«قلم» ترامب يضغط على «الأعصاب الأردنية»: سؤال «صمت السلطتين» يزحف وأدبيات الشارع تضيف «ورفض التهجير»

عمان-«القدس العربي»: يزيد في المشهد الشعبي الأردني معدل الارتياب الملموس مما يسمى خطة تهجير الفلسطينيين، التي بدأت أوساط أمريكية تعرضها بصيغة أكثر نعومة وفي إطار مسوغات ومبررات مرتبطة بصفقة سلام شاملة ضمن معادلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القاضية بفرض السلام بقوة.
بوضوح، احتاط وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، في التأكيد على صلابة موقف بلاده الرافض لخطة تهجير الفلسطينيين عبر الاجتماع السداسي الذي عقد لـ 6 وزراء خارجية عرب في القاهرة.
لاحقاً، اقتراح دعمته عمان لتوجيه رسالة جماعية باسم خمسة وزراء خارجية عرب على الأقل إلى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو.
رغم ذلك، يعترض نشطاء أردنيون بالجملة على بقاء الميكروفون في الاعتراض والاتجاه المعاكس بين يدي وزير الخارجية فقط، حيث لا تعلن رئاسة الوزراء في الحكومة الأردنية عن أي خطة في مواجهة الصفقة الجديدة التي يعرضها ترامب.
وتصمت الحكومة بصورة تثير الارتياب، ولعل المفارقة الأهم في تساؤلات الشارع الأردني تتمثل في قرار واضح بأن لا يصل مستوى الاشتباك ضد خطة التهجير الأمريكية إلى الشارع.
يرى المراقبون أن الحكومة الأردنية تمتنع لأسباب غامضة حتى اللحظة عن استخدام واستعمال الشارع الشعبي كسلاح ولو من باب تعزيز موقع التفاوض والاعتراض.
لم تصدر تعليقات لا عن مجلس النواب ولا مجلس الوزراء على فكرة إصدار قوانين تقضي بتجريم الموافقة على المزيد من اللجوء الفلسطيني، وهي الفكرة التي طرحها قبل أن تتجاهلها السلطات الخبير الدستوري الدكتور ليث نصراوين.
بالمقابل، لا يوجد تحشيد لا رسمي ولا أهلي تحت عنوان توحيد صفوف الأردنيين في مواجهة خطة التهجير، والملف تنقله المؤسسات الرسمية إلى منسوب الرهان على إبلاغ أو إقناع الرئيس ترامب في لقاء مهم جداً قد يجمعه بالعاهل الملك عبد الله لثاني في واشنطن الثلاثاء المقبل.
في السياق، تكهنات وسيناريوهات متعددة لمسار هذا اللقاء.
واستبق الرئيس ترامب الإصغاء للأردن بسلسلة قرارات تضغط بشدة على القرار الأردني أو تسعى لإرباكه، من بينها شمول الأردن بقرار ترامب التنفيذي القاضي بتجميد المساعدات للدول، وبينها أيضا عدم استثناء الأردن من تعليق البرامج الممولة الأمريكية للوكالات المختصة والمانحة.
في الأثناء، يضرب ترامب على العصب الأردني الحساس والحيوي وهو يعلن نيته وقف تمويل وكالة الأونروا.
وهو قرار يتعاكس تماماً مع اتجاهات البوصلة الأردنية الدبلوماسية. ووزير الخارجية الصفدي شخصياً، أبلغ “القدس العربي” في وقت سابق بأن السعي لتقويض دور وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين يلحق ضرراً بالغاً بمصالح الأردن والشعب الفلسطيني.
الصفدي لا يقرأ استهداف الأونروا بعيداً عن منهجية ضرب فكرة اللجوء ذاتها، وبالتالي المساس بحقوق ثابتة ومستقرة.
ذلك يعني سياسياً وقف تمويل الأونروا وعدم الاعتراض على تشريعات إسرائيلية تخرجها من الواقع الموضوعي حلقة ضغط إضافية وصعبة على الخيارات الأردنية، حيث أكثر من 4 ملايين لاجئ فلسطيني، وحيث رهانات الأردنيين على حقوق العودة والتعويض قابلة للمساس بطريقة مؤذية.
رغم ذلك كله، الغطاء في القرار السياسي للتعامل بحذر مع مقترحات ترامب وتجنب مواجهته، فيما يبقى الرأي العام عموماً بلا رواية أو سردية توضح مسألتين في غاية الأهمية، برأي السياسي والإعلامي أسامة الرنتيسي؛ فالجميع يعلم ما الذي قاله أو يريده ترامب، لكن الرأي العام الأردني لم يعلم بعد ما الذي تقوله الحكومة وكيف سنتواجه ما يقوله ترامب.
في المسألة الثانية مساحات غموض وارتياب تنتج عن سياسة واضحة، فكرتها عزل الموقف المضاد لخطط التهجير عن سياقها الشعبي.
الرأي العام الأردني لا يبدو مرتاحاً هنا ولا يرغب بالاستسلام لمعادلة التكيف مع ضغوط الرئيس ترامب الذي عاد أمس الأول وألهب مشاعر الأردنيين عندما ذرف دموعاً كاذبة أمام الكاميرات بذريعة مساحة الأراضي الصغيرة للكيان الإسرائيلي، وعندما استخدم قلمه على طاولة كبيرة فارغة للادعاء بأن إسرائيل تحتاج لمزيد من الأراضي.
الرسائل هنا -برأي المحلل السياسية الدكتور رامي العياصرة- واضحة ومفهومة ولا تحتمل التفاوض، بينما المطلوب مواجهتها بصراحة شديدة وبعيداً عن ميكانيزمات التكيف.
لم تعلن رئاسة الوزراء الأردنية خطتها بخصوص مواجهة مخططات ترامب، ولم يتخذ مجلس النواب بعد أي مسار تشريعي محدد لقوننة وشرعنة رفض التهجير، الأمر الذي يثير ارتياب الشارع الشعبي عموماً ولا يؤدي لتحصيل إجابات على الأسئلة العالقة، ويخفي بعض معطيات التفاوض والتراسل مع الإدارة الأمريكية الجديدة وسط تكدس وتكرس الانطباع بأن الرئيس ترامب بدأ يتعامل مع الأردن وفقاً لمعادلة “العصا والجزرة”.
الأمور ستكون أوضح بالتأكيد لاحقاً، لكن في الأثناء ترفع قوى الشارع من وتيرة إشارات التأزم والقلق وهي تتفاعل، حيث إضافة عبارة و”رفض التهجير” إلى الكيان الشعبي المؤسسي الذي يمثل الملتقيات الوطنية الشعبية لدعم المقاومة الفلسطينية والأدبيات المرافقة، وحيث 13 حزباً في اجتماع موحد يدعو إلى تشكيل جبهة وطنية عريضة لمقاومة خطط التهجير، فيما وسائل الإعلام الرسمي تحديداً لا تزال حذرة في تحشيد الرأي العام، ولا تعمم سردية محددة أمام الجمهور.
الأيام تمضي وسط حالة ترقب شديدة الحساسية.