اراء و مقالات

حوار «صريح» بين رئيس الوزراء الأردني ونواب المعارضة: «اسمع منا لا عنا» والوطن بيننا من دون «شخصنة»

نحو 3 ساعات من الحوار المباشر وجهاً لوجه بين رئيس وزراء الأردن الدكتور جعفر حسان وممثلي كتلة جبهة العمل الإسلامي المعارضة، تجربة جديدة ومثيرة للطرفين يقول فيها الطرف الأول «الحكومة» بوجود استعداد للإصغاء والتفاعل مع أهم كتل البرلمان عملياً.
ويقول في ذات التجربة الطرف الثاني ممثلاً بالإسلاميين البرلمانيين، إن التيار «جاهز» للتفاعل مع «السلطة التنفيذية» انطلاقاً من قواعد الحوار ومتطلباته في إطار السلطة التشريعية.
مكاسب متعددة يمكن رصدها من جراء هذا «الحوار الصريح» والتفاعلي للجانبين، أهمها أن رئاسة الحكومة يمكنها «التدرب أكثر» على حوارات وجاهية تنفع ولا تضر، ما قد يظهر مهارة شخصية لدى الطاقم الحكومي الذي يدير الاشتباك النقاشي هنا.
وبين المكاسب أيضاً الاشتباك عند الإسلاميين مع «آلية متاحة» دستورياً وسياسياً، ويمكن أن تصبح لاحقاً «منتجة» ميدانياً بدلاً من انتظار «دلال خاص» من جهة الدولة والتمسك بمطالب محددة طالما أثارت جدلاً من طراز «حوار مع القصر الملكي».
كتلة جبهة العمل الإسلامي هنا تظهر «مرونة» محسوبة في التفكير خارج الصندوق والعمل بنشاط أكبر عبر «الحضور الشرعي» البرلماني بدلاً من تعليق العديد من الملفات المركزية بدعوات حوار خاص مع المؤسسات المرجعية، وهو الأمر الذي طالبت به قيادات في الحركة الإسلامية عندما قابلت مؤخراً رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز الذي أبلغ «القدس العربي» مباشرة مرتين مؤخراً بأنه فتح، باسم مؤسسة الأعيان، نوافذ للتحاور مع الإسلاميين وغيرهم، بما يضمن نقاشاً حيوياً بعنوان الحرص والمصالح الوطنية.
اللقاء التفاعلي بين نواب التيار الإسلامي ورئيس الوزراء شكل فرصة للتلاقي في منتصف الطريق والقـــاعدة التي اقترحها دوماً النائب المسيس محمد عقل بعنوان «الحكومة تسمع منا بدلاً من أن تسمع عنا» يمكن إثبات أنها قاعدة اشتباك جديرة بأن تحظى بفرصتها.
حضر اللقاء الحواري رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي، بعدما حرص الإسلاميون على وجوده وبعدما درج على الإشارة لاهتمامه شخصياً بتوفير ملاذات آمنة للتحاور مع مكون أساسي في مجلس النواب وبنية المجتمع، وهي العبارة التي سمعتها «القدس العربي» أيضاً من الصفدي عدة مرات.
عملياً، استمع الرئيس حسان للإسلاميين النواب وجهاً لوجه بدلاً من ترك الرواية عنهم لأطراف أخرى، مثل الإعلام أو الأحزاب المنافسة، أو تركها لميكروفون الجلسات والقبة، والتفاعل نضج بوجود وزراء الاختصاص أيضاً، منهم وزير الداخلية ووزير شؤون البرلمان لإظهار الإيجابية وبرمجة توجيهات من جهة رئيس الحكومة.
اللهجة التي استعملها نواب المعارضة في مكتب رئيس الحكومة كانت تلك التي تعتمد صيغة تقول بأن ممثلي التيار البرلمانيين ليسوا معنيين بإرهاق الحكومة بمطالب «الخدمات»، والقواعد الانتخابية تعبير عن خطاب حزبي متباين أكثر نضجاً يظهر تفهماً لظروف الحكومة الاقتصادية والإدارية.
سمع رأس الحكومة معارضين يقولون له بصريح العبارة: «لن تسمع منا مطلبيات خاصة أو شخصية أو خدماتية»، وقيل للدكتور حسان أن الخطاب البرلماني المعارض محصور تماماً بالحرص على المصالح الوطنية العليا. ونواب الجبهة يهتمون حصراً بالملفات الوطنية. وباحثون عن «مساحة مشتركة» على هذا الأساس مع السلطة التنفيذية، حيث لا «شخصنة» في الخطاب والمطالب، وتركيز على طرح المسائل بالبعد الوطني الاجتماعي بدون لغة تشنج أو اتهام.
طرحت في الأثناء عدة ملفات للنقاش، وأوضح الإسلاميون أولوياتهم خصوصاً في مرحلة «توسع النفوذ الإسرائيلي»، وتم التطرق لعدة مسائل أبرزها «الحكمة من استمرار التمسك باتفاقية وادي عربة» والبحث عن «حوار» يقود إلى حماية ومساندة «الدولة وخياراتها»، خصوصاً في ملفات الإقليم والمنطقة.
طرحت أيضاً على حسان بعض المقاربات السياسية، وأهمها استراتيجيات حكومية في مواجهة «مخاطر أطماع اليمين الإسرائيلي» ومعادلات تدعم أكثر التقارب مع سوريا الجديدة بخطوات أعمق وأسرع.
في المحليات، سمع رئيس الوزراء اجتهادات تحث الحكومة أكثر على ممارسة «ولايتها العامة» خصوصاً في مجال الحريات العامة ووقف حالات توقيف النشطاء السياسيين وإشاعة أجواء من الانفتاح.
طولب حسان بالتدخل لتأمين الإفراج عن معتقلين وموقوفين سياسيين قيل له إنهم بالعشرات، كما طولب بتكريس مبادئ دولة القانون والمؤسسات. وفي بعض المحليات تم التطرق لملفات محددة مثل حرمان أكثر من 2000 طالب جامعي من المنح والمساعدة وآلية خطاب أذرع الإعلام الرسمي وتحريض بعضها ضد دور مجلس النواب وضد الحركة الإسلامية.
بعد الحوار، أبلغ رئيس الحكومة عن شعوره ببعض الارتياح، وأقر مقربون منه بأن التفاعل كان إيجابياً، فيما يقر وزراء الاختصاص بأن نواب التيار الإسلامي لا يرهقون فعلاً الحكومة بمطالبات شخصية أو معيشية أو اقتصادية، ولا يبحثون عن «امتيازات» تخص دوائرهم الانتخابية فقط؛ بمعنى أن كتلة جبهة العمل الإسلامي تتصرف على أنها «كتلة وطن» حتى عندما يتعلق الأمر بالاختلاف معها سياسياً.
شرح حسان بعض المعطيات، وتعهد بتكليف طاقمه الوزاري السياسي بمتابعة الحوارات والتواصل مع النواب الإسلاميين في جزئية لا يمكن التوثق منها في هذه المرحلة على الأقل قبل أن تصدر عن رئاسة الوزراء تلميحات لاحقة تفيد بأن رئيس الوزراء مقتنع بأن نواب جبهة العمل «غير متطلبين» ولا يرهقون الوزراء، وهم الأبعد عن «الشخصنة» في الأسئلة والاستجوابات، خلافاً للاقتناع بأن الحوار التفاعلي بدأ وانتهى بجدية وارتياح.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading