Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اراء و مقالات

كاميرات «عمان»: من يراقب «المراقبين»؟

لسبب غامض لكن طبعا يمكن استنتاجه، لا يصدق المواطن الأردني أن الهدف من تركيب أكثر من 5500 كاميرا في شوارع العاصمة عمان هو حصرا الحفاظ على سلامة الطرق وحماية المواطنين وأملاكهم.
الإعلان لسبب أكثر غموضا يوحي بغياب الجملة التنسيقية على مستوى الخطاب الإعلامي، لأن قرار الكاميرات تزامن مع الإجابة على سؤال برلماني يتعلق بحجم مديونية بلدية العاصمة التي تبلغ الآن مليارا من الدنانير.
لا شكوك بأن السلطات والمؤسسات معنية بسلامة الطرق وبتقليل عدد مخالفات السير خصوصا وأن الأردن يتصدر في حوادث السير وخسائرها البشرية والاقتصادية.
ولا شكوك في المقابل بأن تركيب المزيد من الكاميرات يساهم في ضبط المخالفات وتقليصها.
والمواطن الأردني طولب علنا من قادة البرلمان مؤخرا بضبط سلوكه على إيقاع الدولة دون طبعا كما يحصل في العادة تعريف أو تفصيل ذلك الإيقاع.
المواطن هنا بطبيعته يبسط الأمور والمؤسسات هي التي تغرق في فلسفتها.
من جهة المواطن تركيب الكاميرات هدفه الجباية وحل مشكلة مديونية البلدية حتى أن بعض الأصوات في المحافظات بدأت تطالب بتركيب كاميرات مثل العاصمة لمعالجة ديون المجالس البلدية فيها.
صعب جدا توجيه اللوم للذهنية الشعبية التي تفترض سوء النوايا بالحكومة والمؤسسات.
الأصعب إفهام المواطن بأن المسألة لا تتعلق بالجباية، وبأنه يملك خيار تجنب مخالفة القانون حتى لو وضعت الكاميرا على جبينه أو عند أذنيه، فمن لا يخالف القانون لن يخالفه أحد عمليا.
الكاميرات بالتأكيد تحقق بعض الأهداف العميقة الأبعد من رصد المخالفات فقط فهي جزء من السيطرة بالمعنى الأمني، وهي جزء فعال في حماية المجتمع من الجرائم والانتهاكات…لا أحد يعلم لماذا لا تقول السلطات ذلك بصراحة؟
من يقرر تركيب الكاميرات لا يتحدث عن كفاءتها أو كيفية عملها حتى يستجيب المواطن للاشتراطات.
الكاميرات معها الطائرات المسيرة لا تتعلق فقط بالغرامات والجباية والسيطرة على الطرق بقدر ما تساعد في ردع الجرائم واكتشافها بمعنى السيطرة الأمنية… لا يوجد ما يدعو للخجل البيروقراطي من قول ذلك.

الكاميرات بالتأكيد تحقق بعض الأهداف العميقة الأبعد من رصد المخالفات فقط فهي جزء من السيطرة بالمعنى الأمني وهي جزء فعال في حماية المجتمع

الأردنيون يعلمون مسبقا بأن العنصر الأمني امتياز للمجتمع والدولة معا ولا أحد مهما بلغ من الرغبة من المناكفة والمعارضة يمكنه الموافقة على فكرة التفريط بالأمن والاستقرار.
لذلك لا مبرر للتردد ولا الخوف من الناس ويمكن أن تشرح لهم المقتضيات بكل بساطة لتفهمها شريطة أن يضمن حراس القانون مواجهة الأخطاء الفردية والتقنية التي تنتج عن الكاميرات والسيطرة الأمنية بين الحين والآخر.
كلما زادت الثقة الشعبية بأن إجراءات القانون عادلة ومنصفة، ومسطرته تحكم الجميع بدون استثناء كلما خفف المجتمع من انحيازاته لفكرة الجباية سواء بالكاميرات أو بغيرها مع أن فكرة التوثيق والتصوير ووجود الكاميرا هنا وهناك يمكن أن تطال الأذرع التنفيذية الرسمية أيضا، والسؤال القديم لا يزال مطروحا على المستوى المحلي بعنوان: من يراقب المراقبين؟
سؤال إداري بامتياز ومزعج وما فهمناه طوال الوقت في مستوى الإصلاح الإداري أن الحرص واجب على توفير آلية دستورية وقانونية تقنع المواطنين عموما بأن من يراقبهم باسم الدولة والقانون ثمة من يراقبه ويتابعه في نطاق المساءلة والشفافية في المقابل.
لا يوجد ضرر بتركيب كاميرات ترصد مخالفات السير والسيارات مادامت المخالفات لا تشطب للبعض والأخطاء الفردية عندما تحصل أو التقنية ثمة وسيلة منصفة وقانونية للتعاطي معها.
أغلب التقدير أن المواطن عموما يرحب بمن يراقبه ويرصد مخالفاته إذا كان مقتنعا بوجود آلية لمراقبة المراقبين… تلك طبعا جدلية إدارية بيروقراطية عنيفة سبق أن طرحت دون أجوبة عليها في غالبية نقاشات الإصلاح الإداري تحديدا.
الفكرة لا تسقط بالتقادم وهي تلك التي تفترض إداريا أيضا بأن الجهة الرسمية التي تقرر المخالفة والعقوبة أو الغرامة تحرص في المقابل على تقديم خدماتها المنصوص عليها بالقانون بكفاءة واقتدار وحرفية لا تقل عن مستوى الدقة التي توفرها تقنيات كاميرات المراقبة… هنا نتحدث عن الشارع والمطبات وتفريغ الازدحام وتخليص السيارات والحفر وإصلاح وصيانة الأزقة.
ونتحدث عن آلية إعلامية فعالة ومنتجة تشرح للمواطنين ما الذي يحصل وأين ومتى؟ قبل الانشغال بتركيب كاميرات.
الكاميرات الدستورية التي تراقب السلطات والمؤسسات ضرورة ملحة في المقابل من حيث التفعيل حتى يقتنع المواطن بأن هدف الكاميرا في الشارع أو غيره مجازا أمنه ومصالحه.
لذلك مضمون فكرة كاميرات المراقبة ينجح أكثر إذا استعاد مجلس النواب المنتخب دوره في مراقبة الحكومة وإذا ما أجابت السلطة التنفيذية على كل الأسئلة المطروحة بين المواطنين بخصوص الفساد بكل أصنافه.
الكاميرا التي تراقب الناس ستصبح مطلبا شعبيا إذا ما فهم الشارع بالحد الأدنى آلية تعيين كبار الموظفين ولماذا وعلى أي أساس تتغير الحكومات… تلك طبعا قصة أخرى أقرب إلى تلك الكاميرا التي ترصد «تلفزيون الواقع».

اظهر المزيد

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading