«شيء ما يحصل»… الرئيس الفايز: الأردن «لن ينتحر» والشارع يرد «العدو قد ينحرنا»
وسط تسريبات عن «مروحة خيارات» في «أمريكا – ترامب»
عمان ـ «القدس العربي»: المسافة التي قطعها رئيس مجلس الأعيان الأردني الرئيس فيصل الفايز، واضحة ومرسومة وصريحة للغاية سياسياً عندما أعلن مساء الخميس: «لن ننتحر من أجل أي قضية، والأردن أولاً».
بالمقابل، المسافة التي قطعتها «قوى الشارع» وهي تتجاوب وترد بعد صلاة ظهر الجمعة أيضاً، لا ينقصها الوضوح والمصارحة وهي تقول «دولة الرئيس الفايز… نحن معك، لكن لا نريد للعدو أن ينحر الأردن».
بين المسافتين عملياً تكمن «وقائع وأوهام» وسجالات عفوية بين الأردنيين، تطرح أسئلة حساسة يعبر عنها ضمناً «حوار غير مباشر» بين الفايز ومتحدثين بميكروفون الشارع، قرروا التعليق عن بعد كيلومترين من مقر السفارة الأمريكية في العاصمة عمان، فيما كانت تصريحات الفايز منقولة عبر الإعلامي اللبناني الشهير طوني خليفة.
ذلك «حوار» يميز في الواقع السردية الأردنية بشقيها الشعبي والرسمي، وإن كان لا يعفي الطرفين – برأي السياسي مروان الفاعوري- من ضرورة الانتباه أكثر لحقيقة ما يجري تحت عناوين تمكين العدو الإسرائيلي، بالتوازي مع الحرص الوطني على الداخل الأردني، مع التذكير بأن من يقودون إسرائيل اليوم انتخبوا على أساس خارطة منشورة تعتبر الأردن جزءاً من إسرائيل الكبرى، الأمر الذي يقترح فاعوري على صناع القرار في البلاد عدم تجاهله وهم يقرون الاستراتيجيات.
عبر برنامج توني خليفة، كان الرئيس الفايز فعلاً الأكثر صراحة بين كل السياسيين والمسؤولين الأردنيين في القول والتلميح والتصريح عندما قدم ضمناً «التفسير المطلوب» الذي غابت عنه الحكومة لمرحلة ما بعد خطاب العرش الأخير، الذي ألقي على ممثلي السلطة التشريعية والفايز رئيسهم.
وجهة نظر الفايز
قالها الفايز بوضوح: الأردن لا يستطيع مواجهة إسرائيل عسكرياً وحده، وليس مطلوباً منه «الانتحار» من أجل «أي قضية» والأولية له. والقضية الفلسطينية كانت وستبقى مركزية بالنسبة للدولة والشعب في الأردن.
ليثبت الفايز وجهة نظره السياسية التي يمكن القول جزئياً إنها تمثل المؤسسة، شرح بأن «العاطفة غلبت العقل في لبنان بخصوص فلسطين، وأدت إلى وضع الحرب ضد الشعب اللبناني».
ذلك تفصيل يتقبله في الواقع التحليلي أردنيون كثر. لكن الفايز هو الوحيد الذي أشار إليه بصراحة وبدون مواربة، متقدماً بالحد الأدنى -وفي رأي بعض المراقبين الخبراء- بما يمكن وصفه أول ترجمة محتملة للنصوص المرجعية التي تصدرت في غضون أسبوعين سابقين بعنوان «لن نجازف بمستقبل الأردن».
لا يمكن طبعاً الاختلاف مع مقولة تحدث الأردنيين عن ضمانة مستقبلهم. لكن باطن شروحات الفايز وتلميحه عن الانتحار مؤشر على معادلة سياسية توحي ضمناً بأن عمان قد تكون في مرحلة الرئيس دونالد ترامب المقبلة، في طريقها لتوازنات مختلفة أقل حدة وتصعيداً في ملف القضية الفلسطينية، من الصنف الذي لا يمكن توقعه الآن، لكنه حتماً تطلب -برأي المخضرم طاهر المصري كما سمعته مباشرة «القدس العربي» مؤخراً- «وقوف أردني خبير في منتصف الطريق» تجنباً لأي مفاجآت أو مغامرات، ولتحديد الاتجاه لاحقاً.
وسط تسريبات عن «مروحة خيارات» في «أمريكا – ترامب»
لا يوجد ما يخشاه الأردنيون عملياً في هذه المرحلة أكثر من تحديد الخطوة التالية التي يمكن أن يطالب بها أو يسعى لفرضها «الصديق دونالد ترامب».. ذلك حديث هامس يجتاح كل أوساط نخبة القرار والسياسة في عمان في ظل معلومات وتسريبات عن «مروحة خيارات» في واشنطن هذه الأيام، يمكن أن تؤثر على معادلات أردنية أساسية.
وهي خيارات من الصنف الذي تطلب أقصى طاقات الاحتراز أردنياً، حيث بدأت عملية الاحتراز بخطاب «لن نجازف بمستقبل البلد» وانتهت بعيارة الفايز العميقة القائلة بـ «ليس مطلوباً من الأردن الانتحار من أجل قضية». وفي حال تتبع المسار، قد يسمع الأردنيون كثيراً لاحقاً عبارة» نقبل ما يقبل به الفلسطينيون».
الرئيس الفايز أيضاً يمارس الاحتراز السياسي، ويقوم بواجبه، ولا يلام على مصارحاته التي تكرس ثم تكدس بعضها على شكل انطباعات رسمية داخل المؤسسات، أو على شكل مخاوف عند الأردنيين. والرأي العام عموماً عندما يستمع لشخصية تميزت بالصدق طوال عقود مثل الفايز، عليه معرفة مستوى تدحرج الترتيبات في إطارها الوطني.
لذلك سياسياً، ومن باب التحليل، فإن ما قاله الفايز مساء الخميس يوحي ضمناً بأن «شيئاً ما» سيجري على صعيد القضية الفلسطينية أو من المتوقع أن يجري، خلافاً لأنه يوحي بمعادلة مركزية تقررت على مستوى الدولة الأردنية عنوانها قد ينتهي بـ «تنازلات» سياسية لا تعجب الشارع والأطر الشعبوية، لكن هدفها الأعمق والأبعد هو تجنب المغامرة بالمصالح والمستقبل.
الفرضية اليتيمة الموجودة في سوق التحليل الآن هي «ترامب ومرحلته» وعودته المحتملة لـ «صفقة القرن 2» بمعنى أن عمان قد تضطر لقبول ما رفضته سابقاً في المستقبل القريب؛ لأن كل الأوراق اختلطت، وحالة السيولة الاستراتيجية في الإقليم والمنطقة خطرة للغاية.
مراقب الإخوان
والواقع أن المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد عضايلة، طالب أيضاً في ندوة مؤخراً بأن أحداً لا يطالب الأردن بإعلان الحرب على إسرائيل أو المغامرة فيما المطلوب ضمن إمكانات البلاد تحت عنوان وقف التطبيع والاقتراب من محور المقاومة.
تعريف «الانتحار والمغامرة» عند الإسلاميين وقوى الشارع والمتظاهرين في عمان يختلف عنه عند طبقة رجال الدولة الخبراء مثل الفايز.
لكن الأهم أن تلك التباينات يمكن تقليصها إذا اجتمع الفرقاء الوطنيون معاً على «طاولة حوار» وظيفته التوافقات والتعريفات والتمكين وتصليب الجبهة الداخلية، كما طالب عبر «القدس العربي» النائب صالح عرموطي عندما صرح.. «تحاورنا في قضايا أكثر أهمية بكثير».
في الخلاصة، الرئيس فيصل الفايز حاول لفت نظر الأردنيين بطريقته الجريئة لبعض ما يجري ويعلمه ويقدره.
والخطباء الذين ناقشوه عبر ميكروفونات الشارع، ظهر الجمعة أمام مقر السفارة الأمريكية في عمان، قرروا بدورهم «لفت نظر» دوائر القرار بأن من يمثلونهم شعبياً لا يطالبون بانتحار ومغامرات، بل بمغامرات.
كلاهما -الفايز، والمتظاهرون أمام سفارة واشنطن- يقصدان الحماية والمقاربات الوطنية، ويتفقان على «عدم الانتحار» ويختلفان على تعريف من يخطط لـ «نحر الأردن». الحلقة الوحيدة المفقودة أو المنقوصة بين المحذرين من الانتحار ومن يعرفون «الناحر المتوقع» تتمثل في أن يجلس الطرفان معاً في الدولة والشارع برسم الرغبة في التفاهم وتعريف التحديات.