اراء و مقالات

الإسلاميون في الأردن بخاصية «الصبر الاستراتيجي» ودعاة «اجتثاث أعداء الدولة» يرتكبون أخطاء تخدمهم

عمان- «القدس العربي»: تبدو صورة ملتبسة تماماً سياسية وتحتاج لمزيد من التوضيح ثم التأمل قبل المضي قدماً في أي إجراءات لها علاقة بالبرلمان الأردني من الصنف الذي يمكن الاستغناء عنه.
يلتقط خصوم للتيار الإسلامي الأردني، من زاوية “تحسين شروط الهجوم على الإسلاميين”، شريط فيديو ظهر الإثنين، يظهر فيه أحد النواب المتحمسين وهو يطالب بصخب بإقالة أعضاء جبهة العمل الإسلامي في مجلس النواب وسحب مقاعدهم البرلمانية التشريعية.
في هامش ملصقات الفيديو تذكير بأن النائب ذاته الذي طالب بسحق الإسلاميين وسحب مقاعدهم البرلمانية، اتخذت بحقه في محكمة الاستئناف مؤخراً فقط 3 قرارات، من بينها: السجن لمدة عام، ومنع السفر، وتغريمه مبلغ يتجاوز مليوني دينار أردني.
قد تكون المعطيات حقيقية وقد لا تكون، لكن بعيداً عن تلك القضية وتفصيلاتها، يمكن تلمس المفارقة بصورة درامية سياسية؛ فالصوت العالي الذي يطالب بطرد الإسلاميين من البرلمان قد يفقد مقعده بكل بساطة بسبب قرارات إدانة قضائية قد يضطر للتعامل معها في المقابل النظام الداخلي لمجلس النواب.
تلك صورة مفارقة مرصودة تعني الكثير بعيداً عن تصنيفات العلاقة بين السلطتين القضائية والتشريعية.
الأهم أن سردية المزايدة على النظام القانوني الذي يخضع بعض له عناصر في التيار الإسلامي الآن قد تفقد ولو جزءاً من مصداقيتها أمام الرأي العام عندما يقفز في المشهد السؤال البسيط: من هم هؤلاء الذين يزايدون على الدولة واتجاهاتها في المجال الحيوي عندما يطالبون باجتثاث “أردنيين آخرين” تماماً وليس إقصاءهم فقط، عن المعادلة والمشهد؟
سؤال في الواقع يستنسخ آخر ومن زاوية التحليل هذه المرة: هل يستفيد الإسلاميون رغم أخطائهم، من الجبهة الهشة الضعيفة التي تستهدفهم وتركب موجة اجتثاثهم في الإعلام والسلطة التشريعية حصراً؟
هو سؤال، سواء رغبت الحكومة في التعاطي معه أم تجاهلته، مطروح اليوم على الطاولة العامة، ليس لأن حزب جبهة العمل الإسلامي المعارض مسؤول أو غير مسؤول في التبعية القانونية عن تلك الأخطاء التي دفعت باتجاه حظر الجماعة الأهم في الحركة الإسلامية، ولكن لأن نظام الفزعة الذي شهدته جلسة شهيرة لمجلس النواب مع موجة شيطنة التيار من جهة بعض إعلاميي الصف الرسمي، قد يلحق ضرراً في الواقع بالرواية الرسمية، وبما وصفه الناشط والراصد المدني الدكتور عامر بني عامر في مقال له نشر أمس الأول في صحيفة “عمون”، بضرورة إكمال السياق القانوني.
ثمة عملية تشويش لا يمكن إنكارها على بناء المنطق المضاد للإسلاميين نتجت عن توسع صحف إلكترونية مؤخراً في التحدث عن أحد أعضاء مجلس النواب ويحمل صفة كتلة حزبية، أدين بتهمة الاحتيال قانونياً.
وهي محطة من المنطق القول إن النظام الداخلي لمجلس النواب قد يضطر للوقوف أمامها مادام الإجراء اتخذ في القضاء.
عملياً، هاجم أعضاء في النواب زملاء لهم في التيار الإسلامي بشراسة بعد تداعيات ملف حظر الجماعة، واتخذ الهجوم -برلمانياً- شكل التركيز على مساءلة ومحاسبة حزب جبهة العمل الإسلامي الممثل برلمانياً بـ 31 مقعداً، من بينها 17 مقعداً عن القائمة الوطنية العامة، في الوقت الذي فشلت فيه الأحزاب الوسطية مجتمعة في تحصيل هذا الرقم من المقاعد في وجبة الانتخابات الأخيرة الموصوفة بأنها الأكثر نزاهة.
هجمة النواب في جلسة شهيرة لأكثر من أسبوعين كانت هزيلة، لا بل ثمة من يرى داخل دوائر القرار الرسمي الآن أن تلك الهجمة التي تخللتها خطابات رنانة ودعوات تطهير سياسية وتصفية حسابات شخصية أو حزبية، ألحقت ضرراً بالغاً ليس فقط بالسردية الرسمية ولكن في اعادة بناء قاعدة شعبية في الشارع تتقبل الرواية الرسمية القانونية، لكنها تشكك في جولات وصولات مجلس النواب.
المفارقة التي يتداولها الإعلام الإلكتروني اليوم بعنوان إدانة برلماني من أحد الأحزاب المرخصة بجناية الاحتيال، أعادت تنشيط الذاكرة الجماعية الخاصة بتلك الجلسة البرلمانية التي قصفت الإسلاميين بكل العيارات، فقدمت لهم تلقائياً بعض الخدمات المجانية، علماً بأن برلمانياً ناشطاً وهادئاً مثل الدكتور عبد الناصر الخصاونة، اعتبر في نقاش مع “القدس العربي” أن مجلس النواب في النهاية وبصرف النظر عن القضية والموضوع، يعبر عن واقع المجتمع.
لا يريد لا الخصاونة ولا غيره من نواب الوسط الهادئين، التورط في المناكفات، لكن ذلك لا يعفي اليوم سلطة مجلس النواب ورئيسها أحمد الصفدي، من إعادة ترتيب وبناء صورة وهيبة المجلس مادامت بعض الانفلاتات حصلت هنا أو هناك، فيما الصفدي ذاته يزيد ويعيد بحضور “القدس العربي” مؤكداً بأن مجلس النواب يقوم بدوره وواجبه الوطني، ولن يسمح بأي تجاوز على مصالح الدولة.
قبل يومين فقط، أكملت بعض المداخلات الهزيلة سياسياً سياق السؤال عن مجلس النواب وطريقته في التعاطي مع التطورات عندما وصف رئيس اللجنة المالية النائب نمر السليحات زميله الإسلامي ناصر النواصرة بأنه “غير مختص”، على هامش نقاش فني مرتبط بتقارير ديوان المحاسبة.
تراكمت أزمة طارئة استدركها الصفدي بخبرته عندما قدم الاعتذار باسم رئاسة المجلس عن تعبير استخدمه زميله رئيس اللجنة المالية ضد زميل ثالث خلافاً لشطب ذلك الوصف بعد اعتراض رئيس كتلة الجبهة صالح العرموطي، واصفاً زميله النواصرة بـ “حاصل على دكتوراه في الاقتصاد والمصارف الإسلامية”.
عموماً، يظهر الإسلاميون ما يصفونه الآن داخل أوساطهم بالكمون والصبر الاستراتيجي بدلاً من الكمون التكتيكي، أملاً في عبور الأزمة الحالية مع السلطة بأقل الأضرار وبدون المساس بالجسم القانوني الاعتباري لحزب جبهة العمل الإسلامي.
يمارس الإسلاميون هذا النمط من الصبر الاستراتيجي فيما يرتكب الخطباء ضدهم أخطاء متعددة باسم الولاء والانقضاض على “أعداء الدولة”، بصيغة تدفع التيار الإسلامي لكسب المزيد من الشعبية والمصداقية.
نتائج تلك الأخطاء تتراكم أكثر عندما يمارسها أعضاء في مجلس النواب؛ لأن الكلفة هنا تكون على شكل سؤال يتردد في كل حال: ما نوع مجلس النواب الذي نريده لخدمة مسار التحديث السياسي إذا تم إخراج الإسلاميين من المعادلة؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading