في «تعريب الجيش الأردني»: انخفاض ملموس في جدل «صفقة القرن» لصالح «كورونا»… والرزاز يعيد التذكير باللاءات الملكية
بعد فترة صمت بقيت طوال الوقت مثيرة للتساؤل، قرر رئيس وزراء الأردن الدكتور عمر الرزاز التذكير بـ»لاءات» الملك عبد الله الثاني بخصوص القضية الفلسطينية.
اختار الرزاز مناسبة وطنية هي تعريب قيادة الجيش العربي الأردني لكي يهنئ الأردنيين ثم يتحدث تلميحاً عن صفقة القرن. اعتبر رئيس الوزراء بأن ذكرى تعريب الجيش مناسبة «توحدنا جميعاً» في الأردن، وتعزز حصانة الوطن، مستذكراً في الأثناء اللاءات الملكية وثوابت المملكة بخصوص القدس والقضية الفلسطينية.
عملياً، تراجع الحديث في الشارع الأردني عن صفقة القرن طوال الأسابيع الثلاثة الماضية لصالح التركيز على فيروس كورونا، وانشغل الرأي العام مع الحكومة بالجدل الكوني حول الفيروس وبالترتيبات والإجراءات التي تتخذها الحكومة في السياق. ودون ذلك، اختفت من الشارع حتى تلك الاعتصامات والمسيرات التي تندد بصفقة القرن وتعلن السعي لإسقاطها.
وقبل ذلك، وبالتزامن مع الروح المعنوية السياسية التي تبثها في المناخ المحلي ذكرى تعريب الجيش، كانت الحكومة الأردنية عن امتنعت عن التعليق على مجريات صفقة القرن، وتركت النقاشات على المستوى الشعبي أحياناً وفي السياق النخبوي أحياناً أخرى، حيث لا جديد يمكن التحدث عنه في هذا السياق ضمن فعاليات المؤسسة الرسمية الأردنية.
وحيث فقط الموقف المرجعي العلني الذي تحتمي الحكومة خلفه باسم «كلا» الثلاثية التي أعلنها الملك عبد الله الثاني، وهي كلّا لإلغاء حق العودة، ولتغيير الوضع القائم في القدس، ولعدم قيام الدولة الفلسطينية والتوطين. بطبيعة الحال، يحظى فيروس كورونا رغم عدم تسجيل ولا إصابة واحدة في المملكة، بالحجم الأكبر من الأضواء، ويعقب ذلك في الترتيب الاهتمام الاجتماعي ببداية مبكرة لموسم الانتخابات التي سيجري استحقاقها الدستوري الصيف المقبل، كما أعلن الملك عبد الثاني شخصياً. ورغم غياب النقاش ولو مؤقتاً في الساحة المحلية حول صفقة القرن وتوابعها إلا أن الانطباع يتكرس داخل مركز القرار الأردني بأن الملامسات الاستراتيجية الحادة التي تؤسسها تلك الصفقة الأمريكية جزئية عندما يتعلق الأمر بالأردن، وشمولية عندما يتعلق الأمر بالسلطة الفلسطينية وخياراتها واتجاهاتها، خصوصاً أن رئيس الوزراء اليميني الإسرائيلي المتطرف بنيامين نتنياهو صرح مؤخراً بأنه لن يحفل بموقف الأردن ولا موقف السلطة من صفقة القرن إذا ما فاز في الانتخابات وتمكن من تشكيل حكومة.
التقطت المجسات الأردنية مبكراً تلك الصفاقة السياسية التي يتحدث بها نتنياهو، وكانت مثاراً لمداولات ونقاشات تتطلب الجاهزية للتعامل مع أي مستجدات، خصوصاً على مسار الخطوات الإسرائيلية الأحادية لفرض وقائع جديدة على الأرض.
وحكومة الرزاز هنا لا تبدو قلقة، لأن المؤسسات السيادية العميقة هي التي تتابع الصفقة الأمريكية وتداعياتها. وبكل حال، تنتظر عمان ردة فعل من أي نوع أو خطة عمل من أي صنف سياسي من جهة السلطة الفلسطينية باعتبارها المحور في أي تحرك أردني أو حتى عربي لاحقاً.
وحتى الآن أيضاً لا يبدو أن نظام التغذية بالمعلومات والمعطيات فعّال بين عمان ورام الله، الأمر الذي يمكن اعتباره مؤشراً على ما يسميه المفكر السياسي عدنان أبو عودة بالوضع العربي العام المهلهل، والذي لا يساعد لا الفلسطينيين ولا الأردنيين في التصدي والمجابهة وأحياناً حتى في الاحتواء. وجهة نظر أبو عودة حول المستجدات سمعتها «القدس العربي» مؤخراً، حيث ينقسم النظام الرسمي العربي بتقديره إلى جناحين، الأول دول عربية ثرية وغنية تحتاج إلى حماية الأمريكيين، والثاني دول فقيرة تعتمد على المال الأمريكي ومال الحلفاء لأمريكا.
بمعنى آخر، التوازن بلغة التاريخ صعب ومعقد، والترتيبات يمينية بامتياز في الاتجاهين الأمريكي والإسرائيلي، ما يعني احتمالات ضعيفة للتأثير في المجريات. ويؤسس مثل هذا الطرح لمقاربة سياسية أردنية بدأت تعتمد على الواقعية أكثر في التعاطي مع المشهد أو حتى الانحناء لعاصفة مقبلة باسم صفقة القرن التي يتشكل في مؤسسات عمان يقين بأنها لا تنطوي على ميكانيزمات لتأسيس عملية سلام حقيقية تقبلها الأجيال المقبلة.
لكن حكومة الأردن، بكل حال، لا تريد أن تكون الطرف الذي يواجه ويجابه بسبب هشاشة الموقف العربي وغموض الأجندة الفلسطينية، وبسبب البنية الضعيفة للاقتصاد الوطني الأردني وما تعنيه من احتمالات، مع أن القناعة راسخة كما أكد المستشار الاقتصادي محمد الرواشدة، أن مليارات الصفقة الأمريكية السبعة المخصصة لدعم مشاريع تخدم السلام لاحقاً في الأردن سبق أن دفعت المملكة أكثر منها وحصلت على أكثر بكثير منها دون تنازلات أو مزاعم باسم السلام. أصر الرواشدة علناً على أن الأرقام المالية الأمريكية مثيرة للسخرية. تلك قناعة شبه مؤكدة أيضاً عند المسؤولين الأردنيين، لكنهم ولأسباب مفهومة لا يعبرون عن ذلك.