في بغداد وعمّان… رئيسان للوزراء «تائهان» بسبب «المتلازمة الإيرانية»
فجأة يتفهمان ظروف المنطقة ويتحدثان بما سبق الاتفاق عليه
رئيسا الوزراء في عمان وبغداد «يتفهمان» الظروف التي تمر بها المنطقة ويتفقان على «مواصلة» الجهود الخاصة بمشروع «الناقل النفطي».
ما الذي تعنيه هذه العبارة التي وردت في نص للإعلام الرسمي عن مكالمة هاتفية بين الدكتور عمر الرزاز ونظيره العراقي عادل عبد المهدي. الرجلان يواجهان اليوم تحديات «شعبية» نوعاً ما.
واتفاقهما على مواصلة الجهد يعني بأن المشروع الاستراتيجي لنقل النفط يواجه «إعاقات» من الوزن الثقيل بعد أكثر من أربعة أعوام من الاتفاق عليه، ونحو عام من توقيع 15 اتفاقية تبين لاحقاً -حسب تعبير اقتصادي مخضرم – لا تساوي ثمن الحبر والورق حتى اللحظة.
أمام «القدس العربي» أقر وزير الصناعة والتجارة الأردني الدكتور طارق حموري، بوجود مشكلات قال إنها صغيرة وجزئية على صعيد بعض تفصيلات التبادل التجاري، لكنها مشكلات من النوع الذي تتجاوزه العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
في المقابل، خسرت عمان مؤخراً الشخصية العراقية الأكثر «وفاء» لمشروع الناقل النفطي، وهي السفيرة صفية السهيل، التي ودعت عملها ممثلة لبلادها في العاصمة الأردنية وسط «جمود» يتهم الأردنيون اللوبي الإيراني بالتسبب فيه. ما يؤشر إليه الحموري مجرد «ملاحظات فنية» تقول أوساط مختصة إن لها علاقة بتسعير البضائع وطبيعة التسهيلات الحدودية ومستوى التصدير المتبادل وأجرة النقل.
لكن الوقائع تشير إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث «استعصاء بيروقراطي» من كل الأصناف يواجه «مسيرة التبادل والتعاون» بين حكومتي عبد المهدي والرزاز، وبصورة جعلت توقيع 15 اتفاقية في حفل مهيب على حدود طريبيل أقرب إلى حفلة تضليل للواقع، حيث لا تعبر الاتفاقيات ولا تنفذ حتى الآن. وهو استعصاء له سبب سياسي تصر عمان، رغم مقابلته يومياً على الحدود، على عدم معالجة أسبابه في معادلة طالما اعترضها سياسي خبير ومحنك من وزن عبد الكريم الكباريتي كان دوماً يحذر من صعوبة إدارة مصالح بلاده مع دولتين مثل العراق وسوريا، مع الاحتفاظ برهانات شاملة لها علاقة بالسعودية فقط وتجاهل التحدث مع ايران.
عملياً، طوال الوقت يعتبر اللوبي الإيراني في عمق المعادلة العراقية أن مهمته الأساسية «إعاقة» مشروع الناقل النفطي بين الأردن والعراق ومنع منافسة المنتجات الأردنية في أسواق العراق.
تلك مسألة «سياسية» بامتياز، ثبت اليوم بالوجه القاطع أن أطقم ومباحثات الوزير الحموري «الفنية والبيروقراطية» لا تستطيع معالجتها بالرغم من أكثر من 18 زيارة قام بها مسؤولون أردنيون لبغداد.
عمان السياسية ومعها شقيقتها «الأمنية» لا تريدان، حتى اللحظة، تتبع مسار خطة تفاوض طهران بشأن فتح الأسواق العراقية أمام المصالح الأردنية، والسبب أن استراتيجية من هذا النوع قد تكون مكلفة مع الأمريكيين والإسرائيليين والسعوديين معاً، حتى وإن كان للكباريتي أو لغيره، مثل الدكتور طالب الرفاعي، رأي مختلف على أساس «التنويع السياسي» والحق في إدارة الاتجاهات على أساس المصالح الوطنية.
طهران موجوده بقوة في عمق القرار بدمشق وبغداد.. هذا واقع موضوعي تقر به نخب أساسية في الهيكل السياسي الأردني، لكن المؤسسات لا تزال لا تريد إغضاب المثلث إياه في تل أبيب والرياض وواشنطن، ودون استلام الكلفة البديلة أو حتى دون تسعير وتبادل سياسي منتج للمصالح، في موقف إشكالي يثير شهية كل الأسئلة في مربع القرار الأردني. حتى اللحظة، وللعام الثالث على التوالي، لم ترسل عمان سفيراً لها إلى طهران.
وحتى اللحظة يدرك المسؤولون جمعياً بأن «تنشيط» التفاعل الاقتصادي والتجاري مع حكومة رئيس ضعيف ومكبل مثل عبد المهدي، يتطلب قبل أي اعتبار آخر إرسال وتسمية سفير أردني في طهران. لكنها خطوة «مستحيلة» بمقياس الأمن الدبلوماسي الأردني، والأسباب قد تبدو وجيهة لكنها غير مفهومة، الأمر الذي يدفع عملياً الرئيسين «عادل وعمر» في كل من بغداد وعمان للارتباك بالشأن الثنائي، كل على طريقته. عادل عبد المهدي يوجه رسائل ضمنية ويطلب من الأردنيين.. «ساعدوني في ترطيب الأمر مع طهران». وعمر الرزاز يرد: «وقعنا اتفاقيات وينبغي أن تنفذ».
في الأثناء يعرض الأردنيون على عبد المهدي «الجزرة»، وهي عبارة عن «بوابة إلى الشرق والحضن العربي» عبر شراكة ثلاثية مع مصر وانفتاح سعودي وتوفير هامش يدعمه الأمريكيون عن بعد لمحاصرة «النفوذ الإيراني» في عمق المجتمع والمؤسسات العراقية. ويطلب عبد المهدي إظهار «صبر أكثر» ومساعدته، ويعد بالسهر على تنفيذ الورق الموقع.
كلاهما عملياً -عادل وعمر- حائر وتائه ويتبادلان الإقرار بالوقائع في اتصال هاتفي، وبالغا في الاحتفال بـ 15 اتفاقية عملاقة أخفقا في تنفيذها، كل منهما بطريقته.
لذلك، حصرياً، يأتي خبر اتصالهما الهاتفي الأخير الرسمي بعد تبادل العتاب المر والتحسر على «قلة الحيلة» على صيغة تقول بـ «بذل الجهود فيما يتعلق بأنبوب النفط»، مع أن المشروع قديم ومتفق عليه. وبصيغة «تفعيل اتفاقيات وقعت مؤخراً»، والأهم.. بلهجة تتفق على ما سمي بـ»فهم ظروف المنطقة والإقليم ومواجهة التحديات»، ثم في المحطة الثالثة والأخيرة يتبادلان التأكيد على «دعم استقرار البلدين»، مع أنه -أي الاستقرار- ليس بيد حكومتيهما بقدر ما هو بيد المتلازمة أو البوصلة الإيرانية.