عرض «الإخوان» في «الشراكة» ضد نتنياهو… متى يمكن «إغراء» الدولة الأردنية؟
عمان- «القدس العربي»: عملياً وبلغة السياسة الواقعية، يمكن القول إن ثمن الشراكة التي يعرضها المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الشيخ مراد العضايلة مرة تلو الأخرى على الدولة ومؤسسات القرار الرسمي بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، لا يمكن الاستهانة به.
ولا يمكن اعتباره مساراً ينتج عنه ثمن منطقي ومعقول، أو يمكن التعامل معه رغم مكونات الإغراء السياسي الملحوظة في حال قررت الدولة “تحصين الجبهة الداخلية”.
فاتورة الشراكة التي يريدها ويتحدث عنها الشيخ العضايلة على أساس أن جماعة الإخوان المسلمين والحركة الإسلامية العريقة هي في قمة محور الاشتباك مع مشروع الأطماع عند اليمين الإسرائيلي، تبدو فاتورتها في حالة ترجمتها أو الاستجابة لها بعيدة قليلاً عن وقائع الحال على الأرض، مع أن عرض الشراكة بحد ذاته معقول ومنطقي ويؤشر على برغماتية سياسية يمكن استثمارها، خصوصاً بعد انتخابات مثيرة للجدل لبرلمان عام 2024 انتهت بفوز أغلبية من ممثلين حزب جبهة العمل الإسلامي المعارض التابع لجماعة الإخوان المسلمين.
مؤخراً، وللمرة الثانية ومساء السبت، وبمناسبة الذكرى الأولى ليوم 7 أكتوبر، تحدث الشيخ العضايلة عن مسألة الشراكة في مخيم البقعة هذه المرة ضمن مهرجان يعيد إنتاج التضامن مع أهل غزة والمقاومة الفلسطينية، لا بل يتحدث عن التضامن في لبنان أيضاً.
وفي خطابه، أشار مجدداً إلى تلك الشراكة التي يتحدث عنها الإسلاميون على أساس جبهة التصدي والدفاع عن الوطن الأردني، وعلى أساس أن المعركة شبه حتمية، كما يقول السياسي والبرلماني البارز الدكتور ممدوح العبادي.
العضايلة وجه بشكل عام ما سماه “التثمين” للقوات المسلحة الأردنية بسبب تجربة ما، لم يسلط الإعلام الرسمي الأضواء عليها لإطلاق صواريخ بعيدة المدى، ثم عبر عن قناعته بأن الأردن -كما قال كبير مقاولي الكيان الإسرائيلي روني مزرا، حي بعد لبنان.
ما يتوقعه العضايلة قاله بكل بساطة، وهو أن المعركة ستفرض على الأردنيين فرضاً، والمملكة هي في عين العاصفة والاستهداف.
قد لا يتفق كثيرون مع محتوى ما يقوله العضايلة، لكن هذا المحتوى قابل للنقاش. والتركيز على مسألة الشراكة السياسية مع الخط الرسمي بعد الانتخابات قد يكون مفتاحاً لسلسلة تفاهمات استراتيجية في المرحلة اللاحقة، عنوانها الأبرز ضعف إدارة الحليف الأمريكي، وشعور الأردن بمخاطر التهجير التي يمكن أن يلجأ لها اليمين الإسرائيلي في نقل أزمة الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية. يتسلل خطاب الإخوان المسلمين سياسياً وبراغماتياً إلى بعض الزوايا والاعتبارات أملاً في إعادة تدويرها.
وهنا لاحظ الجميع أن البيان السياسي الأول لكتلة حزب جبهة العمل الإسلامي الفائزة للتو في الانتخابات، وجهت تحية لمضمون خطاب الملك عبد الله الثاني الأخير في نيويورك، وصدور تصريح يوجه التحية للقوات المسلحة من جهة الشيخ العضايلة، إشارة مبكرة أيضاً من التيار الإخواني إلى المؤسسات السيادية.
وقبل ذلك، صنف بعض المحللين والخبراء تجاهل التيار الإسلامي لإعلان نعي الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله باعتباره نوعاً أو صنفاً من المجاملة للسلطات الرسمية، التي جازفت بإجراء انتخابات شفافة فاز بها عدد كبير من ممثلي البرلمان الإسلاميين، وأغضبت في النتيجة أصدقاء وحلفاء أساسيين في المعادلة السياسية الأردنية، سواء في مصر أو في بعض دول الخليج وبعض دول الجوار.
رغم ذلك، لا تعلق السلطات الرسمية على فوز الإسلاميين بعدد كبير وضخم من المقاعد، ولا على الشراكة التي يعرضها للمرة الرابعة علناً الشيخ العضايلة، بعنوان أن التصدي لمخاطر اليمين الإسرائيلي قد يؤسس مساحة مشتركة، وأن جماعة الإخوان المسلمين ضمناً مستعدة للدفاع عن النظام والدولة، كما يفعل الجيش وتفعل الأجهزة الأمنية، في أي لحظة صدام مع اليمن الإسرائيلي.
حتى بعض خبراء اللعبة البرلمانية صنفوا صدور تصريحات إيجابية ومعتدلة من قيادة الكتلة الإسلامية في البرلمان باعتبارها خطوات للتقارب البرغماتي.
قبل ذلك، صنفت خطوة الامتناع عن المزاحمة على موقع أو على انتخابات رئاسة مجلس النواب باعتبارها خطوة في نفس السياق.
والمعنى هنا نمو ملحوظ بمؤشرات القلق على إيقاع التهديدات الإسرائيلية التي تشعر بها أجهزة الدولة ومؤسسات القرار، وإن كانت تقرأها في سياق مختلف عن سياق الإسلاميين.
تطور الأحداث دفع الإسلاميين إلى الصدارة، وها هم في كل مهرجاناتهم وفعالياتهم يعرضون مرة تلو الأخرى الشراكة، لا بل يتحدثون عنها صراحة، ولكن تحت شرط أو قيد من الصعب إنجازه، وهو التناقض التام مع إسرائيل، والاستعداد لما يصفه العضايلة بمعركة أصبحت حتمية ستفرض على المملكة. وهي مسألة “تعبوية” يحتاجها الإسلاميون كما يحتاجها المواطن الأردني.
لكن الدولة تقرأ الاعتبارات باتجاهات أخرى، ولديها توازنات لا تصلح لمناقشة الجماهير في مخيم البقعة أو في مدينة الزرقاء أو في أي موقع آخر، وإن كان المشهد السياسي الأردني -كما يصر القطب البرلماني صالح العرموطي وهو يتحدث لـ “القدس العربي”- أساسه اليوم الاحتياط الاستراتيجي للأطماع الصهيونية بسلسلة مقصودة ومبرمجة من الإجراءات، أقلها أهمية اليوم ليس العمل ضمن مطبخ سياسي ملموس وواضح وجريء وشجاع كما يقول رئيس الديوان الملكي الأسبق الدكتور جواد العناني فقط، ولكن بدء تدشين حوارات وطنية أكثر جرأة تحت عنوان تصليب الجبهة الداخلية.
ذلك خيار في كل حال، لا يمكن لأي طرف في الأجهزة الرسمية والحكومية أن يعترض عليه أو حتى يظهر معترضاً ولو بالإيحاء، مع أن الخط الرسمي –حتى الآن وإلى أن يحصل تهجير- هو الانقلاب ليس على إسرائيل، بل على حكومتها الحالية.
سؤال الشراكة التي يلح عليها الإسلاميون لا جواب له حتى الآن، لا من جهة مؤسسات القرار الأساسية والسيادية في البلاد، ولا من جهة الحكومة الجديدة التي تحاول بدورها التسلل وراء أو خلف أو حتى أمام تقلبات الإقليم التي عصفت وقد تعصف لاحقاً، فيما الأردن يستعد لأسوأ السيناريوهات بكل الأوراق والاعتبارات والخطط الموضوعة.
لا يزال الوقت مبكراً للحديث عن إيمان المؤسسة الأردنية الرسمية بالانقلاب على إسرائيل وعملية السلام.
والعنصر المحرج أكثر هناك هو كيفية إدارة العلاقة مع الولايات المتحدة في ظل توفيرها الغطاء لكل ما يريده يمين إسرائيل في هذه المرحلة.
ما بين عرض الإسلاميين المغري عملياً للشارع تحت عنوان الشراكة وقيود وشروط ذلك العرض، تتريث الدولة الأردنية وتدخل في حالة ترقب وكمون تكتيكي، عنوانها الأبرز حماية الداخل الأردني ومصالح الأردن وسط هذا النمط من التقلبات الإقليمية.