«حل القضية الفلسطينية في فلسطين»… ما هي خطة الحكومة الأردنية؟
عبارة مستحدثة في القاموس السياسي توقف عندها رئيس الوزراء
عمان ـ «القدس العربي»: «حل القضية الفلسطينية في فلسطين»… تلك عبارة مستحدثة تماماً في القاموس السياسي الأردني، توقف عندها رئيس الوزراء الجديد الدكتور جعفر حسان، دون شرح وتفصيل في بيانه الوزاري من أجل الحصول على ثقة البرلمان.
العبارة بطبيعة الحال تنسجم مع ثابت أردني قديم يرفض الوطن البديل وأي مشروع لتصفية القضية الفلسطينية على حساب المملكة.
وقد بدت عبارة مختصرة إلى حد ملموس، وتنسجم مع طبيعة وشخصية رئيس الوزراء، فيما الوقائع تشير إلى أن الرأي العام ونواب الأمة في الملف الفلسطيني تحديداً تواقون تماماً لفهم الموقف الرسمي العميق ومستعدون للإصغاء للتفاصيل بدلاً من ترديد عبارات كلاسيكية لم تعد تشفي غليل الشارع ولا حتى النخب والصالونات السياسية.
رغم أن الرئيس حسان على علم مسبق بشغف الشارع وحنينه الكبير للاستماع إلى سردية حكومية مفصلة في ملف القضية الفلسطينية تحديداً، فإنه مال كما هو متوقع إلى التفصيل في الملف الاقتصادي والمعيشي والإداري حصراً.
وهو ما توقعه القطب البرلماني صالح العرموطي، عندما أبلغ «القدس العربي» استغرابه من تشكيل حكومة تكنوقراط اقتصادي في توقيت حرج وحساس يحتاج إلى حكومة سياسية بالمقام الأول».
«توقيت حرج وحساس»
في المسألة المحلية وتفاصيلها، بدا رئيس الوزراء وهو يطلب ثقة مجلس النواب صريحاً ودقيقاً وشفافاً ورافعاً للمعنويات، لكنه في المسائل المحلية لم يعد إلا بالعمل الدؤوب والسهر على التغيير ومعالجة المشكلات.
وفاتت على النواب وقواعدهم الانتخابية عملياً فرصة الإصغاء لبيان وزاري يشرح تصور الدولة والحكومة عما يجري في فلسطين المحتلة أو يناقش حتى ما يشغل العقل الجماعي للأردنيين تحت عنوان «مخاطر أطماع اليمين الإسرائيلي» لا بل مخاطر مشروع «ضم الضفة الغربية الوشيك» الذي يصفه بنقاش مع «القدس العربي» سياسي مخضرم مثل الدكتور محمد الحلايقة، بأنه «خطير للغاية» ويستوجب ما هو أكثر بكثير من خطط وحوارات وتفاعلات وتصريحات سريعة.
عبارة مستحدثة في القاموس السياسي توقف عندها رئيس الوزراء
تحدث الحلايقة مجدداً في هوامش نقاشات الثقة بالحكومة، عن ضرورات في مواجهة «المحظورات» مقترحاً بأن مسؤولية المقاربات الوطنية تطال الجميع، والتحديات اليوم باتت أساسية وليست من الطراز الذي تصلح معه فقط عملية عبور وتأكيد.
لم تعرف الظروف والملابسات والخلفيات التي دفعت رئيس الحكومة في أول منازلة ومواجهة مع مجلس نواب جديد أغلبيته الساحقة من ممثلي الأحزاب السياسية لتجاهل الهم الأول عند الأردنيين في ملف القضية الفلسطينية.
ولم تعرف الهوامش التي دفعت البيان الوزاري لتجنب التطرق إلى تفاصيل الملف الفلسطيني في وقت يشغل فيه هذا الملف الأردنيين بالمقام الأول.
والأسوأ أن العبور عن التفاصيل هنا دفع نقاشات اليوم الأول لجلسات الثقة البرلمانية بالحكومة في اتجاه تفاعل «محلياتي»؛ فغالبية مداخلات النواب بقيت في الإطار الذي رسمه رئيس الوزراء.
مجدداً، لاحظ الخبثاء من المراقبين السياسيين أن بيان الرئيس حسان توقف عند عبارة حل القضية الفلسطينية في فلسطين، لكنه لم يتطرق إلى ما كانت البيانات الوزارية المماثلة بالعادة تتطرق إليه أو تتحدث عنه من كلاسيكيات الثوابت الأردنية، مثل عملية السلام، وحل الدولتين، والدولة الفلسطينية، أو مثل الرد على تساؤلات التطبيع وحالة السيولة الاستراتيجية التي تعيش فيها المنطقة.
«الأولوية اقتصادية»
لعل رئاسة الوزراء تقصدت هنا أن تظهر للنواب والرأي العام أن أولويتها اقتصادية وليست سياسية، في وضع ينسجم -برأي المراقبين- مع طبيعة وتركيبة الطاقم الوزاري ورئيس الحكومة، فيما لا تملك الحكومة عملياً بحكم صلاحيات الأمر الواقع، لا خبرة عميقة في الملف السياسي ولا صلاحيات تمكنها من الإجابة عن أسئلة المواطنين، مثل حقائق ما يجري في فلسطين المحتلة والإقليم، أو تشخيص مركز القرار في الدولة لما يجري، أو حتى عقل الحكومة كيف يفكر بهذه المساحات الحرجة.
صحيح أن البيان الوزاري لحسان، رسم في الشأن المحلي دروباً أوضح وأكثر صراحة وشفافية من بيانات حكومات سابقة، لكن بالمقابل، إن عملية الرسم والالتزام أمام نواب الأمة لم تشرح أو توضح أو تفصح عن أي تفاصيل مهمة لها علاقة بالقضية الفلسطينية. والتقط رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، ما هو جوهري في الاحتياج الشعبي عندما خاطب الجمهور بالقاعدة التي تقول بالاحتراز على المصالح، وبأن الأردن لن ينتحر من أجل أي قضية.
ترك الرئيس حسان كلاسيكيات معروفة في الملف الفلسطيني بصيغة توحي أمام النواب على الأقل، وهذا ما لاحظه العرموطي ورفاقه في المعارضة الإسلامية؛ بأن الملف السياسي ليس عند الحكومة، وبأنها مجدداً إحدى حكومات «تسيير الأعمال والإدارة» وأولويتها التمكين الاقتصادي، فيما الأولوية -برأي التيار الإسلامي ونوابه- هي حماية الوطن من مخاطر وشيكة، وليست التحديث لا الاقتصادي والإداري ولا السياسي.
الاعتبارات التي رسمها البيان الوزاري لحكومة حسان هنا لا تبدو حمالة أوجه.
رئيس الوزراء واضح في الملف المحلي، ويتحدث بحسن نية ومصداقية رفيعة عن معالجة المشكلات. والانطباع العام قبل الإدلاء ببيان الثقة الوزاري هو أن الحكومة الجديدة انشغلت إدارياً في إصلاح أخطاء حكومات سابقة، وفي تعويض الفاقد عبر صيغة تشبه صرف «بندول» سياسي وبيروقراطي لمعالجة المشكلات وتحفيز القطاعات الاقتصادية بدلاً من إطلاق وعود تخص ملفات معقدة قد لا تستطيع الحكومة الإيفاء بها.