اراء و مقالات

جمع التبرعات في الأردن لغزة… و«فائض الدم» رسالة جديدة عبر النقابات

عمان- «القدس العربي»: فائض الدم الذي جمعته النقابات المهنية الأردنية خلال ساعة ونصف ضمن حملة صغيرة جداً للتبرع بالدم من أجل ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أصبح رسالة طرقت أبواب كل الأوساط السياسية بامتياز في مواجهة كل تلك الأسئلة التي يبدو أن عدة دول صديقة أو حليفة أو شريكة للأردن تصر على طرحها من زاوية استعصاء فهمها لحالة التضامن الشعبية الأردنية مع أهل غزة، والأهم مع فصائل المقاومة الفلسطينية.
تجربة ما حصل بأول حملة صغيرة لجمع تبرعات بالدم من الأردنيين، تحتاج إلى تأمل وتعمق سياسي. وما حصل بالخلاصة والاختصار، هو أن لجنة فرعية أعلنت للجمهور الأردني عن حملة للتبرع بالدم لأهل غزة، على أساس أنها حملة رمزية وصغيرة.
لكن خلال ساعة واحدة، كانت الكمية المطلوبة بالتنسيق مع بنك الدم الأردني طبعاً لحفظ الدماء المتبرع بها قد غطيت وانتقل برنامج الحملة من جمع تبرعات بالدم من ست ساعات إلى ساعة واحدة فقط.
وخلال ساعة ونصف حصرياً، انتهت الحملة وتم الإعلان عن عدم وجود آلية لتخزين الكمية الكبيرة من تبرعات الدم التي حضرت، فيما كانت طوابير المتبرعين من المواطنين الاردنيين تجتاح عملياً مقر النقابات المهنية.
احتاج الأمر للعبور والتسلل في حملة صغيرة لجمع الدم إلى إجراءات، من بينها إعلان وقف الحملة، ثم توضيح الأمر للجمهور المتبرع بأنه لا يوجد تجهيزات صحية وفنية لحفظ كميات الدم المتبرع بها نقط.
اندفع الأردنيون هنا فوراً وبطريقة دراماتيكية سياسياً لحملة التبرع بالدم، وسرعان ما طالبوا بحملات تبرع دم أوسع من ذلك. تلك بكل حال، رسالة من الشعب الأردني في إطار التضامن مع الشعب الفلسطيني، كما يشرح القطب البرلماني خليل عطية لـ “القدس العربي” وهو يوضح أن على جميع الأطراف وعلى رأسها أطراف العدوان الإسرائيلي الهمجي في معركة الإبادة ضد أهل غزة، أن يقرأوا موقف الشعب الأردني في هذا السياق جيداً، وبكل إمكانات التأمل.
أما بشأن عطية وغيره من أعضاء البرلمان الأردني وقادة العمل السياسي في الشارع، فقد كان ما حصل في حملة تبرع الدم إشارة تعيد إنتاج الواقع الموضوعي، على أساس أن تنديد الشعب الأردني ومؤسساته الرسمية -وفقاً لعطية- بالعدوان الإسرائيلي مسألة لا تقبل القسمة على اثنين.
لكن مسألة الدم والتبرع بها ليست وحدها، فالجميع يعلم مسبقاً أن الشعب الأردني احتل الصدارة بالمرتبة الأولى في حملات المقاطعة للشركات والمطاعم والمحلات التي تناصر إسرائيل، كما أنه ساهم في حملات جمع التبرع، وهو على الأرجح الأمر الذي دفع وزارة التنمية الاجتماعية فجأة لفتح ملف الإشراف والسيطرة على التبرعات المالية السخية التي قدمها الأردنيون بطريقة تثبت استعدادهم لتقاسم رغيف الخبز مع الشعب الفلسطيني في إطار المعركة التي يصفها الجميع اليوم بأنها معركة وجودية.
الأردنيون في مواجهة البعد القانوني الذي يحاول ضبط إيقاع جمع التبرعات، وأيضاً في مواجهة ذلك الجدل المرتبط بجمع التبرعات لأهالي قطاع غزة في إطار التحقيق مع بعض الجمعيات التي حولتها وزارة التنمية الاجتماعية للنيابة بهدف التحقق من سلامة تلك التبرعات والحفاظ على حقوق المتبرعين والمتبرع لهم، كما قال بيان الوزارة.
هذه النقاشات في سياق التأكيد على أن العديد من النشطاء خرجوا للشارع العام، وتحديداً من نشطاء حي الطفايلة الشهير وسط العاصمة الأردنية عمان، الذي قاد عدة حملات للتبرع بالخبز واللحوم والحليب لأطفال شمال غزة والإعلان بأن جميع أعضاء وسكان وأهل حي الطفايلة متهمون، كما قال أحد النشطاء قبل أن يصف الناشط الاجتماعي البارز في الحي أحمد اربيحات من يعتقد بإمكانية وقف التبرعات من أهل الحي بـ”الجاهل”.
تلك أيضاً رسالة من الأردنيين يفترض أن تقرأها حتى دوائر القرار بصورة تليق بها، فيما كان الناشط النقابي البارز أحمد زياد أبو غنيمة يطالب بدلاً من تحويل نشطاء جمع التبرعات لأهالي غزة إلى النيابة والتحقيق بمنحهم أوسمة، في الوقت الذي طالب فيه الناشط ميسرة ملص، بتعديل القانون حتى يتناسب مع هذه المهمة النبيلة والمقدسة.
بكل حال، يرسل الشعب الأردني مرة تلو أخرى وبطريقة فيها توافق وطني وإجماع من جميع شرائحه ومكوناته، رسائل لكل الأطراف المهتمة بجزئية أو زاوية التضامن مع غزة.
وفائض الدم في حملة صغيرة للنقابات المهنية تم الإعلان عنها أمس الأول، يثبت بأن أكثر من 3000 أردني قدموا وحدات الدم في إطار تلك الحملة، فيما كان آلاف غيرهم ينتظر في الشارع وداخل مقر النقابات. الشارع الأردني في إطار رسائل واضحة، ولعل أول جهة ينبغي أن تقرأ هذه الرسائل جيداً تجنباً لأي احتكاكات ضارة بالمصالح الاجتماعية، هي الحكومة الأردنية أو تلك الأطراف النشطة في مجال الاسترسال في إنكار المخاطر والتكيف مع الحالة الحالية غير المستقرة في فلسطين المحتلة، وتلك الجهات التي تمارس تحريض الدوائر الرسمية على الشعب الأردني والنشطاء الاجتماعيين في معركة طوفان الأقصى.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading