جريمة «جرش» السياحية تشغل الشارع الأردني الذي يسأل: «ذئب منفرد» أم «مشاجرة»؟
اطلبوا «الطعن» ولو في المكسيك ومخيم «سوف» الصغير على وكالات الأنباء
ليس سهلاً الاستنتاج بشأن الفتى الأردني الذي نفذ عملية طعن لسياح ورجال أمن في مدينة جرش شمالي البلاد قبل أيام خصوصاً وأن القضية حولت فعلاً لمحكمة أمن الدولة، الأمر الذي يستبعد تصنيفها في المستوى الجنائي والتعاطي معها قانونياً وقضائياً باعتبارها جريمة «كراهية وإرهاب».
مرتكب الجريمة الشاب مصطفى أبو رويس خضع بالتأكيد للتحقيق خلال ثلاثة ايام ومن قبل خبراء يرغبون في التوثق قبل أي شيء من حالة «ذئب منفرد» محتملة متأثرة بمعطيات إرهاب داعش وشقيقاتها فعدد الحالات الفردية التي صنفت بالأردن في هذا السياق وحسب مصدر أمني تجاوز قبل عامين 50 حالة.
الانطباع يتكرس بأن التنظيمات المتطرفة والإرهابية التي حاولت «تنفيذ عمليات» في الأردن طوال سنوات وجدت مؤسسات أمنية صلبة وخبرات اصلب حالت دون التمكن من ارتكاب جرائم ارهابية في الساحة المحلية من الطراز العابر للحدود مما دفع شخصيات أردنية وغير أردنية بالعراق وسوريا مصنفة إرهابية لتجريب تجنيد وتقمص حالات الذئب المنفرد.
الأردن كان قد اكد رسمياً مؤخراً احتفاله بمقتل «زعيم دولة الخلافة الإرهابي» أبو بكر البغدادي حصل تواصل أردني أمريكي على مستوى الزعماء انتهى بالتأكيد على بقاء الأردن في مستوى التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي ينتحل صفة المسلمين ويحاول الإساءة للإسلام ولأتباع الديانات.
في حالة الفتى ابو رويس لا توجد ولا أي إشارة رسمية موثقة على دوافع وطبيعة الجريمة التي ادت لجرح ثمانية اشخاص اربعة منهم سياح والباقون أردنيون يعملون في إدارة السياحة وبينهم رجلا امن يتبعان فرعاً يسمى الشرطة السياحية.
السلطات تكتمت عن الإفصاح مما يدلل على ان التحقيق لم يكتمل بعد. وأغلب التقدير ان تحويل الملف إلى محكمة امن الدولة يعني قراراً مسبقاً بتصنيف الجريمة باعتبارها إرهابية وسعياً ايضاً للتعمق في التحقيقات الامنية في الوقت نفسه خصوصاً أن الأردن يعتبر نفسه رسمياً في حالة اشتباك متواصلة مع الجماعات الإرهابية الساعية دوماً لتجنيد اشخاص في الداخل.
حصل ذلك رغم الآراء التي تستبعد وجود تنظيم أو دوافع إرهابية وراء الحادثة وإن كان غريباً ان يستطيع مهاجم صغير السن وبسكين حادة وصغيرة التمكن من طعن ثمانية أشخاص دفعة واحدة رغم وجود عشرات الاشخاص حوله.
في كل حال السلوك إجرامي وطال سياحاً أبرياء من دول لا علاقة لها بكل الدوافع المألوفة اعلامياً بخصوص قضايا العرب والمسلمين فالجرحى ثلاثة منهم من المكسيك وسائحة سويسرية واربعة أردنيين بمعنى ان الجزء التنظيمي أصلاً- إن وجد – يبدو جاهلاً بالحيثيات وغير منطقي فالرأي العام الأردني عموماً لا يعرف ما إذا كانت البلاد تستقبل أصلاً سياحاً من المكسيك ولا يوجد بين الضحايا رعايا لأي دولة من الدول التي تدعي أدبيات الارهابيين أنها «عذبت» الشعوب العربية والإسلامية.
البعد المكسيكي في العملية أثار نقاشاً سياسياً وفي بعض الأحيان لاذعاً على وسائط التواصل حيث نشط السفير المكسيكي في عمان وأدلى بتصريحات أكد فيها أن بلاده ستواصل إرسال السياح وحيث استنكار شمولي للجريمة على قاعدة ان الفاعل «طلب الطعن ولو في المكسيك» وحاول التأسيس لسلوك منحرف.
وقد تظهر هذه الحيثيات ما دفع باتجاهه بعض النشطاء من ان المسألة قد لا تتجاوز في النهاية «مشاجرة عنيفة» او اعتداء مختل على من تواجد في المكان بالصدفة وبدون نوايا وتخطيط مسبقين.
وهي نظرية تختبرها السلطات ايضاً وتبناها بعض نشطاء أبناء مدينة جرش حيث رسائل على المنصات التواصلية تتحدث عن الفتى باعتباره «بائع مياه» يترزق بالعادة في الساحة المطلة على المدينة الاثرية.
والسيناريو الأخير إن كان دقيقاً قد يؤدي لفهم دوافع الجريمة بعيداً عن المسار الإرهابي او السياسي وان كانت النتيجة إرهابية في كل الأحوال وانتهت بالاعتداء على ابرياء من الاجانب والموظفين المحليين.
بالنسبة لوكالة الأنباء الفرنسية الفتى المهاجم ليس «فلسطينياً حضر للبلاد في اليوم نفسه» كما أشارت التقارير الأولى بل يقيم ويعيش في مخيم «سوف» المجاور للاجئين الفلسطينيين وهو مخيم هادئ في كتف مدينة جرش الأثرية لم ترصد بين أهله في الماضي أي نشاطات مرتبطة بتنظيمات إرهابية. أما بالنسبة للبرقية الأمنية الأولى عن الحادثة والتي تم تسريبها عبر مجموعات «واتساب» فالحديث عن «حدث من أصل فلسطيني» وهي صيغة تعني التدقيق في أصول الفاعل وإن كان أردنياً في كل الأحوال.
تلك مسائل يكمل حلقتها التحقيق في كل حال عندما يكتمل أصلاً لأن الادعاء في القضاء العسكري لم يكشف بعد أي تفاصيل والحكومة لا تستطيع التدخل أصلاً بالعمل الأمني والجريمة استنكرها جميع الأردنيين وبكل مكوناتهم في كل الأحوال وإن كان الإصرار «الرسمي» على تصنيف الأصل والمنبت في حالات مماثلة يبقي بعض الاسئلة معلقة خصوصاً في «بيانات رسمية» وليست أهلية خالية من المسؤولية.