اراء و مقالات

شبح ترامب و«الضفة» والأردن في «الحائط الإسرائيلي»: لماذا «يوبخ» الصفدي بنشاط «صحافيي نتنياهو»؟

عمان – «القدس العربي»: الحراك الذي يظهره وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي على مستوى المجتمع الدولي في الاشتباك مع السردية الإسرائيلية للأحداث تحديداً لا يمكن قراءته فقط في سياق حالة تعاكس الاتجاهات والمصالح بين الأردن وحكومة اليمين الإسرائيلي فقط، وإن كان مرحلياً بمثابة إشارة إنذار مبكر، لأن طريق التواصل السياسي بين عمان وتل أبيب في نقاط مسدودة تماماً خلافاً لكل الانطباعات والمخاوف التي تتحدث في العاصمة الأردنية عن اقتراب وشيك من الصدام حتى بالمعنى الأمني حدودياً.
الصدام بين الأردن وإسرائيل حتمي وبات وشيكاً في رأي السياسي المعروف الدكتور ممدوح العبادي، الذي يقترح: “لا بد من فهم الوقائع كما هي اليوم، لا بل الاستعداد لما بعد الاصطدام، ليس مع مشروع اليمين الإسرائيلي فقط، ولكن مع أطماعه التي تخضع لكل البراهين ومن الصعب إنكارها.” الوزير الصفدي يظهر بحزم وقوة مؤخراً في مشاهد الاشتباك الإعلامي، وأمس الأول شوهد يغادر منصة مؤتمر صحافي مع وزراء خارجية عرب مسلمين في أروقة الأمم المتحدة، ثم يعود فجأة لاختراق المنصة نفسها ويلقي محاضرة خشنة دبلوماسياً على أحد الصحافيين الذي كان للتو سأل عن توفير الأمن لإسرائيل بصورة استفزت الوزير الأردني الذي بدأت شعبيته تزيد على اعتبار النظر له وسط الأردنيين باعتباره الممثل الأكثر دقة عن الموقف الأردني المرجعي. وخطف الصفدي الميكروفون في تلك الواقعة من زميل إسلامي له، ثم تدفق بجملة متسلسلة يتحدث فيها باسم 56 دولة إسلامية وعربية تستطيع توفير أمن إسرائيل بعد ولادة الدولة الفلسطينية، ثم قال بخشونة شيئاً عن حل الدولتين الذي تقوضه حكومة متطرفة في إسرائيل.
الوزير الصفدي نفسه ناقش أمام الكاميرات وبصورة توبيخية ملموسة، صحافياً إسرائيلياً تحدث عن دور وكالة الأونروا بوجود رئيسها في رعاية الإرهاب، فرد عليه الصفدي بخشونة معتبراً أن الحكومة التي تمارس الإرهاب والتطرف وتقتل الأطفال والنساء هي التي تحاول وسم منظمة دولية محترمة لها دور وبصمة في خدمة الأبرياء.
عملياً، تولى الوزير الأردني 4 مرات على الأقل في أقل من أسبوع واحد التصدي في إطار المزاحمة والتوبيخ للأسئلة التي يطرحها صحافيون محسوبون في أروقة الأمم المتحدة على خط نتنياهو.
خطب الصفدي أيضاً عدة مرات في منابر الأمم المتحدة مشتبكاً مع الرواية الإسرائيلية للأحداث، ومتهماً الإسرائيليين بزعزعة أمن واستقرار المنطقة.
وتردد في الأروقة أن الصفدي له دور أساسي في تسويق فكرة إقامة تحالف دولي يدعم ولادة الدولة الفلسطينية، ويعمل بالاتجاه المضاد لشرعنة الاحتلال، وينظر للدفاع عن الأونروا تحديداً باعتبارها معركة أردنية في المقام الأول، وهو ما ألمح له عندما ناقشته “القدس العربي”، مشيراً إلى أن بلاده تعرف بصورة تفصيلية ما الذي يريده المتطرفون الإسرائيليون في ملف اللجوء من وراء حملة تشويه الأونروا.
في بعض مداخلاته المهنية الإعلامية تحديداً، بات الصفدي نجماً في المواجهة والاحتكاك مع الإسرائيليين، الأمر الذي يؤشر بوضوح على أن نطاقات عمل حكومة اليمين الإسرائيلي بدأت تتعارض بخشونة مع الأجندة الأردنية وسط قناعة مؤسسات القرار في عمان بأن إدارة الرئيس جو بايدن إما ضعيفة أو لا تريد التدخل، كما يصفها أمام “القدس العربي” الناشط السياسي محمد الحجوج.
قبل الحراكات النشطة في أروقة الأمم المتحدة لوزير الخارجية الأردني الصفدي، كانت إشارات مرصودة من القصر الملكي في عمان تصدر بالتتابع في التأشير على عدم توقع أي تحرك فاعل للإدارة الأمريكية الحالية في كبح جماح توسيع اليمين الإسرائيلي للحرب والمواجهات.
وبرزت مؤشرات تقول إن الأردن يريد العمل مع أوروبا والمجموعة العربية والإسلامية بنشاط أكثر بسبب الفراغ الأمريكي، وقبل أن يصطدم العالم برمته بسيناريو عودة شبح المرشح الرئاسي دونالد ترامب. الموقف معقد في الحالة الإقليمية بقياسات الأردنيين، والآفاق تضيق، ووصفة إعادة تدوير الزوايا المألوفة لم يعد لها موقع أو مكان في التعاطي مع الوقائع، والانطباع متكرس مبكراً في أن إسرائيل إذا تمكنت من الحسم لصالح تصورات اليمين في غزة ولبنان ستنتقل حتماً للحلقة الثالثة من فوبيا الأردن، وهي الضفة الغربية، حيث سلسلة ملفات وإجراءات حساسة جداً وأجندات خطرة على الأمن القومي الوطني الأردني في ظل واقع فلسطيني مؤسساتي مترهل.
الموقف معقد جداً، وحراك الأردنيين النشط في الأروقة الدولية والعربية والإسلامية يعكس ارتفاعاً في التقاط المجسات العميقة لمستوى المخاطر، وهي مخاطر لا يمكن حسابها عند أردنة التطورات إلا في سياق تصدير أزمة الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية بكل ما تعنيه تلك الحالة من تحديات جسيمة، ونطاق أولويات متدرج وأزمات بالجملة ستولد على حدود الأردن مع فلسطين المحتلة إذا ما أفلت يمين تل أبيب من نطاقات الضغط الدولي والمساءلة واستمر في التسلل بين مساحات الضعف والغياب الأمريكية.
الموقف حرج للغاية، ومستوى الإحراج يزيد بصورة تكثيفية، والأردن يلعب بالورقة الوحيدة بين يديه عبر القنوات الدولية، لكن مستوى جاهزيته سيادياً وأمنياً يرتفع في الأثناء، كما ترتفع وسط جمهوره مناسيب الأسئلة الحساسة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading