عندما يسأل نهر الأردن عن «ضفته الغربية»
الأردن دولة عريقة تقترب من الاحتفال بمئويتها وفيها شعب صابر وجبار وشريف وحر لا يقبل الضيم ويتطلع لمؤسساته ويستطيع أن ينتظر أي شيء مقابل التصدي للمشروع الإسرائيلي
لا أحد يمكنه مطالبة الأردن بنقل البندقية والتحول إلى محور المقاومة والممانعة لأن اليمين الإسرائيلي يسمح له العالم بالعبث بالمنطقة وسط ميزان مختل في الإقليم، ونظام عربي رسمي تحول إلى الحضن الإسرائيلي طوال العامين الماضيين وعلى حساب الشعبين الأردني والفلسطيني.
حسنا… لا أحد يتوقع حتى في الحالة الداخلية الأردنية إعلان الحرب على إسرائيل ولا تحدي الولايات المتحدة ولا حتى مزاحمة ولي العهد السعودي الأمير الشاب المختفي عن الأضواء محمد بن سلمان.
لا أحد يتوقع من حكومة شعب صابر وفقير حتى الغاء اتفاقية وادي عربة بحيث يقدم الأردنيون خدمة العمر للمشروع الإسرائيلي.
لا أحد يتوقع الرد بدون كلفة على المتصهين سفير واشنطن في تل أبيب ديفيد فريدمان وهو يتحدث عن «الاحتلال الأردني» للضفة الغربية وعن تسمية «يهودا والسامرا» واعدا بضم الأغوار وشمالي البحر الميت لإسرائيل التي أصبحت «مصدرة للنفط» على حد تعبير المجرم بنيامين نتنياهو.
لكنها أكثر دول العالم المصدرة للطاقة بؤسا فهي تستطيع التصدير فقط لبلدين تصادف أنهما الأردن ومصر. دون الأردن ومصر سيحتفظ المحتل بالغاز الفلسطيني المسروق في أرضه بحيث يتخمر جيلا بعد جيل ويعود لأصحابه.
بكل حال.. قلناها ونعيدها: إسرائيل مشروع غير منجز ولا مستقبل له.
حتى زميلنا سابقا ووزيرنا لاحقا للخارجية أيمن الصفدي نتفهم صمته عن التعليق على فريدمان خصوصا وأن لدينا قناعة بأن الليكود الإسرائيلي يلتقي مع بعض الموتورين من الأردنيين الذين يعتقدون فعلا بأن الوجود الأردني في الضفة الغربية لم يكن شرعيا أصلا.
أشك شخصيا بأن من يكثرون من التهديد والتلويح باسم الشعب والمعارضة والمناكفة مستعدون للتضحية أصلا من أجل الأردن او حتى فلسطين خصوصا بعدما أصبح ضعف السلطة الفلسطينية والانقسام الأفقي في الأرض المحتلة وفي بنية حركة فتح «حجة» على جميع من يتحدثون عن مشروع وطني فلسطيني وإضعاف متسلسل ومبرمج للأردن بعد فلسطين.
صحيح أن الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني أقام اتفاقية أوسلو ويستورد من غاز شعبه المسروق.
صحيح أيضا أن رواتب مناضلي السلطة من الأوروبيين والأمريكيين ومن الحاج الجنرال دايتون فيما رواتب المعارضة والمقاومة المسلحة من إيران وغيرها. لكن الصحيح بالمقابل أن الأردن دولة عريقة تقترب من الاحتفال بمئويتها وفيها شعب صابر وجبار وشريف وحر لا يقبل الضيم ويتطلع لمؤسساته ويستطيع أن ينتظر أي شيء مقابل التصدي للمشروع الإسرائيلي المقبل الآن وبوضوح. إمكانات الأردن ليست مجالا للمبالغة والتهويل.
لكن السؤال: متى تستخدم بصورة محددة إذا لم تستخدم هذه الإمكانات على تواضعها في لحظة تاريخية حاسمة مثل اللحظة الحالية التي يعلن فيها فريدمان وفاة اسم «الضفة الغربية» بصيغة تدفع الجميع للاستفسار: أين الضفة الشرقية لنهر الأردن العظيم؟.
طبعا نصفق للقائلين بأن الأردن ينبغي أن يحذر من مكائد ومطبات وكمائن اليمين الإسرائيلي التي تحاول استفزازه وتجريده من أهم ورقة بين يديه وهي الشرعية الدولية وقراراتها ومؤسساتها. لا أحد يطالب الأردن بأكثر من إمكاناته.
لكن السؤال ليس عن الإمكانات الآن بل عن سر الصمت وعن غياب خطوات «ممكنة» وبسيطة وواقعية ووطنية من النوع الذي لا يتحدى إسرائيل ولا يستفز الولايات المتحدة ويمكن تبريره بكل الأحوال على أساس «تحصين الجبهة الداخلية» في مواجهة ملامح ما يسمى بصفقة القرن التي يتحدث عنه الجميع.
ثمة خطوات مطلوبة وأساسية اليوم للحفاظ على «نهر الأردن وضفته الشرقية بعد الاستفسار عن الغربية» ما دامت الضفة الغربية قد قضمت أو في طريقها للقضم ولعبة الحدود أصبحت خبيثة في الأغوار.
وهي خطوات لا تكلف أحدا حربا ومن غير المقبول أن يعتذر عنها القرار السياسي الآن ويعتبرها غبر ضرورية لأن تسويقها عند الصديق قبل الحليف ممكن تحت عنوان حماية وتحصين الذات على الأقل حتى تتخذ اللعبة الدولية الجديدة شكلا منطقيا ومنصفا للشعب الأردني ومصالحه وحتى لا تخرج القضية الفلسطينية برمتها عن السكة لينشغل الجميع حول نهر الأردن بالدفاع عن المصالح الأردنية الوطنية.
الصمت غير مقبول وسيفسر بأنه تواطؤ لاحقا أو عند الأجيال المقبلة.
وقد أصبح صمتا مريبا. ليس أقل من تمكين الجبهة الداخلية الآن وتشكيل حكومة حقيقية قوية والاستعانة بالمفاوضين المهرة من طبقة رجال الدولة وترك مسلسل المراهقين ورموز الصدفة والتفكير جديا بأزمة الأدوات بدلا من الانشغال بإدامتها.
قلناها في الإعلام ونقولها بالسياسة: لابد من تكسير بعض البيض لإعداد طبق عجة يمكنه أن يكون بائسا وعلى مستوى تحصيل مكاسب بالحد الأدنى أو درء مخاطر وعلى الإسرائيلي بعد الآن أن يعرف بأن أصابعه ستحترق إذا عبث بالأردن أو معه.
وهي رسالة واجب الشعب الأردني قبل مؤسساته أن يرسلها عبر ترك الثانوي والعدمية والسلبية والتركيز على الوحدة وتأجيل الخلافات.
أقله انتخابات حرة.. برلمان قوي.. حكومة حقيقية.. أقل من ذلك بصراحة إعلان حرب لكن على الأردن.