اراء و مقالات

في «المغامرة الأعقد»… كيف يستطيع الأردن التعامل مع ضغط ملفي الضفة وغزة على صناديق الاقتراع

«حكمة الحرص على مشاركة الإسلاميين مثل غيرهم في الانتخابات المقبلة»

عمان ـ «القدس العربي»: «كثر الشد بيرخي»… هذه العبارة في المألوف الشعبي الأردني قد لا تعني الكثير، لكن في القاموس السياسي قد تعني نصيحة مرتفعة القيمة وعميقة وفي ظرف حساس جداً، خصوصاً عندما تشكل خلاصة الرسالة العلنية التي يوجهها جنرال أمني متقاعد سبق أن ترأس جهاز الأمن الوقائي في الأردن ولديه خبرات يعلمها الجميع، مثل اللواء زهدي جانبيك.
إطلالات جانبيك بالاشتباك العلني قليلة، لا بل نادرة، لكنها تظهر بحزم عندما ينشرها في تغريدات يريد أن يلفت النظر فيها أو ينصح. ما يقترحه جانبيك في نصيحته المختصرة لـ «زملائه وللموظفين الحكوميين» الذين يشرفون على هندسة المشهد الانتخابي هو تجنب الضغط بقوة، خصوصاً على مرشحي التيار الإسلامي، حتى لا يرتخي المشهد التنظيمي؛ بمعنى إظهار حكمة الحرص على مشاركة الإسلاميين مثل غيرهم في الانتخابات المقبلة، وعلى أساس قواعد الاشتباك والمساحات الوطنية حتى لا يؤدي الطرق المتشدد على دوائر الإسلاميين إلى تقديم خدمات مجانية للمتشددين منهم أو للمتشددين في المجتمع عموماً.
في كل حال، مقاربة جانبيك ـ وهو خبير أمني كبير في الماضي ليس بمفاهيم الأمن الوطني فقط والوقائي، ولكن بميدان التفاوض مع الإسرائيليين- أيضاً لها ظرف ومناسبة.
وهي تلك التي ارتبطت حصراً بإجبار أبناء وأنصار جبهة العمل الإسلامي المعارضة على إزالة رمز المثلث الذي يعلم الجميع أنه يمثل المقاومة في فلسطين المحتلة اليوم، باللون الأخضر عن يافطاتهم الدعائية.
صحيح أن اللجوء إلى الرمزيات من هذا الصنف قد يصنف باعتباره حركة استعراضية استفزازية للسلطات التي تجتهد الآن في إخراج مصالح البلاد عن مطرقة التحولات الإقليمية الحادة، لكن صحيح أيضاً أن ما يقترحه جانبيك من مرونة هو تمكين الإسلاميين – مادام حزبهم في سجل الترخيص خلال الحملة الانتخابية ـ من الوصول إلى جمهورهم مثل بقية الأحزاب المرخصة. ينصح جانبيك هنا بأن لا يسمح من يتولى هندسة الانتخابات عبر الضغط بارتخاء ما قد يلحق ضرراً بالمسيرة الانتخابية.
وهو ما نصح أيضاً به بحضور «القدس العربي» وعبرها ناشط حقوقي وسياسي بارز هو عاصم العمري، عندما اقترح أن من يسعى لانتخابات مهمة ومفصلية تخدم مسار التحديث حقاً وتعيد إنتاج وحدة المجتمع، عليه فعلاً التأسيس لمسطرة قانونية واحدة في التعامل مع جميع المواطنين والمرشحين، وعليه قبل كل ذلك الإيحاء المباشر بأن مساحة الحريات العامة والحقوق مضمونة ومأمونة.

رسائل سلبية

يضم العمري صوته إلى المعترضين وبشدة على رسائل سلبية وغير مفهومة من جهة السلطات عشية التحضير لانتخابات وطنية، مثل اعتقال كتاب وأصحاب رأي ومحاكمتهم، واحتجاز مرشحين للانتخابات أثناء الحملة الانتخابية. طبعاً، قد يحاجج الإسلاميون مثلاً من المرشحين بأن الشرعية القانونية تضمن لهم دعم المقاومة في فلسطين، لكن تلك الشرعية تختلف في المعايير الديمقراطية العريقة عن ما وصفته الهيئة المستقلة للانتخابات بمحاولات التلاعب بمشاعر الأردنيين. وهنا يبرز الإشكال الذي يتحدث عنه العمري وجانبيك وغيرهما، فالعمل على نزع الدسم السياسي من توجهات الناخبين عبر إقصاء مكونات الخطاب الداعم للمقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية أصبحت أقرب إلى «مهمة مستحيلة».

«حكمة الحرص على مشاركة الإسلاميين مثل غيرهم في الانتخابات المقبلة»

وهذا ما يلمح له المرشح الإسلامي البارز في الانتخابات القيادي البارز علي أبو السكر وهو يطلق عبارة «ربنا يتمم على خير» تعليقاً على تلك العبارة التي برزت أو تبرمجت أو حتى افترضت التربيط بين الناخب الأردني وما يحصل الآن في الضفة الغربية وغزة. ليس سراً أن ما تريده السلطات الرسمية قد يدخل أيضاً في سياق حقوقها حفاظاً على الوضع الداخلي عندما يتعلق الأمر حصراً ببذل أقصى جهد لعزل إيقاع الانتخابات عن تطورات المشهد الفلسطيني والإقليمي الحادة. وليس سراً في المقابل، أن الحرص الدائم على هذه الموازنة في مشهد التحضيرات قد يؤذي فعلاً نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات أو قد يدفع في اتجاه «مغامرة التدخل بصورة فاضحة» تؤذي مسار التحديث. لذا، تتقلص شرعية العملية؛ لأن خبراء الاشتباك الانتخابي من بينهم البرلماني الدكتور ممدوح العبادي، يوافقون على الاستنتاج بأن شرائح ومكونات المجتمع الأردني طبيعي جداً أن تصوت انتخابياً وسياسياً لغزة والضفة الغربية في ظل استمرار الجريمة والإبادة.
ومن الطبيعي بالتوازي هنا، أن السلطات معهما كانت فعاليات الهندسة متمرسة ومؤثرة لا تستطيع حرمان المواطن من المعيار الفلسطيني عند التصويت والاقتراع، ليس فقط لأن القضية الفلسطينية – كما يقول أمام «القدس العربي» القاضي العشائري البارز جدا الشيخ طراد الفايز- هي قضية الأردنيين وعقيدتهم الأولى، بل لأن ما يقوله الإسلاميون بكثرة الآن عن أطماع اليمين الإسرائيلي بمملكتهم لديه أصدقاء كثر في المجتمع الانتخابي المحلي.

قصور الرواية الرسمية

القلق وليس الفزع كما اقترحه الكاتب الصحافي حسين الرواشدة وبعيداً عن الوقائع الاجتماعية، هو محرك أساسي لمكونات عديدة في المجتمع. وهو قلق على الأردن وليس على فلسطين فحسب، ما يعني أن لهذا القلق الشعبي العارم طاقة لا يستهان بها ولا يمكن حجزها عبر فعاليات هندسة الانتخابات وتتحرك في أوساط الناخبين دون أي إمكانية لاتهام الإسلاميين تحديداً باستثمارها، فبقية التيارات والأحزاب والمرشحين يمكنهم ركوب موجة الأطماع الصهيونية انتخابياً أيضاً. كل هذا السياق المعقد قبل تسعة أيام من انتخابات 10 أيلول المهمة جداً، يتغذى على قصور الرواية الرسمية بالضرورة؛ لأن المؤسسات الرسمية والحكومية بعد هواجس المعركة في الضفة الغربية الآن ـ وهذا ما يلاحظه ضمناً الناشط النقابي المعروف أحمد أبو غنيمة ـ لا تتحدث مع الأردنيين ولا تشرح لهم تصورها عما يجري ولا عن خططها في الرد والاشتباك والخيارات. لا يتعلق الأمر بوجود جهات تحترف صناعة الفزع في الأردن، ولا بالأبواب التي قالت «القدس العربي» سابقاً إن اليمين الإسرائيلي بضم الأغوار وبفبركة قصة تهريب الأسلحة الإيرانية، إنما يريد اقتحامها بقدر ما يتعلق بصعوبة فهم الصمت الرسمي المطبق عن التفاصيل. وترك المواطن الأردني في بناء تصور عن موقف حكومته وأحياناً دولته لروايات صحافي هنا أو كاتب مقال هناك على أساس تسريب أو شرح لموقف دولة تصمت أدواتها المباشرة عن الشرح لمواطنيها ورعاياها.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading