«شرعية» الصفدي و«شجاعة» العرموطي… بعد «الاستقواء»: نواب الأردن في «الكلف والفواتير»
عمان- «القدس العربي»: شرعية رئيس مجلس النواب الأردني المنتخب أحمد الصفدي، أفضل بصورة لا تقارن بعدما نافسه القطب البرلماني صالح العرموطي؛ فيما حصول الصفدي على 98 صوتاً في انتخابات رئاسة مجلس النواب من أصل 138 صوتاً ضربة مباشرة وقوية تصبح سياسياً منصفة أكثر رقمياً على الأقل بعدما خدم ترشيح العرموطي الصفدي بإبعاد سيناريو التزكية.
المعنى هنا أن القيمة التي أراد تثبيتها العرموطي عندما أبلغ “القدس العربي” بأنه يترشح احتجاجاً على التدخل، استفاد منها الصفدي وهو شخصية مؤثرة أظهرت حضوراً حيوياً في مساحة رئاسة مجلس النواب في كل حال، فيما الشحن والتحريض الذي طال نواب الحركة الإسلامية يمكن الاستغناء عنه؛ لأن الممارسة بصرف النظر عن خلفيتها كانت ديمقراطية.
وفي المدلول السياسي هنا، البرلمان المنتخب في أيلول الماضي نتج عن أقصى معايير النزاهة بإقرار المعارضة الإسلامية قبل غيرها.
لذا، لا يمكن تمرير الاتهام بالهندسة أو بالتدخل المباشر، ببساطة.
أعضاء مجلس النواب الجدد يمثلون أحزاباً سياسية من حق الدولة أن تحاول التأثير فيها، خصوصاً في مرحلة حرجة إقليمياً ووطنياً واقتصادياً، بصرف النظر عن شعور ممثلي الاتجاه الإسلامي وأحياناً تكتيكاتهم التي ظهر فشل بعضها.
في كل حال، فاز الصفدي بجدارة ونافسه العرموطي بجرأة وشجاعة.
ومجلس النواب هو المستفيد في المحصلة. والمعادلة التي طرحها الناشط النقابي البارز أحمد زياد أبو غنيمة بعنوان “فاز الصفدي ولم يخسر العرموطي” قد تكون منصفة، مع أن رئيس المجلس الصفدي كان قبل أيام قليلة من موقعة الانتخابات وبعد لقاء انفردت بنشر تفاصيله “القدس العربي” مع المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة، يعبر في اتصال مباشر مع “القدس العربي” عن انزعاجه؛ لأن كتلة جبهة العمل الإسلامي لم تتجاوب مع الترتيب الذي عرضه للتفاهم على مواقع الصف الأول في البرلمان بنوايا إيجابية.
عند العودة إلى الخلف والكواليس قليلاً، يمكن الإشارة إلى أن الصفدي عرض صفقة ما يفترض أنه يستطيع ترتيبها، وتتمثل في حضور الإسلاميين بمقعد واحد في المكتب الدائم لمجلس النواب، وبدعم حضورهم في لجان تشريعية مهمة.
والفكرة هنا أن الصفدي يريد إنجاح ما كان يفكر به أصلاً وأساساً، وهو الانتقال بمؤسسة مجلس النواب إلى منطقة التوافقات وتجنب التورط بإقصاء أي مكون سياسي مادام البرلمان حزبياً بنسبة 104 نواب من 138.
وأضح أن الصفدي قبل فوزه الحاسم والكاسح بأغلبية ساحقة بموقعه، لم يكن يستطيع عرض موقع النائب الأول لرئيس المجلس على التيار الإسلامي لاستقطاب نوابه إلى منطقة توافق.
الأوضح أن الأحزاب الوسطية التي واجهت صعوبة في الاندماج والائتلاف كتلوياً، اكتشفت أن بإمكانها التوحد أكثر في حال وجود خصم يدفع استهدافه تحت قب البرلمان بعض الجهات الرسمية للاسترخاء.
ليس صدفة أن هذا الخصم هو العرموطي وكتلته البرلمانية.
وليس سراً أن السياق التكتيكي لترشيح العرموطي خرج عن السكة وأخفق في الحسابات، ولم يكن موفقاً؛ بمعنى الرهان على شخصيات برلمانية في أحزاب الوسط يمكنها أن تنقلب على الصفدي.
الإخفاق بمعناه التكتيكي هنا قد يتحمل مسؤوليته المفاوض النائب المخضرم في كتلة الإسلاميين محمد عقل، خصوصاً أن العرموطي بقي فترة طويلة زاهداً تماماً بالترشح لموقع الرئاسة، لا بل همس في أذن “القدس العربي” قبل الانتخابات الداخلية، بأنه يعلم حساسية مثل هذا الموقع والمتطلبات والمقتضيات.
إخفاق كتلة الإسلاميين في الرهانات التكتيكية قابلته جبهة الأحزاب الوسطية باستقواء سياسي ملحوظ قد ينتج تشويشاً بعد الآن، بعنوان ظهور إقصاء واحتكار، أو بعنوان تمكين كتلة وازنة وصلبة في البرلمان من الاستثمار في منطقة التظلم.
وعليه، أنتجت ما وصفته “القدس العربي” في تقرير سابق لها “الرمال المتحركة” تحت أرجل النواب واقعاً موضوعياً في مشهد برلمان تشكل بعد واحدة من أكثر الانتخابات نزاهة وحياداً.
ما ظهر لم يقف فقط عند منطقة خسارة العرموطي الذي كسب جولة في قلوب الناس عموماً لأنه نافس بشرف وجرأة، بل امتد إلى خسارة 3 نواب إسلاميين لفرصة المنافسة على مقاعد في المكتب الدائم، حيث انسحب نائبان قبل خوض المعركة أصلاً، حيث ظهرت تداعيات الاستقواء المشار إليه والذي قد ينسحب في تحول دراماتيكي آخر متوقع على لجان التشريع الأساسية.
وذلك يبقي الإسلاميين وحدهم دون منافس في منطقة الرقابة بعيداً عن التشريع وفي منطقة الموقف السياسي المعارض الوطني.
يفترض بتكتل أحزاب الوسط في البرلمان بعد الآن معرفة حساباتهم مسبقاً بعد نتائج الترتيب الذي حصل.
وما يمكن وصفه بملامح استقواء على كتلة المعارضة الأبرز بعد تفاهمات التكتل هنا، يزيد من الفاتورة المطلوبة من أحزاب الوسط وفي ظرف حساس عموماً، فيما تعفي كتلة المعارضة المتماسكة من تحمل المسؤوليات عندما تبقى وحيدة مع مظلوميتها في منطقة الموقف والرأي الآخر.
لا يوجد، واقعياً واقتصادياً، ما يمكن للحكومة أن تقدمه لرواد الوسط والموالاة عموماً في ملف الخدمات والامتيازات، ومن الصعب منافسة الإسلاميين على الميكروفون السياسي الوطني، وغالبية النواب لا تدين لأي جهة بالفضل بسبب “مستويات النزاهة المتقدمة” في الانتخابات.
كان الخيار الأفضل طبعاً للجميع أن يتم تمثيل كل التيارات البرلمانية، وألا يحصل لا استقواء ولا إقصاء ولا تكتيكات تشاطر من الإسلاميين أو غيرهم.
لكن ما حصل فوت الأمر عملياً، فقد فاتت فرصة ترتيب مساحة “تشاركية” الآن، وقد تدفع الحكومة الجديدة لاحقاً الثمن، خصوصاً أن التيار الإسلامي بطبعه يجيد الاستفزاز أحياناً والاستثمار في منطقة التظلم والميكرفون، أحياناً أخرى.
في الخلاصة، في المشهد البرلماني بعد انتخابات المكتب الدائم والرئاسة، تبدو الأغلبية واضحة ومحسومة للوسطيين. أما غير المحسوم بعد، فهي النتائج والتداعيات.