زيارة الشيخ تميم: ملامسات قطرية لاحتياجات أردنية تعزز مقايضة سياسية وتبادل مصالح
مكتب لتسريع التأشيرات و10 آلاف وظيفة إضافية للأردنيين
يمكن استنباط بعض ملامح التعاون القطري مع الأردن من خلال طبيعة وتركيبة الوفد الرفيع الذي رافق الأمير تميم بن حمد آل ثاني في زيارته التي وصفت بأنها «مهمة جداً» وكانت مثيرة من حيث تفاصيلها لعمان، وتضمنت المبيت ليلة واحدة في ضيافة الملك عبد الله الثاني.
ضم الوفد القطري ممثلين من أرفع المستويات للمؤسسة الأمنية في دولة قطر. وضم وزير المالية، ونائب رئيس الوزراء وزير الخارجية، وممثلين عن وزارة الدفاع القطرية وعن جهاز قطر للاستثمار.
سبق هذا اللقاء في العاصمة الأردنية زيارات تنسيقية ميدانية قام بها للدوحة نخبة من كبار المسؤولين الأردنيين في المجالات الأمنية والعسكرية بعد تبادل السفراء.
الاستعانة بالخبرات
زيارة الأمير القطري كرست تماماً بعد انتهائها، وسط أجواء احتفال رسمي وشعبي أردني، كل أنماط المجاملة الأردنية لمعسكر الحصار ضد دولة قطر، ثم دفعت باتجاه مقاربة جديدة مثيرة للعلاقة بين الجانبين يمكن تسريب بعض تفاصيلها لاحقاً، وظهرت خلالها التضامنات القطرية الاقتصادية والاستثمارية مع ظروف الاقتصاد الأردني.
حتى الوفد الذي ترأسه الملك عبد الله الثاني صبيحة أمس الإثنين في الوداع الملكي الرسمي للضيف القطري كان له دلالات، فقد ضم رئيس الأركان، ومساعد مدير المخابرات، وطاقم رئيس بعثة الشرف المرافقة للأمير علي بن الحسين، ومحافظ العاصمة، ومدير الأمن العام الأردني.
يستشف ضمنياً من هذه التركيبة من الزوار والمغادرين والمضيفين بأن دولة قطر باتجاه «الاستعانة بالخبرات الأمنية» الأردنية ضمن موسم ترتيباتها لاستضافة كأس العالم، حيث نية للاستعانة بخبرات الدرك الأردني وبإيفاد عدة آلاف من العناصر الأردنية المؤهلة لأغراض التأمين والحراسة.
الأمير تميم نفسه سجل مفاجأتين على هامش الزيارة.
الأولى في تغريدة شخصية له عبر «تويتر» تضمنت الإشارة إلى نية بلاده «الاستعانة بالخبرات الأردنية» وكشفه عن مضـامين عامة للقاء مع المـلك عبد الله الـثاني.
والثانية – وهي الأهم للرأي العام الأردني – هي تلك المفاجأة التي تقررت فيها مبادرة «أميرية» جديدة تمثلت في تخصيص «10 آلاف وظيفة» جديدة للمواطنين الأردنيين في السوق القطرية خلافاً لعدد مماثل تقرر في عام 2018.
النبأ الأخير من الأنباء السارة للشارع الأردني حتى أن توجيهات الأمير تميم تضمنت الإعلان عن تأسيس مكتب في عمان يتولى تسهيل منح تأشيرات العمل للموظفين الأردنيين.
وهنا سارعت وزارة العمل الأردنية للإعلان عن التفصيلات وأشارت إلى أن السوق القطرية الآن في انتظار أكثر من 15 ألف وظيفة للأردنيين، حيث تم فعلا تعيين أكثر من 4 آلاف أردني ضمن مبادرة عام 2018، وسيكتمل العدد حتى نهاية عام 2021.
عملياً، يقدم القرار القطري خدمة نوعية لبرنامج التشغيل الذي تقترحه وتراهن عليه الحكومة الأردنية. وتخصص قطر هذه الوظائف للأردنيين في الوقت الذي تلغى فيه عقود وظيفية للأردنيين في أسواق خليجية موازية، من بينها السعودية.
في كل حال، تقدمت القيادة القطرية بمبادرة أخرى، حيث قررت تقديم مبلغ 30 مليون دولار أعلن عنها الأمير تميم لصالح دعم صندوق يتبع المتقاعدين العسكريين الأردنيين.
فرص مشاريع استثمار
دون ذلك، يفترض أن تتولى لاحقاً «لجنة خاصة» تتبع جهاز قطر للاستثمار، البحث عن فرص لمشاريع استثمارية بمبلغ قد يصل إلى 500 مليون دولار على الأقل. ويعني ذلك أن زيارة الأمير تميم لعمان رافقتها «خطة إجرائية» هذه المرة، وليس كلامية أو خطابية فقط، تتعامل مباشرة مع «احتياجات» أردنية مباشرة بمدلول اقتصادي، وتتعلق بدعم صناديق للمتقاعدين العسكريين ومتطلبات استثمارية وتوفير وظائف وفرص عمل.
ذلك بحد ذاته ملامسة قطرية بمضمون اقتصادي تضامني، تحصل قطر مقابله على فرصة للتحالف السياسي ومكيانزمات تبعد الحصار عن الفضاء العربي والإقليمي، بعدما توفقت في التصدي له واحتواء نتائجه.
وبعيداً عن مؤشرات ومظاهر المجاملة الدبلوماسية، يمكن القول بأن هذه الملامسات مهمة أيضاً بالتوقيت المدروس، فالأردن في ظرف اقتصادي ضاغط جداً، وأولوياته في التفاوض الاستثماري والمالي اختلفت، والجانبان يتعاملان الآن مع تداعيات ونتائج ما بعد مرحلة صفقة القرن الأمريكية.
المقايضة في كل حال «سياسية» بامتياز، وفيها اليوم تحول نحو «احتواء أي توترات» وبناء تفاهمات جديدة في الموقف والموقع والمسار الثنائي.
وفي الوقت نفسه، هي مقايضة منصفة في السياسة للطرفين، ويمكنها أن تخفف من وطأة الحصار المفروض على البلدين عملياً من قبل بعض «الدول الشقيقة»، وإن كانت عمان قد احتفظت بموقـفها من محـاولة عدم التدخل بالشؤون الخليجية الداخلية.