اراء و مقالات

علماء الأردن غاضبون بعد «مجزرة الخمور» والنقاشات في مناطق «حساسة»

«شماتة في الموت» بعد وفاة 9 وإصابة 50… «ما أقبحكم»

عمان ـ «القدس العربي»: عدد الضحايا وطبيعة الإشكالية التي نتجت عما يسميه الإعلام المحلي الأردني بـ«مجزرة الكحول السامة» من الأسباب المباشرة التي استوجبت ـ بعد اليوم الثالث من الانشغال بالواقعة محلياً ـ الوقوف على محطة حالة من الارتباك في الخط البيروقراطي وفي إدارة هذه الأزمة وبشكل مرصود وغير مسبوق.

تحذير الجمهور

بعد وقوف عدد حالات الوفاة عند 9، والإعلان عن 50 إصابة أخرى، لم يفهم الرأي العام بعض الاتجاهات الإدارية مثل قرار مؤسسة الرقابة على الغذاء والدواء نشر صورة لـ 4 أصناف من ماركات الكحول المحلية باعتبارها الماركات المتهمة بالميثانول المغشوش، ثم تحذير الجمهور علناً من هذه الأصناف.
ولم يعرف بعد ما إذا كانت هذه الخطوة ـ وهي إدارية في المقام الأول ـ مدروسة بعناية أو تخالف الأطر القانونية التي تحظر التشهير بماركات تجارية مرخصة.
لا شروح بعد هذه الخطوة، فيما مديرية الأمن العام نشرت بدورها قائمة من 11 صنفاً مشتبهاً بها لأسباب وقائية بعدما تحركت خبرات البحث الجنائي باحتراف للقيام بواجبها في هذه القضية التي تدحرجت على نحو غير مسبوق وبدأت تلامس بعض الخطوط الحساسة في نقاشات الأردنيين، خصوصاً في البعد الديني والاجتماعي.
وزارة الصحة عموماً، رغم فداحة الخسائر البشرية في حادثة الكحول المحلية المغشوشة والسامة، تحركت بسرعة ورشاقة إدارية في الجزء المتعلق بواجب المستشفيات العامة. وما يبدو عليه المشهد أن البروتوكول العلاجي الذي قررته وزارة الصحة في اليوم الثاني بعد اكتشاف عشرات الإصابات، نجح بفعالية في الحد من حالات الوفاة، وفي إنقاذ بعض الأرواح عبر وصفة طبية سريعة محددة استخدمت مع المصابين. في الأثناء، توالدت الأسئلة البيروقراطية حيث لم تتضح بعد الأسباب التي دفعت في اتجاه تسمية ونشر صور الأصناف الكحولية المغشوشة والسامة، وحيث بدا أن بعض التلاوم الإداري يقفز في التفاصيل هنا أو هناك.
مؤسسة الغذاء والدواء صرحت بأنها ليست الجهة التي تمنح مصانع الكحول المحلية رخص العمل، دون أن توضح للجمهور من هي الجهة التي توافق على ترخيص منشأة كحولية؛ لأن هذا التوضيح ضروري لفهم ما الجهة المختصة بمراقبة أعمال هذه المنشآت.
المؤسسة المعنية بالغذاء والدواء، وهي مؤسسة مستقلة تتبع رئاسة الوزراء، بالغت قليلاً في إطلاق التصريحات والبيانات، فيما بقيت بيانات الأمن العام محددة ومرسومة تقنياً على أساس الواجب في وقف نزيف الحادثة، ثم جمع البيانات، وتتبع كميات الكحول المغشوشة التي تسربت للأسواق، ثم مصادرتها، وجمعها، وإتلافها قبل وضع البينات والوقائع -وفقاً للأصول القانونية- بين يدي سلطات النيابة، وبالتالي ترك الملف لسلطات القضاء.

«شماتة في الموت» بعد وفاة 9 وإصابة 50… «ما أقبحكم»

في الأثناء، تثير نصيحة منقولة عن أبرز مسؤول في إدارة الرقابة على الغذاء والدواء جدلاً واسع النطاق عندما اقترحت على الأردنيين عموماً التدقيق في منتجات الكحول التي يشترونها من الأسواق، والحرص على الشراء من المحلات المرخصة قانونياً؛ لضمان الصحة العامة.
تلك نصيحة عملياتية تهدف للوقاية، وأساسها أن مؤسسة الغذاء والدواء لا تمارس الخطاب الديني أو الاجتماعي، وفي مواجهة أزمة حصلت، وفيها خسائر بشرية فادحة مالت إلى نصيحة ما لاحتواء الأضرار.

بيان شديد اللهجة

لكن تلك النصيحة لم تعجب المؤسسات الدينية في البلاد، فقد أصدرت رابطة علماء الأردن بياناً شديد اللهجة وغير مسبوق استنكرت فيه أشد الاستنكار التصريحات التي دعت إلى اختيار النوع الجيد من الخمر، لا بل اعتبر بيان الرابطة أن تلك التصريحات -وقد صدرت عن موظفين رسميين- اعتداء صريحاً على كلام الله تعالى وسنة نبيه، وتشجيعاً ضمنياً على تعاطي أمر محرم بنصوص قطعية.
لم تقف الرابطة عند تلك الحدود، بل رفضت قطعاً أيضاً ما يقترح من تنظيم بيع الخمور عبر بطاقات تحدد السن والكمية والنوع، ووصفت ذلك بأنه إدارة للظهر عن الحكم الشرعي الجازم، وتطبيع مع منكر عظيم حرمه الله ورسوله، وهو ما لا يجوز السكوت عنه شرعاً.
بيان رابطة علماء الأردن كان شديد اللهجة في الواقع، ولامس أيضاً القضية الإشكالية الأبرز التي رافقت ما سمي بمجزرة الكحول المغشوشة، وعنوانها نقاشات وتعليقات ساخرة تمارس التشفي بالمصابين والموتى على منصات التواصل الاجتماعي.
هنا، أكدت الرابطة أن الشماتة والتشفي بالمصابين، سواء كانوا أحياء أم موتى، لا يليق بمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر، وأن ما يليق هو سؤال الله أن يعامل الضحايا بعدله ولطفه. لكن ظاهرة الشماتة ذاتها كانت قد أثارت الكثير من الجدل بعد بروز موجة سخرية عتيدة عبر منصات التواصل من المصابين في واقعة الخمر المغشوش. وهو ما دفع الكاتب المعروف أسامة الرنتيسي، لنشر مقال بلهجة حادة عنوانه «شماتة في الموت.. ما أقبحكم».
الرنتيسي انتقد بشدة ظاهرة أنصاف المتعلمين الذين يمارسون الإفتاء ومن ينصبون أنفسهم أوصياء على الله، ناطقين بلسان الرحمة. كما هاجم ما سماه تعليقات هابطة عبر منصات التواصل تعتمد أبشع صنوف الحقد والكراهية والبذاءة، وصولاً إلى مستوى في اللغة لا يمكن معالجته إلا بالبتر وكشط الأوساخ من العقول العفنة، معبراً عن شعوره بالغثيان الذي يخنق الروح جراء تعليقات الموتورين الذين سخروا من ضحايا الكحول المغشوشة.

تعقيد الأمور

وصلت النقاشات إلى مناطق في منتهى الحساسية اجتماعياً ودينياً وبيروقراطياً، بعد واقعة الكحول السامة.
وبرزت ملامح تلاوم إداري واختلاط أوراق جراء هذه الحادثة الغريبة. منصات التواصل الاجتماعي تساهم في تعقيد الأمور، وكل ذلك قبل الإعلان مساء الثلاثاء عن تشكيل لجنة من نيابة محكمة الجنايات الكبرى تتولى الملف والتحقيق والمتابعة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading