اراء و مقالات

«عاش أحرار هولندا»… الأردن يستشعر و«يجس نبض» العواصم: بعد «إسرائيل الكبرى»… مطالب بإعادة «تدوير كل الزوايا»

عمان- «القدس العربي»: «عاش أحرار هولندا.. العالم يتغير».
كانت تلك عبارة استهلالية نشرها عبر تغريدة جديدة ظهرت صباح الأحد عضو مجلس النواب الأردني الإسلامي ينال فريحات، في إشارة إلى واقعة استقالة 8 وزراء من الحكومة الهولندية بسبب رفض اتخاذ المزيد من الإجراءات ضد إسرائيل لوقف الإبادة في غزة.
النائب فريحات، وهو الناطق باسم كتلة جبهة العمل الإسلامي في برلمان الأردن، لجأ إلى طريقته المسيسة في تسريب معلومة ضمن النص، يحاول تذكير القراء فيها بأن وزير الخارجية الهولندي المستقيل احتجاجاً على ما يجري في غزة، لم يتهمه أحد بأنه عضو في تنظيم دولي ولم يخضع لمعايير الشيطنة.
هنا حصراً «غمزة» سياسية مقصودة لا تقف عند سياق المناكفة بقدر ما تحاول التوظيف والاستثمار في مسلسل نمو الأحداث على أمل قلب الصفحة أو فتح صفحة جديدة في تفصيلات الأزمة العالقة بين السلطات الأردنية والتيار الإسلامي حصراً.
يغمز فريحات من قناة ركاب موجة شيطنة التيارات الإسلامية وأنصار المقاومة المحليين، مع أن هؤلاء خف حضورهم التلفزيوني الإلزامي على نحو ملموس طوال أسبوعين بعد تلك التصريحات المثيرة جداً، والتي أغضبت الأردن الرسمي والشعبي معاً بتوقيع بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، الذي خلط كل الأوراق عندما أعلن شغفه الشخصي بمشروع إسرائيل الكبرى. للأسبوع الثالث على التوالي، يصنف تصريح نتنياهو بأنه تعبير عن أطماع تهدد الوجود الأردني ويعزز منسوب دائرة المخاطر.
ورغم أن الحكومة قدمت رسمياً روايتها في مسألة نتنياهو وتصريحه وعلى أساس «المتطرف الواهم»، فإن المجالس والدواوين والصالونات السياسية لا تزال مشغولة بتلك التصريحات وأثرها، ثم تأثيرها الحيوي على كل المقاربات الأردنية.
خطة نتنياهو باحتلال غزة مجدداً تضيف التعقيد على التعقيدات الموجودة.
لكن تغريده الفريحات تلامس تلك النغمة التصالحية التي دعت إلى قلب صفحة الخلاف والأزمة مع الإسلاميين وغيرهم من باب تقنيات ردع العدوان الوشيك أو الاستعداد لمواجهة معركة حتمية بين الأردن شعباً ومؤسسات، وتطلعات رموز اليمين الإسرائيلي.
لا يريد فريحات -وهو عضو ناشط في كتلة الإسلامين البرلمانية- ولا رفاقه في كتلته، استباق الأحداث. لكن الكتلة المسيسة أكثر من غيرها في البرلمان تعلم مسبقاً بأن تهديدات وتلويحات نتنياهو دخلت في مطبخ عقل الدولة وأصبحت عنصراً مباغتاً في معادلة القرار السياسي ومؤثراً في بقية الاعتبارات.
وهنا حصراً، لا يخفي الإسلاميون وحتى غيرهم قناعتهم بأنهم يترقبون تغيرات ما أكثر إنتاجية، ليس تجاه استذكار طروحات الصدام العسكري والسياسي مع إسرائيل فقط، ولكن تجاه ترتيبات الوضع الداخلي أيضاً التي دفعت حكومة تكنوقراط اقتصادي لتغيير لهجتها، كما تؤسس -وفقاً لفرضية نشطاء التيار الإسلامي- لحالة تخفف على نحو أو آخر من أزمة الحكومة مع الحركة الإسلامية والتي أعقبت قرارات الحظر الشهيرة للإخوان المسلمين.
انطفأت شعلة بعض الكتاب الذين احترفوا شيطنة الإسلاميين والمقاومة قليلاً وزاد معدل ظهور جنرالات متقاعدين على الشاشات والمحطات الوطنية، وأصبحت اللغة الدبلوماسية أكثر خشونة، وأعيد تفعيل خدمة العلم العسكرية، وبقي البرلمان بلا دورة استثنائية، وسمح للحكومة بتعديل وزاري.
كل تلك الإجراءات بقيت كحزمة وتصدرت بالتزامن مع تهديديات نتنياهو الشهيرة. وما يقترحه أقطاب التيار الإسلامي في البرلمان أن قطار تسوية ما قد يصل قريباً إلى سلسلة أزمات عالقة بعدما خلط خطاب نتنياهو عملياً كل الأوراق.
ولعل هذا ما يشير له السياسي والخبير الاقتصادي البارز الدكتور محمد الحلايقة، وهو يعيد قراءة ما يقترحه مع «القدس العربي» تحت عنوان مواجهة المخاطر، مصراً على تنشيط وتفعيل تقنية تدوير الزوايا وفقاً لمجسات المخاطر بالطريقة التي يعرف الجميع أن خبرات المؤسسات الأردنية صلبة ومتينة في إدارتها. الحلايقة يقترح تدوير الزوايا داخلياً وخارجياً تأسيساً على علاقات تبنى مفصلياً على أساس المصالح الوطنية العليا للدولة.
ويتحدث عن تدوير الزوايا الداخلية والخارجية؛ لأن ما يحيكه اليمين الديني المتطرف في إسرائيل يجعل المنطقة العربية برمتها ملبدة بالغيوم، الأمر الذي يجعل ترتيب البيت الداخلي الأردني أولوية يهتم بها الموالي والمعارض معاً لمصالح الدولة.
يتطرق الحلايقة إلى الإشارة لـ 3 سنوات عجاف سياسياً في مرحلة الرئيس دونالد ترامب، ويقدر -مجدداً في تدوير الزوايا الخارجية- بأن روسيا لاعب أساسي واستراتيجي بالمنظومة العالمية التي ستتبلور لاحقاً.
وهنا حصراً يمكن ملاحظة أن ما يقوله خبراء كبار مثل الدكتور الحلايقة بعد تهديدات نتنياهو الصريحة، بدأ يتوسع أكثر خصوصاً في تقديم النصح والإرشاد واقتراح المقاربات على مستوى نخبة ودوائر القرار، في الوقت الذي تتحدث فيه مصادر المعلومات والمعطيات عن عملية استشعار تفصيلية تجري حالياً خلف الستائر والكواليس برفقة أو مع بعض الدول الكبرى الصديقة مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا، لمحاولة فهم ما هو المطلوب من الأردن في هذه المرحلة التي يهدد فيها نتنياهو بإسرائيل الكبرى. كيف تفترضون أن الأردن سيتصرف؟ هذا سؤال يفترض مصدر أردني مرجعي أنه عرض الآن على طاولات عواصم القرار، وأن سبب طرحه الرئيسي ليس تهديدات نتنياهو الذي توقف الأردن عن احترامه، بل صمت وتواطؤ الإدارة الأمريكية، وهو ما يحدث خللاً استثنائياً في منظومة التواصل المعنية بإدامة الصداقة والتحالف بين الدول الغربية ودول الاعتدال العربي المحيطة بإسرائيل.
يشعر الساسة المحليون بأن الأسئلة السياسية المعقدة قفزت فجأة بسبب نوايا حكام تل أبيب العلنية المختلة، كما يصف الحلايقة وآخرون. ورغم أن الحكومة سخرت عملياً من تهديدات نتنياهو، فإن طبيعة وحجم الاتصالات التي جرت مع أطراف أساسية في المنظومة الدولية مؤخراً، ومن بينها اليابان وروسيا، تبدو خطوات في الاستشعار والمجسات لا يمكن إنكارها، ومن الصعب تصنيفها ضمن الصيغة التي اقترحها علناً رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، عندما تحدث عن متطرف واهم يحكم إسرائيل.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading