عمر الرزاز «آخر الواصلين»: هل تتغير «الرؤية والقناعات» في الأردن؟
رئيس الوزراء الأسبق قال «ليس لنا أعداء إلا الصهيوني»

عمان ـ «القدس العربي»: يمكن القول إن رئيس الوزراء الأردني الأسبق الدكتور عمر الرزاز، وهو يهز الغربال السياسي مجدداً، هو آخر الواصلين من بين أعضاء نادي رؤساء الحكومات إلى المحطة التي تقول إن إسرائيل هي العدو الوحيد في المنطقة للأردن شعباً ودوماً.
الرزاز هنا ـ وهو نادراً ما يطل في ندوة عامة ـ لم يقف عند حدود الكيان الإسرائيلي، بل استعمل صيغة «العدو الصهيوني» وتحدث عن عدم وجود أعداء آخرين للأردن إلا العدو الصهيوني، الذي لا يزال يعلن أطماعه في المزيد من الأراضي العربية المجاورة.
تحديات
في ندوة نخبوية ساخنة بضيافة منتدى الحموري الثقافي، لفت الرزاز الأنظار عندما أعفى، نسبياً، تركيا وإيران من صفة العداء للأردن والأطماع فيه، منسحباً في اتجاه تلك الدلالات التي حذر منها خبراء استراتيجيون متعددون بعنوان التحديات التي تفرضها تشكيلات فرقة جلعاد العسكرية الإسرائيلية الجديدة على خاصرة حدود الأغوار بين الأردن وفلسطين المحتلة.
خلفية الدكتور الرزاز كعضو صامت ثم مخذول في التيار المدني وليبرالي اقتصادي متقدم، هي التي تلفت النظر لما قاله في ندوة منتدى يحمل اسم الفقيه الدستوري والوزير السابق الدكتور محمد الحموري.
ولعل الفرصة هنا موازية لإضفاء مساحة من النقاش عندما يتكلم بأولوية الأردنيين شخص مثل الدكتور الرزاز، وبالعناوين التي تعكس مخاوف الشارع، وليس هواجس الدولة؛ والسبب هنا في هذه المقاربة أن النخب والصالونات السياسية كانت تتوقع زمنياً، منذ أسابيع، عودة الرزاز لموقع متقدم في دوائر صناعة القرار مع أنه قليل الكلام.
ورغم أن الرزاز تطرق في ندوته إلى موضوعات أخرى مثل الهوية الوطنية الموحدة، وما ينبغي أن تفعله الدول العربية وإعادة بناء التعليم، لكن عبارته الأساسية هي التي أثارت النقاش والجدل، وصنفت حتى من قبل الخبير التربوي والسياسي البارز الدكتور ذوقان عبيدات، بأنها تنتمي إلى لغة ولهجة والده الراحل والمفكر القومي الدكتور منيف الرزاز.
رئيس الوزراء الأسبق قال «ليس لنا أعداء إلا الصهيوني»
حققت عبارة الرزاز بعنوان «ليس لنا أعداء إلا العدو الصهيوني» موقعاً احتفالياً متقدماً في مقالات وتعليقات بالجملة، نشرت في عمان خلال ساعات بعد ندوة الحموري. كما أنها أثارت النقاش والجدل بسبب خلاصتها التي لا تظهر عملياً في خطاب الحكومة الأردنية الرسمي أو في خطاب أذرع الإعلام الرسمي، خصوصاً في جزئية تبرئة كل من إيران وتركيا من تهمة الأطماع، والتركيز على رغبة ما وصفه الرزاز بالعدو الصهيوني من أطماع بالمزيد من الأراضي.
وما زاد من أهمية التجاذبات والنقاشات، قد يكون الانطباع المسبق بأن صلات واتصالات الرزاز وطبيعته وتركيبته الفكرية والسياسية قريبة جداً من بعض دوائر القرار، لا بل قد تكون رافعة محتملة باسم التيارات المدنية والليبرالية والتقدمية إذا ما استرسلت لاحقاً إجراءات إقصاء مكونات الإسلام السياسي في المشهدية السياسية المحلية.
الرزاز تحدث كمفكر اقتصادي، لكن من تفاعلوا مع تعليقاته المثيرة يربطونها بقناعات أو انطباعات أو تصورات على المستوى الإستراتيجي داخل أروقة بعض دوائر القرار، ما يشكل ضمناً عائقاً قد يظلم التصريحات وصاحبها بسبب عدم وجود صفة رسمية للمتحدث، في الوقت الذي تتكاثر فيه وجهات النظر التي تعتبر أن ما تفعله إسرائيل في الضفة الغربية تحديداً هو مؤشر أساسي وحيوي على الأطماع التي يلمح لها الرزاز.
سمعت «القدس العربي» السياسي الخضرم طاهر المصري، حديثاً، يتحدث عن انعكاسات مخاطر إنكار الأطماع الإسرائيلية على الشعبين الأردني والفلسطيني، ولم يتردد المصري في التأكيد على أن إسرائيل الحالية انتقلت من مستوى الأطماع المباشرة إلى مستوى الإجراء العملي التنفيذي في تطبيق تلك الأطماع على الأرض، تحت لافتة حسم الصراع والقضية الفلسطينية.
السردية التي قدمها الرزاز بوضوح لا تنتمي للخطاب الرسمي الحكومي، لا بل المثير جداً أنها تتقاطع بالتعاكس مع المناخ الإعلامي المحلي الذي اجتهد مؤخراً في إدانة وشيطنة إيران والتحذير من أطماعها بعد معركة التصعيد الأخيرة عبر الاعتداء الإسرائيلي.
تلك قيمة مضافة تزيد من رقعة أهمية ندوة الحموري عموماً، مع إدراك مسبق بأن حلقة الفهم الرسمي غامضة أو لا تزال غامضة عندما يتعلق الأمر بحسابات وحساسيات مرحلة ما بعد تصنيف إيران بالشيطنة، ودون أدنى أدبيات تعيد تصنيف إسرائيل باعتبارها طرفاً يمارس العداء الآن ضد الأردن والأردنيين، في الوقت الذي لا تتسم فيه مجمل الإجراءات ضد أهم تعبيرات الإسلام السياسي في البلاد بأي توافقات من أي طراز، مع قناعة النخب ومركز القرار بالعداء أو الأطماع الإسرائيلية اليمينية.
لا تسوية مع الإسلاميين
لا تسوية سياسية مع الإسلاميين في الأردن حتى الآن، وتلك مشهدية تتعاكس في الواقع مع حجم الاعتبار الذي يمكن أن تحظى به نظرية الرزاز داخل مؤسسات القرار بعنوان العدو الواحد الموحد والمعروف والمصنف والمؤكد مما ينتج حال استرسال في طرح تساؤلات قد يكون أهمها ذاك الذي يحمل صيغة: حسناً، ما الذي يجب فعله أردنياً؟
عملياً، ومع حالة الصمت التي دخل فيها غالبية أعضاء نادي رؤساء الحكومات السابقين وخصوصاً الجدد منهم، بالإضافة إلى صمت رئيس الوزراء الحالي وتذكيره بالتركيز على الأولوية الاقتصادية، يمكن القول إن ما قاله الرزاز وبصرف النظر عن خلفية الرجل، هو أقرب إلى صيغة «هز الغربال السياسي».