورة السورية، لا بل دعمها.
ظهر تباين بين موقف التيار الإسلامي والموقف الرسمي، صيغته مبالغة الإسلاميين بالترحيب بالثورة السورية وحرصهم على تقديم الدعم لها رغم عدم وجود صلات سياسية أو فكرية أو حتى أيديولوجية بين الإخوان المسلمين وهيئة تحرير الشام.
لاحقاً، يظهر التباين عند التدقيق بالخطاب الرسمي الأردني الذي أعلن عملياً، التفاعل مع الواقع الجديد في سوريا دون التهليل والترحيب.
الباحث الأردني السياسي البارز الدكتور وليد عبد الحي، نشر الإثنين دراسة مختصرة لما سماه بالوضع المعقد اليوم في سوريا، مشيراً إلى أن الابتهاج الطفولي مسألة لا تجيب عن كثير من الأسئلة العميقة المطروحة الآن على دول الجوار والإقليم، وعلى رأسها الأردن.
لعل أكثر أسئلة الدكتور عبد الحي أهمية للزاوية الأردنية حصراً، هو ذلك الذي تضمنته محاولته لتعريف بيئة وتفسير مفردة الشام عندما يتعلق الأمر بهيئة الشام، الحاكم الجديد في دمشق.
والأكثر أهمية هي تلميحات عبد الحي إلى أن الحاجة ملحة لفهم التصور التركي الأردوغاني أيضاً لعبارة بلاد الشام، وهو أمر بالغ الخطورة والحساسية في كل حال عندما يصيح سؤال الأمن القومي والحدودي الأردني مطروحاً.
ثمة حاضنة نخبوية تحركت بسرعة وسط الأردنيين خلال الأسبوع الماضي تدفع باتجاه مقاربة لفتح آفاق التعاون مع ثوار سوريا وحكام اليوم فيها.
ولا يتعلق الأمر هنا بالتعبيرات الرسمية فقط للحركة الإسلامية. فناشط نقابي بارز مثل الدكتور أحمد زياد أبو غنيمة، نشر يطالب بالترفق بالثورة السورية المجيدة، داعياً للانتباه لسيناريو الصهيونية العربية إذا ما قررت السعي لإجهاض تلك الثورة.
أبو غنيمة اعتبر أن نجاح الثورة السورية في إعادة الأمن والاستقرار واستعادة الدولة، مصلحة وطنية أردنية. ثم قال إن الأردن عانى كثيراً من نظام دمشق الطائفي المجرم في الماضي.
وفي الواقع، بدأت تزدحم اجتهادات لنخب أردنية تدعو لتجاوز الحساسيات مع تشكيلات هيئة تحرير الشام، لا بل تحدث وزراء سابقون أردنيون صراحة عن ضرورة تغيير موقف بلادهم من النسخة المستحدثة من جبهة النصرة، التي سبق أن صنفها الأردن بالإرهاب، في الوقت الذي تصاعدت فيه عملية تنظير ملموسة أردنياً للفوائد والمكاسب المرتجاة إذا ما وضع الأردن الرسمي يده في يد حكام دمشق الجدد وسط تكرار الدعوات لمقاربة جديدة أكثر نفعاً للأردنيين مع تركيا الرئيس رجب طيب أردوغان.
التخلص من الحذر مع أردوغان قد يصبح مطلباً شعبياً للحاضنة الاجتماعية التي تتفاعل بوضوح لصالح الثورة السورية الآن.
بعض رجال الدولة الخبراء يقترحون مبكراً إعادة إنتاج الفهم الأردني لفكرة “الدور الإقليمي الجديد”.
أحد المخضرمين من الأكاديميين همس في أذن “القدس العربي” قائلاً: “علينا في المملكة تجاوز رف المعلبات في التفكير، لأن المسألة أبعد وأعمق من البهرجة الاحتفالية والتصفيق في الشارع السوري”.
ذلك يحصل مع الأخذ بالاعتبار ترحيب الإخوان المسلمين الحار بالتخلص من نظام بشار الأسد، وبالتوازي “ضمور” نشاط وفعالية كل التيارات والنخب التي كانت تملأ الدنيا ضجيجاً في عمان وهي تتحدث عن دور سوريا بشار الأسد في الممانعة والمقاومة، أو ما يسميه أبو غنيمة بـ “شبيحة عمان”.
تعديلات وصياغات جديدة لا يستهان بها برزت خلال أيام قليلة وسط الأردنيين، عنواها الأعرض هو الضغط على الحكومة لكي تستثمر في الثورة السورية، والحرص على وجود حاضنة اجتماعية لها على الرغم من كل ما يقال من الخنادق الأخرى عن علاقة الثورة السورية بإسرائيل والأمريكيين، في الوقت الذي بدأ فيه حتى رموز في القطاع الخاص والنقابي بتحذير الحكومة من تجاهل المكاسب الاقتصادية الكبيرة التي قد تنعم بها المملكة إذا ما أظهرت نوايا طيبة تجاه الحالة السورية الجديدة.
بين تلك المكاسب المفترضة حتى الآن بالتأكيد، إزالة قانون قيصر الأمريكي الذي تسبب -كما قال الخبير الاقتصادي البارز الدكتور جواد العناني لـ “القدس العربي” سابقاً- بخسائر لا تقل عن 5 مليارات من الدولارات، مع بقاء العين على دور محتمل في إعادة إعمار سوريا القريبة المجاورة، والآفاق التي يمكن أن يفتحها ذلك للاقتصاد الأردني إذا ما تفاهم المستوى الاستراتيجي للدولة مع دمشق الجديدة.
تتحدث الفعاليات أيضاً عن عوائد تجارية مذهلة في قطاعات النقل والتجارة إذا ما فتح معبر باب الهوى التركي.
الملاحظ عموماً أن مؤيدي الثورة السورية بين الأردنيين يتوسعون في التبشير بامتيازات الاقتراب من تلك الثورة ورموزها وتنظيماتها، فيما يضمر أو ينحسر تأثير نشطاء المؤامرة على سوريا التي كانت في سياق الممانعة.
الحكومة الأردنية من جهتها، تقف كالعادة في منطقة الأمان؛ أي منتصف الطريق، وهي تتحدث عن حق الشعب السوري في الحرية وتقرير مصيره دون أدنى تشبيك علاقات مع الأطراف الفاعلة في المتغير السوري.
لذلك، يصبح السؤال هو: كيف ومتى ستلتحق الحكومة الأردنية بالثورة السورية؛ بمعنى الاستثمار فيها؟ هل ستواصل عمان الانتظار؟