اراء و مقالات

حملة ضد خليل الحية في الأردن… ما الأسباب؟ «حماس» – عمان مجدداً على «صفيح التأزيم»

عمان- «القدس العربي»: «سموتريتش وبن غفير أجدر بغضبكم»… تلك عبارة خاطب بها عضو البرلمان الأردني الأسبق نايف الليمون، نخبة أقلام وشخصيات هاجمت بحدة خلال اليومين الماضيين ألقيادي في حركة حماس الدكتور خليل الحية، بعد تصريحاته الأخيرة العلنية التي عادت لتعزف على أوتار «خلاف أساسي وعميق» بين حركة حماس والحكومة الأردنية، ليس في الموقف فقط بل بالتصور والسيناريو.
عملياً، في مواجهة «حملة» استهدفت الرد على الدكتور الحية على عدة مستويات في المشهد الرسمي الأردني، لا بد من التوقف عند الحالة الشعبية الأردنية التي تلتف مجدداً حول المقاومة وتحضنها بالرغم من كل الإجراءات الحكومية التي تقررت لاحتواء الحراكات الشعبية، وأحياناً مصادرة حقوقها في التعبير التضامني، وفقاً للناشط الحقوقي عاصم العمري وغيره من الملاحظين.
القيادي الحية ليس مقصوداً لشخصه في سلسلة مقالات وتصريحات حادة، بل الأرجح أن تعليقاته ثم الرد العنيف عليها ناتج ومحصلة لـ «غياب أي تنسيق» أو تواصل بين الأردن الرسمي وفصائل المقاومة الفلسطينية، وحصراً حركة «حماس»، بالرغم من أن المستشفيات الميدانية الأردنية موجودة بقوة في قطاع غزة قبل الأحداث الأخيرة، خلافاً لحزمة المساعدات التي يتقدم بها الأردن على بقية الدول العربية والإسلامية، ما استدعى في عدة حالات التواصل والاتصال وأحياناً التنسيق.
الحية وفي تعليقاته المصورة الأخيرة، ألهب النقاشات بين الأردنيين وتسبب بموجة جديدة من شيطنة المقاومة واتهامها بالتشكيك في الموقف الأردني، لا بل الرد عليها مباشرة ببيان رسمي يقول إن الحكومة «لا تتلقى إرشادات من الفصائل»، ما يزيد عملياً من تعقيدات العمل الميداني المناصر للمقاومة في الأيام والأسابيع المقبلة رغم أنها معقدة أصلاً قبل التطورات الاخيرة.
وهنا يحاول ساسة مخضرمون التأشير على أن تجديد مهاجمة المقاومة هو آخر ما تحتاجه استراتيجية الأردن في المرحلة المعقدة المقبلة، خصوصاً أن العديد من المؤشرات -كما أوضح لـ «القدس العربي» المحلل العسكري البارز نضال أبو زيد- لا تزال تحوم وهي تحمل كل بيانات العداء تجاه الأردن والأردنيين من جهة اليمين الإسرائيلي، وهو أمر يعزز -برأي أبو زيد- تحصيناته العسكرية على أكثر من 90 كيلومتراً عند حدود الأغوار استباقاً لإعلان ضم الأغوار بكل ما يعنيه من حسم وتصفية على شكل إنزال خلف خطوط المصالح الأردنية. ينصح العمري وآخرون بتخفيف حدة الهجمات المحلية على المقاومة ورموزها؛ لأن حيثيات المقاومة الفلسطينية في نهاية الأمر عبارة عن رصيد استراتيجي يخدم المصالح الأردنية العليا، وهو رأي سمعته تقديراً في وقت سابق «القدس العربي» من الجنرال الخبير قاصد محمود، وهو يؤكد بوضوح: نعم، مصلحة الأردن ألا تخضع المقاومة.
وعليه، يصبح السؤال بالصيغة التالية: ما هي المتغيرات التي دفعت مجدداً في عمان إلى الواجهة الهجمة والحملة المتكررة على شخص الدكتور خليل الحية؟
سؤال صعب، والإجابة عليه مرتبطة بتعقيدات الإصرار البيروقراطي عموماً على التعاطي مع ملف حماس والمقاومة ضمن الاعتبار الأمني وليس المطبخ السياسي، وهو ما سبق أن اشتكى منه قادة سياسيون في المقاومة أمام «القدس العربي» بينهم خالد مشعل وآخرون، بقوا في حالة تساؤل عن أسباب إغلاق عمان سياسياً أمام الحركة والمقاومة، مع أن عواصم عربية متعددة تفتح أبوابها في مفارقة قديمة.
تلك المفارقة تعني بأن تطورات ما بعد 7 أكتوبر وبالرغم من كل تجلياتها، لم تؤد إلى «تعديل منهجي» في نظرة الأردن الرسمي تجاه المقاومة وحركة حماس بصفة خاصة، مع الاحتفاظ طبعاً بحساسيات وحسابات الاسلام السياسي وتعبيراته في عمان.
الاحتفاظ بالخلاف وعدم الرغبة في التواصل بقي طوال الوقت أساسياً في حسابات المعادلة الرسمية الأردنية، وعدة مبادرات أقفلت في وجه وساطات وقيادات سياسية في حماس، لكن للحكومة الأردنية بطبيعة الحال حساباتها القائمة على التصرف كـ «دولة» وليس انطلاقاً من منظور فصائلي، وتحالفات الأردن مع السلطة والنظام الرسمي العربي بقيت الحارس الأمين لبقاء العلاقة جافة وفي مسارها الإنساني أحياناً فقط.
بقي الوضع عموماً على حاله إلى أن عاد الدكتور الحية و»استفز» دوائر المسؤولية الرسمية بـ 3 إشارات صنفت في عمان بأنها «سيئة ومسيئة»، وصنفت حتى في صفوف بعض أنصار المقاومة بأنها مع كل التفهم للظروف الكارثية في غزة وللضغط على المقاومة «يمكن الاستغناء عنها» في الظرف الحالي حصراً.
خطاب الحية «لكز» الموقف الرسمي الأردني من 3 جوانب عندما عزف مجدداً على أسطوانة «دعوة الشعب الأردني للنزول إلى الشارع»، وهي جزئية سبق لحكومة عمان أن طلبت من قيادات حماس تجنب تكرارها باعتبارها تدخلاً في الشؤون الداخلية وتجاوزاً لـ «خطوط حمراء»، خصوصاً عندما تطالب حماس الشعب الأردني بالتوجه إلى مناطق الحدود مع الكيان.
وفي إشارة إضافية استفزت السلطات المحلية، تحدث الحية باستخفاف عما سماه «استعراض المساعدات» في جزئية يمكن القول إنها ظالمة للواقع الموضوعي الأردني ولحجم الجهد الرسمي من عمان، خصوصا ًفي اختراق الحصار وإزالة الشرعية عبر الأقنية الدولية عما يسمى بمؤسسة غزة الأمريكية.
وفي الملاحظة الاستفزازية الثالثة تنميط من الدكتور الحية يتهم النظام الرسمي العربي بالتآمر على شعب وأهل غزة دون استثناء الأردن، وهو ما انتهى بنقاشات حادة بعنوان «ثنائية الأزمة – المقاومة» والوضع الحالي الكارثي، ومما تسبب في بروز دعوة مباشرة من أقلام أردنية يعتد بها تدعو حركة حماس للتنحي الآن ومطالبة النظام الرسمي العربي بـ»التصرف» ومحاولة التخفيف من المعاناة ووقف النزف.
نشرت صحيفة الرأي الحكومية مقالات تقترح على حماس «الإقرار بالهزيمة» ثم الانسحاب ضمن تداعيات الحملة على الحية ورد الخبير أبو زيد بتصريح واضح على شاشة فضائية رؤيا، قال فيه: «عملياتياً وعسكرياً… المقاومة لها قصب السبق الآن ولم تهزم».
تعرض للحية وزراء وأعضاء في مجلس الأعيان ووزراء سابقون، ما يؤشر إلى مستوى الاستفزاز الناتج عن تصريحاته في حضن المؤسسة الرسمية، وبادر للدفاع عنه وعن المقاومة كتاب ونشطاء من أصحاب الرأي الآخر، ما أظهر عموماً أن الحملة على شخصية قيادية في المقاومة قد تؤدي إلى تنشيط التضامن مع المقاومة.
الأردن الرسمي و«حماس» في موقعين مختلفين تماماً، لكن المشهد لا يعني أن يكونا في موقعين متناقضين على صفيح التأزيم وفي عناوين الاشتباك، والعاقل الراشد فقط من ينصح حماس وقادتها بتغيير لهجتها ولو قليلًا تجاه الأردن، وينصح مسؤولي عمان والمتحدثين باسمها حقاً بالتركيز على سموتريتش وبن غفير وما يفعلانه ليس بالضفة الغربية فقط، بل في الأغوار أيضاً.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading