اراء و مقالات

بعد «الترامبية» والإبراهيميات… كيف يقرأ المطبخ الأردني الصراع؟

عمان رفضت «طلباً محدداً» لنفتالي بينيت

عمان – «القدس العربي»: أي زائر خبير أو خبيث يستمع لرئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة بخصوص ملف القضية الفلسطينية تحديداً ومنذ أسابيع أو أشهر طويلة، يصل مستدركاً إلى خلاصة تتعلق بتحديد وترسيم كيفية تفكير المؤسسة الأردنية عندما يتعلق الأمر بميزان المصالح والثوابت، وأيضاً موازين القوى والوقائع على الأرض ومعها هوامش المناورة.
لا يفتي الدكتور الخصاونة من الفراغ أو من الهواء عندما يتعلق الأمر بملفي العلاقة الأردنية مع القضية الفلسطينية ومع الإسرائيليين، ولا مجال للادعاء بتحليلات خارج السياق وخارج النص؛ لأن رئيس الوزراء الذي تهاجمه بخشونة اليوم منابر اليمين الإسرائيلي هو دبلوماسي عتيق، بل من الخبراء الأساسيين في ملف الصراع بين نخب المؤسسة.
وما لا يعرفه الجمهور بصورة مرجحة أن الخصاونة، وانطلاقاً من موقعه سابقاً ولمدة عامين قبل تسلمه رئاسة الوزراء مديراً لمكتب الملك عبد الله الثاني، كان أحد العناصر المتقدمة في الاشتباك المباشر والوجاهي في بعض التفاصيل بين رموز إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب.

عمان رفضت «طلباً محدداً» لنفتالي بينيت

والمسألة هنا انطوت على مواجهة نقاشية مباشرة وشهيرة مع جاريد كوشنر واجتماعات عقدت مع مستشارية الأمن القومي في عهد ترامب وكل تفصيلات ما سمي بصفقة القرن. واستناداً إلى ذلك، يمكن فهم بأن الحملة الإسرائيلية العنيفة واليمينية على الأردن ورئيس وزرائه قد لا يكون لها صلة حصراً بخطاب الخصاونة الأخير بقدر ما لها علاقة بتراكم شعور الأردن عموماً بأن اليمين الإسرائيلي دخل مرحلة «التخطيط العدائي».
في كل حال، الاقتراب من الخصاونة في أي حوار أو نقاش قد يعني الاقتراب من بعض ما تعتبره الدولة الأردنية أو يعتبره مطبخ القرار الأردني بالعادة بمثابة خطوط حمراء، أو ما يمكن التعامل معه في إطار خطوط مرنة ومتفاوتة وهوامش مناورة بين الحين والآخر، الأمر الذي اختبرته «القدس العربي» مباشرة في عدة محطات.
المطبخ السياسي وحتى الأمني الأردني يقرأ «الواقع» كما هو ودون أوهام خصوصاً بعد «الترامبية» و«الإبراهيميات». وهنا سمعت «القدس العربي» مرتين الخصاونة وهو يشدد على أن حسابات بلاده ليست مبنية على «أوهام».

حكومة هشة

عند التفصيل، القناعة متسعة بأن حكومة نفتالي بينت أصلاً حكومة كانت آيلة للسقوط، وهي حكومة هشة، والاستثمار فيها ومعها سواء بالتجاوب والاستجابة أو بالمعارضة والمواجهة استثمار قد لا ينطوي على حكمة وتعقل ورشد سياسي، وقد لا يؤدي إلى خلاصات ونتائج محسومة أو قاطعة الحسم بصرف النظر عن كيفية وظرفية وزمان ومكان الاشتباك والموضوع.
الحكومة أدارت علاقاتها مع طاقم نفتالي بينت على هذا الأساس، وهو السبب الذي منع الأردنيين عملياً من الاستجابة لما طالبت به تلك الحكومة المتشددة مرتين؛ في المرة الأولى الضغط على عمان لكي تضغط على فصائل المقاومة الفلسطينية وتحديداً حركة حماس بخصوص البقاء في مجالات التهدئة.
هنا تحديداً رفضت عمان القيام بأي دور، وأشارت بإصبعها إلى المصريين باعتبارهم الوكيل الحصري للتحدث مع حركة حماس، لا بل عندما عقد لقاء النقب تحت نفس الخلفية عملياً وأخذ الطابع والشكل الإبراهيمي قررت عمان أنها ستذهب في اتجاه الرئيس محمود عباس، حيث زاره الملك عبد الله الثاني بالتوازي زمنياً مع انعقاد لقاء النقب الذي قاطعته عمان.
في الاعتذارية الأردنية الثانية كلمات واضحة بعدم وجود أي استعداد ما دامت حكومة نفتالي بينت تعمل في اتجاه إحياء وإنعاش خطة التقاسم المكاني والزماني في المسجد الاقصى لأي مساعدة لتمكين الائتلاف من الصمود. ولم يعد سراً وسط النخبة الأردنية أن عمان رفضت التقدم بأي نصيحة أو طلب أو استشارة لا من عضو الكنيست عن القائمة الإسلامية منصور عباس ورفاقه الثلاثة، ولا أيضاً من أعضاء كنيست عرب أصدقاء لعمان.

مسألتان

على جبهة موازية، يمكن القول بوضوح إن الترسيم الذي يقر به بصورة واضحة رئيس الوزراء الخصاونة يحدد المجالات الحيوية لأي مرونة أو تكتيك أردني في التعامل مع المعطيات على الأرض.
القناعة حتى في الدولة العميقة راسخة بمسألتين في غاية الأهمية. الأولى تقول بأن المجتمع الإسرائيلي نفسه يجنح نحو اليمين. والثانية تقول بأن اليمين الإسرائيلي المتشدد والديني في جذوره وبالتالي المعادي لمصالح الأردن والمؤمن بأن فلسطين يجب أن تقام دولتها في شرق الأردن، أصبح يتسلل بعملية منهجية بوضوح إلى الكيانات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، سواء في الإدارات التابعة لجيش الدفاع على مستوى التخطيط والاستراتيجيات وقادة القطاعات والمناطق، أو في مؤسسة «الشين بيت» الإسرائيلية، فيما بقي الموساد فقط نقياً من الأصول اليمينية المتشددة، ويصنف أردنياً باعتباره مازال جهازاً علمانياً.
ذلك التقييم ورد في وثائق قرأت في اجتماعات تشاورية سيادية. لكن في المقاربة، الانطباعات واضحة الملامح بأن ما يستطيع الأردن اتخاذه من قرارات أو تفاعلات ومواقف ليس بالضرورة ينبغي أن يماثل لا المواقف المصرية ولا مواقف بعض الدول الخليجية أيضاً.
دول الخليج مثل البحرين والإمارات بعيدة في الجغرافيا، ويوجد فيها أقلية من الفلسطينيين ومحرومة بالرغم من دفء العلاقات الإبراهيمية من الوزن الاستراتيجي الذي تمثله ورقة الجغرافيا، ولديها أيضاً حسابات لها علاقة بالإيرانيين، وهذه كلها اعتبارات تؤسس للتباين مع الحالة الأردنية في الموقف سواء من القضية الفلسطينية أو من المسألة الإسرائيلية نفسها، والمعايير نفسها تنطبق على الأرجح على دولة مثل المغرب تذهب في اتجاهات محددة في التطبيع لكنها تبقى بعيدة جغرافياً.

«الاستثمار في ورقة المقاومة»

في مصر الحالة مختلفة بالتقييم الأردني الداخلي؛ فمصر دولة كبيرة وقررت الاستثمار في ورقة المقاومة الفلسطينية وقطاع غزة فقط باعتبارها المجال الحيوي لها، وترك لها هذا الأمر وثقل مصر الشعبي والسياسي يسمح لها بمناورات ومداولات، وهو أمر غير مسموح في الحالة الأردنية، إما بسبب عنصر القرب الجغرافي الذي يلعب دوراً هائلاً في التفاصيل، أو بسبب الإمكانات الاقتصادية والبشرية للدولة الأردنية، والأهم كعنصر ثالث؛ بسبب وجود أغلبية كبيرة من السكان الأردنيين ومن الشعب الأردني من أصول فلسطينية.
وهو وضع لا تستطيع أي حكومة تجاهله، بمعنى أن القضية الفلسطينية بكل تفاصيلها وجدانية وسياسية وتتعلق بالأمن القومي والوطني العميق للأردنيين بحكم الديموغرافيا وعلى أساس القناعة بأن الأردني الفلسطيني الذي ولد في الأردن بالقرب من جغرافيا فلسطين له مواصفات ومعايير مختلفة عن أجيال الفلسطينيين الذين ولدوا في الاغتراب، سواء في أوروبا أو أمريكا أو حتى في بعض دول الخليج العربي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading