ضجة واسعة في الأردن بعد تقرير القدس العربي عن “البيروقراط والاستثمار”.. وهذه “مغالطات” الداخلية و”الهيئة”
تقرير “القدس العربي” عن دور البيروقراط في إعاقة المستثمرين تضمن أحداثا وحالات وقصصا عدة، كانت حالة السيدة الفلبينية نموذجا منها فقط
تضمنت توضيحات وبيانات رسمية أردنية صدرت بعد ظهر الأحد بعض “المغالطات”، عندما تعلق الأمر بالتقرير الذي نشرته “القدس العربي” وأثار ضجة واسعة النطاق وسط النخبة والمؤسسات الأردنية حول قرارات بيروقراطية تساهم في إعاقة الاستثمار.
وتحدث رئيس هيئة الاستثمار في الأردن، الدكتور خالد الوزني، في تصريح صحافي له، ينفي تلويحه بالاستقالة بسبب “مهندسة فلبينية” حاول استقدامها أحد المستثمرين وتسببت بخلاف بين هيئته ووزارة الداخلية، علما بأن تقرير “القدس العربي” لم يتحدث عن مهندسة بل عن “أستاذة جامعية”.
بكل حال، نفى الوزني ما ورد في تقرير “القدس العربي” حول تلويحه بالاستقالة جراء خلاف حول استقدام امرأة فلبينية لأغراض أحد الاستثمارات، مع أن الخلاف حول تأشيرة ومعاملة السيدة الفلبينية والجدل الذي ثار بين الوزني ووزير الداخلية سلامة حماد، وشارك في جزء منه وزير العمل نضال البطاينة، عرضه مستثمرون وصناعيون كبار مباشرة أمام “القدس العربي”، وفي جلسة استضافها وأقر ما تضمنته معطياتها رئيس اللجنة المختصة بالاقتصاد والاستثمار في البرلمان الأردني، النائب الدكتور خير أبو صعليك.
أبو صعليك نفسه تطرق للتفاصيل بحضور “القدس العربي” وشخصيات بارزة أخرى.
لكن الدكتور الوزني ولأسباب مفهومة اعتبر -وهذا من حقه- الكلام غير دقيق جملة وتفصيلا، وعبر عن حقيقة ما قال إن وزارة الداخلية ومعالي الوزير داعمون لهيئة الاستثمار، وقال إنه لم يجد من الوزارة وطاقمها إلا التعاون معه منذ باشر عمله في الأول من شهر آب/أغسطس الماضي، وهو ما تتمناه “القدس العربي” دوما.
بكل حال، هنا تتفهم “القدس العربي” الأسباب التي تدعو موظفا رفيع المستوى لنفي واقعة تلويحه بالاستقالة، بعد خلاف مع مندوب وزارة الداخلية حول معاملة تخص أحد كبار الصناعيين؛ فالتلويح بالاستقالة سمعها العديد من المسؤولين في الأثناء، كما تؤكد “القدس العربي” مجددا وهي تحمي مصادر معلوماتها، في الوقت الذي عولج فيه الخلاف لاحقا بعد تدخل وزير العمل، وهو ما أشار له تقرير “القدس العربي” المشار إليه.
طبعا، تحجم “القدس العربي” هنا عن التوسع في التفاصيل، وتؤمن بأن من حق المسؤولين الأردنيين التعبير عن رأيهم وتقديرهم، وبالطريقة التي يرونها مناسبة، ووفقا لظروف ومتطلبات واحتياجات وظائفهم.
لكن “القدس العربي” في الوقت نفسه تتيح صفحاتها لكل الآراء، وتتمسك أيضا بروايتها لمسار الأحداث، على الأقل بخصوص السيدة الفلبينية، مع أن تقريرها عن دور البيروقراط في إعاقة المستثمرين تضمن أحداثا وحالات وقصصا عدة، كانت حالة السيدة الفلبينية نموذجا منها فقط.
واضح تماما في السياق أن هيئة الاستثمار ورئيسها الوزني قررا التركيز على جزئية السيدة الفلبينية من دون بقية مضمون ما ورد في التقرير حول سيدة أعمال مصرية تعرضت لإساءة، وحول مستثمر كبير يشتكي من كثرة المراجعات، وأيضا حول جزء من التقرير تحدث عما يجري في بلدية العاصمة الأردنية الكبرى.
بالمقابل، اتجه مصدر مجهول في وزارة الداخلية للمسار نفسه، مقدما في بيان ما سماه بتوضيح له علاقة بمعلومات وصفها المصدر بأنها “مفبركة” وتهدف للإساءة لعلاقات الأردن مع دولة شقيقة.
ورغم أن بيان الداخلية التوضيحي تحدث عن تقارير تسيء لعلاقات الأردن مع دول شقيقة، إلا أنه لم يتطرق إطلاقا لاسم أي من الدول الشقيقة التي يتهم البيان تقرير “القدس العربي” بالإساءة للعلاقات معها، حيث لا شروحات لها علاقة بواقعة السيدة المصرية، وحيث لم يرد أصلا في تقرير “القدس العربي” ما يتحدث عن كيفية التعامل مع أبناء جنسيات الدول الصديقة أو حتى الشقيقة.
وكما حصل مع بيان الوزني، أقر بيان وزارة الداخلية الموزع على وسائل الإعلام المحلية تماما بوجود خلاف، أو حصوله مع “مستثمر” حول سيدة فلبينية، ولم ينف عدم وجود خلاف كما أعلن الوزني.
وخلافا لما نفاه الوزني، تحدث بيان الداخلية عما سماه بإحدى الحالات التي تخص إحدى الشركات، حيث تقدمت إلى النافذة الاستثمارية بطلب زيارة لمواطنة فلبينية بهدف زيارة مصنع الشركة والتعاون معها.
وأوضحت الوزارة أنه تمت الموافقة على الطلب ومنح التأشيرة اللازمة للمواطنة الفلبينية خلال فترة بسيطة، ومقابل كفالة بنكية تعهدت من خلالها الشركة بمغادرة الزائرة للمملكة بعد انتهاء مدة الزيارة.
وشرح بيان الداخلية أيضا أن الشركة نفسها تقدمت بعد أربعة أشهر بطلب منح المواطنة الفلبينية المذكورة إذن إقامة سنويا بمهنة “مترجم”، وهو أمر يتنافى مع هدف استقدامها أصلا، مع أن بيانات الشركة المرفقة تقول إن السيدة مولودة عام 1995 وتحمل شهادة بكالوريوس في الهندسة.
وأقر بيان الوزارة بتعذر إجابة الطلب كونها قدمت إلى المملكة بقصد الزيارة وليس العمل، وكون المهنة المراد إشغالها لا تتناسب مع تخصصها العلمي، وهي من المهن المغلقة على الأردنيين فقط، ثم أبلغت الشركة نفسها بضرورة اتباع الطرق القانونية في استقدام العمالة الأجنبية.
بيان وزارة الداخلية من جهة “القدس العربي” يقر بحصول إشكال إداري له علاقة بخبيرة فلبينية. وبالتالي، ينفي ضمنيا النفي الذي تقدم به الدكتور الوزني، مع أن “القدس العربي” تحدثت أصلا ومن دون التطرق لتفاصيل عن حدوث خلاف إداري له علاقة بمعاملة استقدام أستاذة وخبيرة فلبينية ومن دون الغرق في التفاصيل البيروقراطية، والحديث عن السيدة الفلبينية تلك كان جزءا صغيرا من تقرير “القدس العربي”، ولم يكن هو أساس التقرير، الأمر الذي يؤشر ضمنيا على اجتهاد وزارة الداخلية وهيئة الاستثمار للتركيز على جزئية تخص السيدة الفلبينية، التي سمعتها “القدس العربي” بالمناسبة من صاحب العلاقة مباشرة، من دون التركيز على الحالات الأخرى الواردة في التقرير.
وتجدر الإشارة إلى أن تقرير “القدس العربي” تحدث وبوضوح عن إشكالات في اللوائح والنظام تسببت في إعاقة معاملة المستثمر والسيدة الفلبينية، وهي الإشكالات نفسها التي يوضحها عمليا بيان وزارة الداخلية.
بالتوازي، تقدم بيان الداخلية بفقرتين في البداية تتحدثان عن آلية دخول وإقامة بعض الجنسيات في المملكة، وعن معلومات غير دقيقة تضر بالبيئة الاستثمارية وبالعلاقات مع الدول الصديقة والشقيقة، و”القدس العربي” توضح هنا بأن تقريرها أصلا لم يناقش تلك الآلية ولم يتطرق لها، وأن القصد من عرض بعض النماذج هو خدمة المصالح الاستثمارية في الأردن بعد الإقرار الجماعي لنخبة من كبار المسؤولين بوجود عوائق وحواجز بيروقراطية. وهي عوائق وحواجز تحدث عنها رأس الدولة الملك عبد الله الثاني شخصيا وبوضوح شديد، عندما ترأس جانبا من اجتماع خصص لبحث هذه العوائق مع مجلس الوزراء قبل نحو أسبوعين.
إضافة لذلك، سمع كبار المسؤولين حديثا مباشرا عن تلك العوائق البيروقراطية، وعلى رأسها قضايا الاستقدام والإقامة والتأشيرات، خلال اجتماعات المنتدى الاقتصادي الوطني في البحر الميت، وخلال اجتماعات رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز بغرفتي التجارة والصناعة مرتين على الأقل الشهر الماضي.
وهي أيضا عوائق تحدثت عنها لجنة الاستثمار البرلمانية بوضوح وباجتماعات عدة، وتحدث عنها وعلنا الوزني نفسه على هامش المنتدى، وتطرق لها رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة، وتحدثت عنها وزيرة السياحة مجد شويكة في البحر الميت أيضا بصيغة لم تعجب وزير الداخلية سلامة حماد.
وعليه، يصبح الهدف من تقرير “القدس العربي” الذي حقق معدلات قراءة ومتابعة كبيرة وأثار ضجة في المملكة محاولة لتسليط الضوء على بعض المعوقات لخدمة بيئة الاستثمار، وليس العكس.