عباس في عمان: مشاورات وتنسيق… شكوك في «المبعوثين السريين» ومعالجة لمعضلة «انسياب المعلومات»
غادر الرئيس الفلسطيني محمود عباس العاصمة الأردنية عمان دون عقد لقاء قمة علني على الأقل مع الملك عبد الله الثاني، لكن بالتوازي مع اندفاع سلسلة من المشاورات تحت عنوان تنسيق المواقف.
يبدو أن الرئاسة الفلسطينية لم تطلب عقد لقاء رسمي على مستوى الزعيمين، ويبدو أن عمان في اتجاه فتح الخيارات والبوصلة إلى أقصى حدود التنسيق والتفاعل مع المؤسسات الفلسطينية دون بروز فيتو على الانفتاح في اتجاه جميع الأطراف في المعادلة الفلسطينية.
دعم الرئيس عباس في عمان خيارات التنسيق مع الأردن إلى أقصى مدى، وحضر بمعيته نخبة من المستشارين والجنرالات بغرض إحياء ملامح التنسيق المشتركة والعودة إلى تفعيل خلية الأزمة، وعلى أساس القناعة بأن الأردن والسلطة الفلسطينية تحت الضغط معاً اقتصادياً ومالياً وسياسياً في ضوء الأجندة التي تتنامى تحت عنوان صفقة القرن المزعومة.
زيارة ثلاثة أيام من دون «اجتماع قمة»… ولقاء على مائدة عشاء مع الأمير علي بن الحسين
لا جديد من وزن نوعي يمكن التحدث عنه بعد وقفة الرئيس عباس في عمان لثلاثة أيام، حيث كان النشاط الأبرز له تناول العشاء على مائدة شقيق الملك علي بن الحسين. ورغم عدم وجود لقاءات على مستوى القمة إلا أن الهدف الأعمق لزيارة عباس ونخبة من كبار المسؤولين الفلسطينيين للعاصمة الأردنية وضع في حسابه مسبقاً استعادة كل مظاهر الثقة قدر الإمكان، خصوصاً على المستوى الأمني وليس السياسي فقط. وتذليل أي عقبات يمكن أن تعترض طريق التنسيق التفصيلي، خصوصاً في ظل بعض الاجتهادات الأردنية المحلية التي تفترض بأن السلطة الفلسطينية لا تضع في جعبة المؤسسة الأردنية كل المعطيات المعلوماتية المتاحة لها والتي تصلح لتنسيق أي هجمات ثنائية رداً على حملات الضغط.
وفيما كان عباس في ساعات زيارته الأولى لعمان، كان الملك عبد الله الثاني يتمسك بثوابت بلاده في ملف القضية الفلسطينية، على هامش لقاء خاص ومغلق مع تسعة من أعضاء البرلمان الأردني، بينهم نواب يمثلون القوة التصويتية في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الكبيرة في الأردن. في ذلك اللقاء تمسكت الرؤية الملكية في الموقف المعلن من ملف مدينة القدس وتمت الإشارة إلى قناعة الأردن بأن الصراع سيتواصل إذا أقصي حل الدولتين، وبأن عملية السلام ستواجه مأزقاً تاريخياً إذا لم يتمكن الفلسطينيون من بناء دولتهم المستقلة وعلى حدود عام 1967 على الأقل.
التنسيق الأردني الفلسطيني ارتفعت وتيرته مؤخراً في ظل رسالتين برزتا على هامش أزمة الاتصالات والعلاقات المتفاعلة بين الأردن وإسرائيل، حيث الرسالة الأولى عبر وسيط أردني أشرف في الماضي علـى اتصالات سرية مع الإسرائيليين وتمكن مؤخراً من مـقابلة جنـرالات في المؤسـسة الأمنـية الإسرائيلية.
الوسيط، وتحتفظ «القدس العربي» باسمه، سمع عتاباً شديداً على ضعف حماسة المؤسسة الأردنية منذ عامين للتنسيق على أساس أمني مع المبالغة في المخاوف تحت ستار نفوذ حكومة اليمين الإسرائيلية.
الرسالة التالية كانت أردنية، بالمقابل، وعبر استبعاد التنسيق مع وسيط أمريكي فلسطيني أيضاً كان ينقل الرسائل وسط المثلث الإسرائيلي الفلسطيني الأردني باسم اللوبي اليهودي النافذ في الولايات المتحدة.
من المرجح أن المؤسسات المرجعية الأردنية لم تعد تثق كثيراً بالمبعوثين الغامضين والسريين، وعلى أساس القناعة بأن الخطوات والإجراءات أحادية الطابع تستمر وتتواصل على الأرض وفي الميدان، في الوقت الذي بدأت فيه حكاية المبعوثين إياهم أقرب إلى صيغة «إبر التخدير».
وعليه، وفي الوقت الذي تم فيه تجميد الرهان على قنوات سرية هنا وهناك، ساهم التصعيد الإسرائيلي والتهديد بضم أغوار الأردن وشمالي البحر الميت بتجاهل مخاوف التنسيق مع أجهزة السلطة الفلسطينية.
ومنحها فرصة التفاعل والعمل معاً أملاً في تغيير معطيات الأمر الواقع، خصوصاً أن المفكر السياسي وخبير الإسرائيليات الأبرز في عمان عدنان أبو عودة يتحدث لـ»القدس العربي» عن تحويل ما يسمى بصفقة القرن إلى وقائع على الأرض.
أبو عودة انضم إلى زميله السياسي المخضرم طاهر المصري في التحدث عن سقف، لترتيبات صفقة القرن المزعومة، له علاقة بسلام وتعايش اقتصادي مع مفهوم يحذر منه أبو عودة مراراً وتكراراً ويتعلق بسلام مع «سكان» وليس مع شعب لديه دولة فلسطينية.
ارتاب أبو عودة مؤخراً بما قرأه في الإعلام عن مستشفى أمريكي يقام على الحدود تماماً بين إسرائيل وقطاع غزة، ويرى بأن المعلومات إذا كانت دقيقة فالحديث هنا عن لعبة حدود تحاول استثناء الضفة الغربية والأغوار من أي ترتيب له علاقة بمشروع دولة فلسطينية.
أغلب التقدير أن المؤسسة الأردنية بدأت تستمع مؤخراً لهذه المخاوف في مستجد من الصعب إنكاره تطلّب تنشيطاً بشكل غير مسبوق مع الفلسطينيين أمنياً وسياسياً، بالتوازي التام مع التقلص الملموس في مستوى التشاور مع الدولتين: العميقة، وتلك التي في السطح على الجانب الإسرائيلي.
مباحثات عباس هنا في العاصمة الأردنية أوضحت موقفه من ملف الانتخابات وحتى من ملف العلاقة مع الأردن مستقبلاً، وبدأت تفتح نوافذ المعلومات الأمنية على أمل زيادة جرعة التنسيق وسط توافق أردني فلسطيني على أن الحصار المالي الذي يمارسه الأمريكيون وحلفاؤهم العرب ضد السلطة الفلسطينية وعمان معاً له على الأرجح جذر وهدف سياسي أبعد وأعمق يؤثر على مصالح المؤسستين.