اراء و مقالات

حكومة جديدة في الأردن: كيف بدأ «التشاور»؟

واجب الحكومة طرق أبواب الأحزاب الشرعية والتحدث مع نواب وممثلي الشعب الفائزين توا بالانتخابات عبر إطارهم الحزبي

واضح أننا كمواطنين أردنيين لن نشهد قريبا ذلك المشهد الساحر الذي يتجول فيه رئيس وزراء مكلف بدراجة نارية أو هوائية أو يستخدم الحافلات العامة للوصول الى أبواب الأحزاب السياسية وطرقها تحت عنوان التشاور.
واضح مع إقرارنا بحق الأردني أن يحلم بأننا مستمرون في البقاء في المنطقة التي تعتبر المنصب الوظيفي تشريفا لا تكليفا. حتى اللحظة لا نطالب بأن يظهر رئيس الوزراء متجولا على دراجة هوائية.
لكن موكبه الرسمي المحروس نفضل أن نراه يصل بموعد مسبق أو بدونه إلى مقرات الأحزاب السياسية والنقابات المهنية وغيرها من المؤسسات المدنية، مادامت النوايا صافية والهدف هو الخدمة العامة، وتأطير شكل من التشاور قبل إعلان التشكيل الوزاري أو حتى كتابة وإعداد البيان الوزاري للحكومة.
لاحظت بأن نسخة التشاور اليتيمة خلال يومين مع بعض الأحزاب السياسية كانت أقرب إلى مذكرة استدعاء لمقر الحكومة تخص مسؤولين في بعض الأحزاب بينما الأصل أن يجتمع رئيس الوزراء المكلف في مقرات الأحزاب ويطرق أبوابها ليس لطلب الدعم منها بل لدعم مسار المنظومة السياسية.
نفهم التشاور باعتباره عقد اجتماع عملا وطنيا والوقوف عند استدعاء قيادي حزبي هنا أو هناك خطوة لا تكفي ولا تلائم المرحلة ولو كنت مستشارا ـ لا سمح الله ـ لأقنعت رئيس الوزراء المكلف بزيارة المؤسسات وليس الأشخاص، حتى يستمع بحرص لإيقاع الناس ميدانيا، فيصغي ويقول ما لديه من معطيات الواقع، منعا على الأقل لتضخم المطالبات وارتفاع سقف التوقعات.
كنت أفضل كمراقب أن يجتمع رئيس الوزراء المكلف الجديد الدكتور جعفر حسان بقيادات الأحزاب في مقراتها، وأن يقضي الوقت المتبقي بين يديه في الاحتكاك بقادة العمل السياسي والاجتماعي والمدني تحديدا لأن تمثيل هؤلاء قد يكون هو المنقوص أو الحلقة الضائعة عند حكومة خلفيتها التكنوقراط الاقتصادي.

واجب الحكومة طرق أبواب الأحزاب الشرعية والتحدث مع نواب وممثلي الشعب الفائزين توا بالانتخابات عبر إطارهم الحزبي

نقترح بحسن نية بكل حال أن نبدأ بترسيم تقاليد منتجة تعكس احتراما أكبر لمسار التحديث السياسي والحكومة واجبها طرق أبواب الأحزاب الشرعية والتحدث مع نواب وممثلي الشعب الفائزين توا بالانتخابات عبر إطارهم الحزبي على الأقل خصوصا وأن عدد الحزبيين في البرلمان الجديد يزيد عن ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب المنتخب.
نفهم الحوار والتشاور على أساس جولات مكوكية يقوم بها رئيس الوزراء المكلف ليس للأحزاب فقط ولا للنواب، لكن لبيوت الخبرة وقادة النقابات المهنية ولغرف الصناعة والتجارة التي تمثل القطاع الخاص.
وأهمية التشاور هنا تتضاعف قيمتها في الواقع إذا سبقت التشكيل الوزاري وإعداد البيان، وليس العكس، حيث أن الحوار بعد تشكيل الحكومة مهم ومطلوب، لكن الأساس أن تظهر حكومة التحديث السياسي الأولى حرصها على أن يعتبرها الجميع حكومتهم وحرصها بالتوازي على المشاركة والتشاركية، خصوصا بعد انتخابات عامة، قال القاصي والداني إن فيها الحد الأعلى من النزاهة والشفافية.
لا نحكم مسبقا على وزارة لم تتشكل بعد. ونفترض حسن النية عند رمزها ورئيسها الذي أتيحت له فرصة وطنية في إكمال برنامج معلن تحت عنوان الرؤية والتحديث.
الثقة المرجعية لأي رئيس وزراء بعد تكليفه ورقة مهمة ومقدرة. لكن الالتزام بموجبات خطاب التكليف الملكي يتطلب من الحكومة ورئيسها العمل الجاد والمهم، ونتوقع بأن آخر ما ينفع الأردن والأردنيين مرحليا الآن هو وزارة تكنوقراط اقتصادي فقط، لا تأخذ بالاعتبار حاجتها الملحة لمشاورات سياسية عميقة ومسبقة تطال ملفات أعمق بسب الخطر الوجودي الذي نتعرض له جميعا اليوم جراء مغامرات ومجازفات اليمين الإسرائيلي المأزوم والمجرم.
كنا نأمل بحكومة سياسية فيها زعامات وطنية بالدرجة الأولى لأن المرحلة صعبة وحساسة. لكن هذا الأمل يمكن لرئيس الوزراء الجديد أن ينعشه بإظهار مرونة أكبر تعلي من شأن التشاور وقيمته وما نحذر منه مسبقا وبكل مسؤولية هو الاعتماد فقط على النادي المقرب من رئيس الوزراء وتجاهل ضرورة وجود لاعبين سياسيين مهمين في الحكومة يخاطبون مخاوف الناس والشعب.
نأمل أن تتمكن الحكومة الجديدة من الاستقرار وتبدأ بصيغة تظهر حجم المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتقها.
وهي بكل حال حكومة يجدر بالجميع عدم الحكم عليها مسبقا وقبل إعلان بيانها الوزاري وإن كانت البداية لا تبدو مشجعة لأن آليات التشاور خصوصا مع الأحزاب الشرعية المرخصة كان يمكن أن تكون إبداعية أكثر.
رؤساء حكومات سابقون أتيحت لهم فرصة التشريف مع التكليف وقبل سنوات طويلة من مسار التحديث اهتموا بزيارة مقرات المؤسسات النقابية والمدنية وهؤلاء يحسبهم دوما على الخط الكلاسيكي والحرس القديم رموز المرحلة الحاليين، ورغم ذلك شاوروا الجميع بطريقة أفقية وسمعوا ملاحظات من أركان المجتمع مباشرة أخذت بالاعتبار في الماضي.
نتمهل مع المتمهلين قبل الوصول إلى أي استنتاجات حول تجربة ومشروع الحكومة الجديدة، ونلفت النظر فقط إلى بعض الكمائن والمطبات التي يمكن الاستدراك معها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading