خطوة تنعيم… هندسة عكسية بتوقيع «شورى الجبهة» في الأردن والهدف «تفكيك التأزيم»

عمان- «القدس العربي»: مشوار الهندسة العكسية الآمن يمكن أن يبدأ إذا ما احتاجت الأطراف المتصارعة في أزمة التيار الإسلامي الأردني إلى خطوة «تنظيم استدراكية» وحصراً من النقطة التي انتهى إليها بيان مجلس الشورى لحزب جبهة العمل الإسلامي المنعقد نهاية الأسبوع الماضي في عمان العاصمة.
الإشارات بمدلول الهندسة المعاكسة للتأزيم موجودة على الطاولة اليوم، وما يبقى هو قرار سياسي وآخر تنظيمي باستخدامها.
تلك عملياً هي الفرصة التي يمكنها المبادرة نحو حوار ما، يتجاوز ما هو أسوأ في أزمة الثقة مع الإسلاميين.
وهي فرصة وفرها في مبادرة متأخرة لـ 4 أشهر على الأقل مجلس شورى الحزب الأكبر في البلاد بتوقيع المعارضة عندما التأم بنسبة حضور تجاوزت 80 % في جلسة وصفت بأنها استثنائية نظامياً لأغراض مناقشة «تقدير موقف».
المقصود من البداية كان تقدير موقف عبر مؤسسات الحزب النظامية والشرعية لأزمة حظر جمعية الإخوان المسلمين وما تبعها وما قد يلحقها.
البيان الذي صدر عن مجلس الشورى بعد اجتماع جدي وعاصف تخللته مراوحة ما بين انتقاد قيادة الحزب والدفاع عنها، يوجه الرسالة الأهم ولأول مرة منذ 4 أشهر عملياً وهو يقرر في التصويت الموافقة على تشكيل لجنتين، تتولى الأولى ما سماه البيان الذي أرسل لـ «القدس العربي» بإعادة الهيكلة في مؤسسات الحزب، وتتولى الثانية مهمة تنقيح ومراجعة النظام الأساسي الداخلي. مبدأ الشورى الذي يتمسك به الإسلاميون بالعادة ويشكل قيمة مضافة لهم في رصيدهم الحزبي والشعبي، تم تفعيله بطريقة أو بصيغة منتجة فيما يبدو. والمعنى هنا أن مجلس شورى الحزب الذي لا يزال رئيسه موقوفاً لدى السلطات، تمكن في اجتماع استثنائي تشاوري وبدون ضجيج من وضع الجزء الخاص بالتيار الإسلامي عموماً من خارطة الطريق المنشودة عبر تطوير اللائحة الأساسية الداخلية للحزب ثم الإقرار بالحاجة لإعادة الهيكلة.
أهمية مثل هذه التوصيات تنحصر في أنها قد تشكل استجابة لمسألتين في غاية الأهمية خلف ستائر الأزمة الرسمية والحكومية مع التيار الإسلامي:
المسألة الأولى هي تلك المرتبطة بما اقترح خلف قضبان الاحتجاز على بعض الموقوفين أثناء الاستجوابات بعنوان عدم وجود موقف ضد الحزب من الدولة مادام ملتزماً بالقوانين ومادام لدى مؤسسات الحزب القدرة على معالجة الثغرات القانونية وتصويب ما تعتبره الهيئة المستقلة المشرفة مخالفات مرصودة وأبلغ عنها.
هنا الحديث عن وجود «لا مانع» عند الموقف الرسمي المركزي من انضمام كوادر الجمعية التي تم حظرها إلى حزب مرخص ومسجل رسمياً وخاضع للقانون، شريطة ألا تنقل تراثيات الجماعة ولوائحها الداخلية إلى خارطة التنظيم داخل الحزب.
ذلك عملياً، قيد أو شرط يمكن إذا ما توفرت النوايا الحسنة عند تيارات وأجنحة الحركة الإسلامية، أن يقود إلى حالة تعفي الحزب الأكبر في البلاد من شعور رموزه وقياداته وكوادره بأنه حزب قد يلحق به قطار الحظر والاستهداف أيضاً.
يحقق مجلس الشورى هنا أفضلية سياسية بتأسيس استجابات عبر مفهوم إعادة الهيكلة للوضع الواقعي الجديد، وهي خطوة تحسب للمعتدلين من التيار الإسلامي الراغبين في تأسيس حالة تتجاوز الصدام وتأزيم الأزمة أكثر.
والمسألة الثانية قريبة من الأولى، ومحتواها أن مراجعة وتطوير النظام الأساسي الداخلي في الحزب قد يسمح باستيعاب كوادر الجماعة المحظورة، أو التي حظرت، ضمن أسس جديدة متفق عليها وبدون تشنج أو تصعيد بدلاً من غرق المخلصين في الحركة الإسلامية في سيناريوهات التأسيس لحزب جديد، وبدلاً من مجازفة السلطات الرسمية بفكرة وجود كتلة من الإسلامين بلا عنوان حزبي شرعي أو الخوض في تجربة جديدة ومختلفة.
وضع بيان مجلس الشورى الأساس لخطوة تأخرت قليلاً وتنطوي على رسالة للمؤسسة الرسمية بأن الحزب قادر على تجنب الأزمة والتأسيس لحالة هندسية معاكسة، يفترض أن تظهر الحكومة لها التقدير والاحترام حتى تنحصر أكثر في المشهد السياسي مساحات نفوذ المعنيين بالتأزيم، سواء كانوا في أجهزة الحكومة أو في مؤسسات الجماعة والحزب.
وعليه، يمكن القول بأن البرمجة التي لجأ إليها بالتوافق وشبه الإجماع مجلس شورى الحزب باعتباره المرجعية الشورية والشرعية، هي أقرب إلى صيغة رسالة ناعمة تمنع تفجير أو تفخيخ الأزمة مع الإسلاميين مجدداً.
وشرط الإنتاجية هنا أن تتلقف السلطات الرسمية بدورها تلك الإشارة الهادئة الناعمة وتبني عليها بعنوان طمأنة أبناء الحزب بأن الحكومة ستظهر تعاوناً معهم إذا ما التزموا بالمسار القانوني والسياسي والنظامي المقترح.
محتوى بيان شورى الحزب مقترح منظم للتهدئة يؤسس لقناعة جميع الأطراف بأن العودة لمرحلة ما قبل حظر الجماعة أصبح في القناعة من الماضي، والفرصة المتاحة لوقف نزيف الصدام مع الإسلاميين وتأثيراته يوفرها الآن متأخراً مجلس شورى الحزب، على أساس أنها فرصة متزنة ومتوازنة توفر الاحتياطات وتلاعب احتياجات السلطة والقواعد في الوقت ذاته.
حصل هذا التطور قبل نحو ثلاثة أيام في اجتماع استثنائي فيما كانت السلطات تفرج عن المزيد من الموقوفين لديها من أبناء التيار، وتقتصر الإجراءات والتحقيقات الآن في إشارة إيجابية محدودة من الطرف الآخر على الملف المالي حصراً، ما يوفر بعض الملامح التي يمكن تحويلها إلى ترتيب متفق عليه، أو شبه صفقة تسوية شريطة حسم النوايا والرغبة من كل الأطراف.