علم الأردن على «منصة القسام» … و«بيروقراط حماس» شريك قسري لأي خطة عربية: أين الهدف وما الرسالة؟

عمان- «القدس العربي»: العلم الأردني على منصة كتائب القسام مع أعلام دول أخرى في ترتيبات تسليم الوجبة الأخيرة من الأسرى الإسرائيليين.. ما الذي يعنيه ذلك بصورة محددة سياسياً؟
لا تبدو السلطات السياسية في عمان مشغولة حقاً بالإجابة عن السؤال، لكن الجناح العسكري للمقاومة يخاطب الأردن حكومة وشعباً، عملياً، بوضع صورة لعلم البلاد تعبر ضمناً عن الدول والشعوب المتضامنة مع أهل غزة.
المسألة إعلامياً، قد تتعدى ذلك، حيث لا اتصالات ولا علاقات بين فصائل المقاومة الفلسطينية والحكومة الأردنية.
قبل ذلك، وعندما نقلت بحضور «القدس العربي» رسالة عتاب لأعضاء المكتب السياسي في حركة «حماس» تستغرب مخاطبة العشائر الأردنية بين الحين والآخر، كان رد أحد قياديي «حماس» باستفسار صيغته: نقدر عالياً موقف الأردن قيادة وشعباً… هل يريد الأشقاء في عمان أن يخاطبهم الجهاز السياسي والإعلامي، أم الجهاز العسكري؟
الأهم أن صورة العلم الأردني على منصة القسام تعامل معها الشارع في عمان باحترام وتقدير، وقرأها خارج نطاق أي مناكفة، فيما لم تعلق عليها السلطات الحكومة، وإن كانت القراءة الإيجابية للمشهد تعبر عن تعليق ورد ذكي من جانب الكتائب في غزة على سلسلة لم تتوقف بعد من مقالات بعض كتاب التدخل السريع في عمان، والتي سعت طوال الوقت لاتهام وشيطنة المقاومة الفلسطينية والتحريض عليها.
ليس صدفة إطلاقاً أن بعض هذه الآراء لا تزال تظهر بين الحين والآخر، وأن الحصة الأكبر لمن يستعملها أو يطرحها تمثل إسلاميين سابقين أصحاب أقلام يحاولون شيطنة المقاومة الفلسطينية وسط الأردنيين انطلاقاً من تدخلاتها المفترضة.
بعض الآراء تنطلق من شخصيات أردنية أحياناً كانت في الماضي محسوبة تماماً على حركة حماس.
بعيداً عن الإطار العام وقريباً من جوهر الموقف، لاحظ الجميع أن صورة العلم الأردني ظهرت على المنصة القسامية مباشرة بعد القمة الشهيرة أردنياً مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وبعد صدور بيان رسمي من حركة «حماس» يعرب عن تثمين الحركة لموقف الأردن ضد تهجير أبناء القطاع.
داخل القيادة السياسية في «حماس» قناعة أكبر الآن بأن موقف الأردن في ملف التهجير صلب للغاية، ويسهم في منع خصوم المقاومة والشعب الفلسطيني من تحقيق نقاط في سلة العدوان والقضية والتداعيات.
مناورات الرئيس ترامب التي حاولت إحراج الأردن والضغط عليه انتهت عملياً بتلك اللفتة من كتائب القسام، التي تعبر عن إظهار الاحترام للموقف الرسمي والملكي الأردني ضد التهجير في وقت حرج سعت فيه الإدارة الأمريكية لعرض التهجير باعتباره الحل الوحيد المطروح والمقبول. اللفتة القسامية تنطوي أيضاً على إظهار مساحة من التفاعل إيجاباً مع الحاضنة الشعبية العريضة في الأردن التي تدعم المقاومة خلافاً طبعاً لإظهار التقدير للدور الإغاثي الأردني، الذي تصدر لوجستياً وإنسانياً طوال مرحلة ما بعد السابع من أكتوبر.
موقف الأردن السياسي المؤكد والمكرر برفض أي تفاعل من صنف يتكيف مع طروحات التهجير، يؤسس مساحة ما في الواقع الجيوسياسي تتقاطع في كل حال مع أهداف وأجندة وبرنامج المقاومة داخل غزة.
تلك مساحة يأمل السياسي الأردني مروان الفاعوري، بأن يتم تثبيت أركانها، لا بل العمل على توسيعها باعتبارها تشكل الحقائق والوقائع اليوم على قاعدة أن اليمين الاسرائيلي ومعه نظيره الأمريكي، يخططان لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن.
بناء على ذلك، يقرأ الفاعوري وآخرون بأن وضع صورة العلم الأردني في مكان لائق على منصات المقاومة الفلسطينية بادرة طيبة جداً من الشعب الذي تعرض لجريمة الإبادة، وإشارة إلى أن أهل غزة يقدرون مواقف الأردن وليسوا في صدد نسيانها، خلافاً لأن تلك الإشارة سعي للمصافحة مادام العدو واحداً ولم يعد يفرق، لا هو ولا الرئيس ترامب، بين الشعبين الأردني والفلسطيني.
وصلت إلى موانئ الكيان الاسرائيلي القنابل الضخمة التي أرسلها ووافق عليها الرئيس ترامب، وذلك بحد ذاته -في رأي الفاعوري- تضليل أمريكي مباشر؛ لأن من يتحدث عن إنهاء الحرب والسلام في المنطقة لن يرسل للكيان قنابل إضافية من زنة 2000 رطل.
في المقابل، قد تتقاطع بين الأردن و«حماس» مساحة أخرى؛ فكل دوائر القرار الأردني ومعها المصري، تبدو مقتنعة بأن إنجاح ما يسمى بالخطة العربية أو الرؤية المصرية برافعة عربية، يتطلب بالضرورة شريكاً على الأرض وفي الواقع.
نجاح تلك الخطة حتى بتقدير المؤسسة الأردنية، مرتهن بتوفير ملاذ لتعاون القوة الحاكمة على الأرض إدارياً ومدنياً في قطاع غزة، خلافاً لاستبعاد سيناريوهات إقصاء سلاح المقاومة قبل وضع خطة إعادة الإعمار.
قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، بوضوح، لـ «القدس العربي « في وقت سابق، إن من سماهم بيروقراط حركة «حماس» والمقاومة، هم قوة نشطة وخبيرة وموجودة على الأرض، ومن الصعب أن تنجح أي عملية إنسانية أو إنقاذية في احتواء آثار العدوان بدون وجود الشريك على الأرض وفي الميدان.
لذلك، بيروقراط «حماس» الذي يقترب من 20 ألف موظف على الأقل، حتى بتقدير الصفدي، هو شريك محتمل وطرف أساسي قد تضطر أي خطة عربية أو دولية للتعاطي معه.
المفارقة التي يقف عندها العقل السياسي الأردني على الأقل حالياً، هي تلك التي تقول إن أفضل وصفة لإقصاء سيناريو ترامب في التهجير هي الحل العربي أو الوصفة العربية الشرعية، وأفضل محتوى أو مضمون لتلك الوصفة هو إقناع ترامب والآخرين بإعادة إعمار غزة من دون تهجير سكانها.
المفارقة المستجدة والأهم أن السيناريو العربي المصري الذي أصبح أردنياً علناً الآن بعنوان الإعمار من دون تهجير، ليس من الممكن تنفيذه بإقصاء إداري ومدني كامل لخبراء حركة «حماس».
يعني ذلك ببساطة أن بيروقراط حماس أو حكومتها التي تعمل فوق الأرض، على حد وصف الدكتور موسى أبو مرزوق، محطة أساسية لإنجاح الجزء الميداني مما يسمى بالرؤية المصرية أو الخطة العربية.
والبيروقراط كشريك ميداني في هذا السياق لا بد من التعامل معه بعد حسم مسألة عزل سلاح المقاومة وأجهزتها العسكرية عن كل ملف التفاوض مع الأمريكيين أو بين الدول العربية، وهو حصراً ما أوضحه القيادي في حماس أسامة حمدان قبل 3 أيام.