اراء و مقالات

حل بلديات الأردن: «المحاصصة» مجدداً… الشارع لا يكترث و«التعيين» أفضل من الانتخاب

عمان ـ «القدس العربي»: لا أحد على الأقل في النقاش المنظور حالياً يستطيع تفسير العبارات التي وردت في تصريحات الحكومة الأردنية عن حقيقة العلاقة بين مسار التحديث السياسي في البلاد وبين خطة إدارة الحكم المحلي المستجدة التي تقرر عبرها «حل جميع المجالس البلدية» ومجالس المحافظات في المملكة.
يفترض أن مسار التحديث السياسي يعزز «ديمقراطية الانتخاب» ويساهم في تمكين الأحزاب، لكن الشرح الحكومي انتهى بـ«حل مجالس أغلبها منتخبة» بالاقتراع المباشر ثم «تعيين لجان» بقرار حكومي على طريقة الماضي، تمهيداً لانتخابات لاحقة بعد «تعديل قانون البلديات» بما يضمن حرمان بلديات كبرى في المملكة من «انتخاب رؤسائها» على قاعدة طالما استعملها التيار المحافظ بعنوان «التعيين أفضل من الانتخاب» لمصلحة الناس.
العبارات هنا قد تغني عن الشرح؛ لأن الإفصاح الحكومي قال حرفياً: يأتي القرار في إطار سعي الحكومة لتحديث حزمة التشريعات والأنظمة الخاصة بالإدارة المحلية والعمل البلدي، إنفاذاً والتزاماً بما تعهدت به الحكومة في بيانها الوزاري.

«التعيين أكثر إنتاجية»

ضمناً وبصورة غير مباشرة، ما قالته إجراءات البلديات المعلنة أمس الأول هو قاعدة أن «الحل بالحل»، وأن «التعيين» أكثر إنتاجية من «الانتخاب»، والأهم أن «فكرة انتخاب البلديات» ليست أولوية للشعب خصوصاً في ظل أزمة مديونية في البلديات المرهقة لم تقدم الحكومة أي تشخيصات لأسبابها.
كيف سيؤدي حل المجالس البلدية والانتقاص من مساحة الاقتراع الحر المباشر إلى معالجة الإرهاق المالي والإداري الذي تعاني منه البلديات؟
سؤال لا تجيب عنه شروحات الحكومة. وما ورد في الأسباب الموجبة يتحدث بعبقرية عن خطوات اتخذت ضمن «التزام» الحكومة بالتصويبات على درب التحديث السياسي، وخصوصاً في جزئية توصيات «الإدارة المحلية» ضمن اللجنة الملكية للتحديث السياسي، مع أن «اللجنة» المعنية بالملف أيام مسار التحديث قبل عامين تولاها عملياً وهندس تصوراتها هو من يشرف على الإدارة المحلية في الوزارة حالياً.
عملياً، يحتاج المراقب الحصيف لوصفة شعوذة سياسية تقرأ وتفسر التراتبيات التي استندت إليها الحكومة في حل البلديات، لا بل في إخراج مشروع «اللامركزية» ومجالس المحافظات برمته من المعادلة والواقع، والمثير جداً بدون أدنى اعتراضات لا في الشارع ولا في الأحزاب.

«محاصصات»

واضح تماماً أن المقاس المعتمد في جزئية النص على التعيين بدلاً من الانتخاب في البلديات الكبرى -كما يحصل تماماً في العاصمة عمان- بين معادلاته ملف «ما بعد حظر تيارات الإسلام السياسي» والرغبة في منع الإسلاميين الذين تم حظرهم مؤخراً من التسلل مستقبلاً إلى مواقع البلديات.
بجرة قلم، سيطر وزير الحكم المحلي على «كل بلديات المملكة» بعد حلها، ثم تكليف لجان بإدارتها. حصل ذلك دون خطة حكومية واضحة ومعلنة وقابلة للقياس، تبلغ الرأي العام بخارطة طريق لمعالجة أزمة المديونية في البلديات. والأهم، تبين حلقات «رد الفعل» بأن أحداً في المشهد البلدي الوطني لن يذرف دمعة واحدة على مجالس المحافظات التي كانت منتخبة، ولم يعلم بوجودها أحد لا في الحكومة ولا خارجها، فيما الأوضح أن «المحاصصات» المناطقية وأحياناً القبلية والعشائرية، ضربت في تعيين «اللجان» بصيغة لا تنتمي بأي حال لمسيرة «العمل الحزبي والتحديث السياسي» ولا تمثل الجميع في الوقت ذاته.
وجهة نظر خبير الملف البيروقراطي العتيد سامح المجالي، التي سمعتها «القدس العربي» هي أن «الجميع أخفق» في تجربة المحافظات ومجالسها والعمل البلدي، والجميع يتحمل المسؤولية دون وجود أدلة على أن الإجراء الحكومي الأخير يمكنه معالجة الأزمة.
وبدلاً من العمل على «تصويب الأخطاء» عبر التمسك بجوهر التحديث السياسي والانتخاب الحر، لجأت حكومة يفترض أنها «ليبرالية» وتمثل التكنوقراط السياسي، إلى أقصر الطرق الكلاسيكية المحافظة عبر وصفة «حل المجالس ثم السيطرة على لجان إدارتها» قبل الترتيب لانتخابات بلدية مقبلة، فيما الأغرب هو ذلك الخطاب «الترويجي» الذي قالت فيه الحكومة إن وصفاتها تعبير عن الالتزام بمسار التحديث.
كيف يتعزز التحديث بالعودة إلى الوراء وحصراً للتعيين وإقصاء الانتخاب؟ سؤال آخر لا أحد يثيره في الاشتباك السياسي والإعلامي، ما يظهر الحقيقة العملية الأبرز لاحقاً، وهي أن الشارع الأردني «لن يبكي» لا مجالسه المنتخبة في المحافظات ولا بلدياته التي أفرزتها الانتخابات، حيث التوقعات تشير لتعميم تجربة العاصمة التي صاغتها «قواعد ديمغرافية» يعلمها الجميع بعنوان «نصف انتخاب لأغراض اللهو السياسي، ونصف تعيين مع رئيس البلدية».
اللافت للنظر هي تلك الرسالة التي التقطها المحلل السياسي الدكتور رامي عياصرة في نقاش جانبي مع «القدس العربي»، حيث أصدرت الحكومة سلسلة قرارات إدارية وسياسية و«لائحية» تحدث «تغييرات ضخمة» في بنية العمل البلدي في البلاد عملياُ، ودون أدنى اعتراض.
تلك قناعة تستوجب التأمل وتوحي بأن الرأي العام عموماً وبعد سلسلة تجاربه المؤسفة مع «المنتخبين» في كل المسارات، قد يكون أقرب إلى تصورات السلطة الخاصة باعتبار «التعيين» يفرز كفاءات حقيقية قياساً بالانتخاب. هنا حصراً، ليس سراً القول إن قرارات الحكومة التي تقلب بنية العمل البلدي والحكم المحلي رأساً على عقب «لم يعترض عليها أحد» في الشارع، لا في الأحزاب ولا في المجتمع المدني، ولا حتى في النقابات.
حتى من تضرروا من قرارات حل البلديات ومجالس المحافظات، لم يسمع أي صوت اعتراض لهم، لا بل بعضهم بادر لإعلان شكر للحكومة أملاً في التقاطه مجدداً من صنارة «التعيين واللجان» في مفارقة اجتماعية تكوينية تحتاج حتى تقرأ إلى علماء اجتماع، وفقاً للعياصرة.
لم تنظم أي تظاهرة أو فعالية تعترض على إجراءات الحكومة أو تطالب بالحفاظ على مكتسبات «ديمقراطية الانتخاب» في العمل البلدي، ولم تصدر أي بيانات تندد بحل مجالس منتخبة وتعيين لجان لإدارتها وعبرت قرارات الحكومة عمليا بدون أي ضجيج أو اعتراض.
يمنح ذلك المحللين وجهتي نظر، ترجح الأولى أن المواطن يدعم خطط الحكومة في الانتقاص من «عدد المنتخبين» في العمل البلدي، وتقترح الثانية بأن جذر المسألة مرتبط بـ«العزوف واللامبالاة»، وهي الأخطر والأكثر حساسية. المهم في الخلاصة، أن حكومة يعلن رئيسها «أولوية اقتصادية» في كل المناسبات عندما تفتح «الملف السياسي»، تنحاز لوصفات تقلل من دور وبصمة «الانتخاب» في مفارقة لا يمكن رصدها إلا في المشهد الأردني، وتزيد تعقيداتها فيما الرأي العام «لا يعترض ولا يناقش» فكرة أن ما قررته الحكومة في ملف البلديات منسجم مع توصيات اللجنة الملكية للتحديث السياسي. الأكثر إثارة أن قادة ورموزاً، وأكبر لجنة ملكية استشارية في البلاد «يمتنعون عن التعليق».

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading