اراء و مقالات

«كل بلادي مع حماس»: الأردن بعد «إعلان الاتفاق»: حاضنة المقاومة الشعبية «تسهر مجدداً» في الشوارع

عمان – «القدس العربي»: «نصر من الله وفتح مبين».. بهذه العبارة افتتح المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن الشيخ مراد عضايلة، خطابه أمام قاعدة عريضة من المتظاهرين بالقرب من السفارة الأمريكية بالعاصمة عمان، وهو يوجه الدعوة للشعب الأردني للتحشد بعد صلاة عشاء الخميس مرة أخرى تأييداً لما وصفه بـ «الاحتفال الرئيسي» بوقف إطلاق النار في غزة.
لم ينتبه كثيرون من قادة الشارع الأردني إلى الجزء «الهش» من إعلان وقف إطلاق النار، ولا للجزء المتعلق بأن حكومة إسرائيل لم توقع بعد على الاتفاق، وكل البوصلة الجماهيرية للأردنيين تفاعلت فوراً مع ظاهرة خروج أبناء غزة في رفح وخان يونس للابتهاج مباشرة بعد الإعلان القطري.
العضايلة لم يقف عند هذه الحدود، بل وجه دعوة لكل فئات الشعب شيوخاً وصغاراً وشباباً ونساء، للتجمع أمام المسجد الحسيني في وسط العاصمة وفي ميادين بقية المدن والمحافظات للتأكيد على نصرة غزة وأهلها وإظهار التضامن مساء الخميس.
التقدير أن الحراك الشعبي اختار المسجد الحسيني وسط العاصمة موقعاً للاحتفال تجنباً للاحتكاك مع قوات الأمن في محيط سفارتي إسرائيل والولايات المتحدة غربي العاصمة.
والتقدير يشير أيضاً إلى أن الحراكات المتضامنة مع المقاومة في غزة في طريقها لحشد «استعراضي» بدلالات سياسية للجمهور يعيد التأكيد على بوصلة الشارع الأردني التي كانت واضحة طوال أكثر من 13 شهراً.
ما سيحصل مساء الخميس لم يعرف بعد، لكن ما حصل مساء الأربعاء بات معروفاً ومألوفاً، فقد تجمع عشرات الآلاف من الأردنيين بالشوارع وفي العاصمة وعدة مدن بحالة استجابة تلقائية لابتهاج أهالي غزة وبصورة عفوية، وعندما قررت السلطات منع التجمع بضاحية الرابية حيث مكاتب سفارة إسرائيل الخاوية، تلقائياً تسرب المتظاهرون إلى مسجد بالقرب من السفارة الأمريكية، سرعان ما استقطبت الجماهير للموقع وظهر بالمكان أركان وقادة الحركة الإسلامية، ومنهم العضايلة.
في الأثناء، وجه الأردنيون -»كابوس الاحتلال»- رسالتهم السياسية الجديدة لكل من يهمه الأمر عبر التجمع بجانب سفارة واشنطن وإطلاق هتافات مسيسة تخاطب هذه المرة قادة حركة حماس، وخصوصا الشهداء منهم وعلى رأسهم إسماعيل هنية، ويحيى السنوار الذي حظي بهتاف مستنسخ من التجربة السورية، لكنه معاكس بالمضمون بعنوان «يرحم روحك يا سنوار».
ذكرت حناجر الأردنيين بالاسم أسماء بعض قادة القسام الشهداء والأحياء، والهتاف المركزي كان «كل بلادي مع حماس»، وهو هتاف يعيد تثبيت حقائق ووقائع ما بعد 7 أكتوبر في وجدان الأردنيين، حيث حاضنة شعبية ضخمة قد تزداد تأثيراً للمقاومة في أكتاف وأكناف الشعب الأردني، وحيث إعلان وقف إطلاق النار أعاد تجميع وتلميع ذهنية التضامن الشعبي مع المقاومة الفلسطينية مجدداً.
تلك حيثيات مشهد ستدخل لاحقاً في عمق معادلة التفكير السياسي الأردني، خصوصاً وسط قناعة لاعبين سياسيين كبار مثل الدكتور ممدوح العبادي، بأن «غزة انتصرت صحيح، لكن المعركة لم تتوقف، والجزء الأردني منها قادم لا محالة مع أطماع اليمين الإسرائيلي».
العبادي وفي التفاعل بنسخته الأردنية مع ما بعد إعلان وقف إطلاق النار، قارن في جملة عميقة للغاية ولافتة معركة غزة بمعركتي «بدر ومؤتة» حيث حرب خبيثة بخلفية دينية وأيديولوجية شنت على الشعب الفلسطيني وستشن لاحقاً على الشعب الأردني.
ميزة العبادي السياسي المعروف، أنه من أبعد المتفاعلين بالعادة مع الخطاب الديني، لكن ما قاله صبيحة الخميس لإحدى الإذاعات المحلية يعيد التذكير بتقديره الذي سبق أن أبلغه لـ «القدس العربي» بعنوان أن خطاب مناصرة الغرب لإسرائيل وحربها الوحشية يؤجج الصراع الديني أو منطلق منه.
في كل الأحوال، وجه العبادي باسم الشعب الأردني أيضاً التحية للمقاومة الفلسطينية وأهل غزة مقراً بأن الاتفاق المعلن هو «انتصار» سيعني الكثير من تراكم العمل النضالي بعد الآن، فيما هذا النصر الواضح مدعاة للوطنية الأردنية لإعادة ترتيب أوراقها؛ لأن «الوحش الإسرائيلي الإرهابي» في طريقة لا محالة للاعتداء على الأردن.
قبل ذلك، سياسياً وإعلامياً، خطط الإسلاميون الأردنيون تنظيمياً لإظهار استمرار وجود الحاضنة الشعبية المحلية للمقاومة الفلسطينية وبتأثير عريض في سياق سعيهم الأعمق لإدخال جزئية التواصل الرسمي مع المقاومة ضمن معادلات الترقيم السياسي الأردني في الخطاب الرسمي.
برز ذلك فيما الدولة الأردنية بكل مؤسساتها تستعد لوجستياً لإنفاذ توجيهات مرجعية ملكية بالاستعداد لما وصف بـ «أضخم عمليات الإغاثة» للأهل في قطاع غزة، حيث زار الملك عبد الله الثاني مقر خيمة الإغاثة الهاشمية، وتفقد سير الجاهزية قبل وقت قصير جداً من إرسال أكبر قافلة شاحنات مساعدة ترسل فعلاً لغزة حتى قبل إعلان وقف إطلاق النار.
خطط الإغاثة الموضوعة حتى الآن تعالج حجماً كبيراً من حصة الاحتياجات الداخلية لأهالي غزة بما لا يقف فقط عند إرسال مساعدات طبية وإنسانية، بل أيضاً الاختراق المؤثر في جبهة العمل الصحي أولاً عبر «استقبال» عدد ضخم من المصابين والجرحى من أبناء القطاع، وثانياً عبر العمل على تنفيذ خطط موضوعة سابقة ولها تمويل بعنوان «مساعدة القطاع الصحي في غزة على النهوض مجدداً» خلال مرحلة «إعادة الإعمار».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading