كمين في طريق «التحديث» والانتخابات الأردنية: هل النزاهة «غلطة»؟
حديث عن «صنفين من الولاء»… أحدهما «مكروه» والآخر «يفضله البعض»
عمان ـ «القدس العربي»: هل «نزاهة» الانتخابات الأخيرة في الأردن «غلطة»؟
يميل بعض الساسة والمراقبين لطرح هذا السؤال لتمتين إجابة مفترضة بعنوان يجيب بـ «نعم» الأمر الذي يعيد النقاش إلى مربع أبعد قليلاً بصيغة سؤال أكثر إحراجاً: «هل مسار تحديث المنظومة السياسية برمته أقرب إلى «خطأ بصري» في الحسابات السياسية؟
طبعاً، حتى اللحظة لا يتجرأ أي مسؤول أو سياسي على الإشارة علناً إلى نظرية «الغلطة والخطأ» لاعتبارات مفهومة.
لكن عندما طرحت «القدس العربي» السؤال نفسه في ندوة مغلقة وسط نخبة سياسيين وأعضاء برلمان، تم رصد المفاجأة الصادمة الأبرز وبصيغة تقول: حتى لا يتعمم القول بالغلطة والتراجع عن التحديث السياسي على الحركة الإسلامية حصراً أن تعيد حساباتها، بمعنى أن المطلوب من الإسلاميين اليوم وللحفاظ على «مسار التحديث» وتجربة العمل الحزبي هو «التقوقع» والانحناء والتوقف عن «استغلال الديمقراطية» وإلا فسيكون الخيار نمو الحيز الذي يقترح الأحكام العرفية وحل البرلمان والتراجع عن الانتخابات والأحزاب، وهو بكل حال منطق أثار الحيرة والغموض عندما حظي بعض رموزه بمكافآت في وظائف عليا مؤخراً، في رسالة لم تفهم بعد.
في الندوة المشار إليها وبتنظيم مركز دراسات الشرق الأوسط، وهو بالمناسبة من المراكز المحترفة في عمان التي يعتد بها، بدا القيادي في حزب «الميثاق» أكبر أحزاب الوسط والنائب الجديد، إبراهيم طراونة، متحمساً في نفي منطق «الغلطة» متفقاً مع الإطار الذي يؤسس لشراكة فعالة وإيجابية مع الإسلاميين باعتبارهم من المكونات الأساسية في المجتمع ومشروع التحديث وسلطة البرلمان.
المفارقة أن النائب الطراونة، وهو من الشخصيات التي يراهن عليها كثيرون في البرلمان الجديد، لاعتبارات حزبية أو عابرة للأحزاب، ظهر في مشهد أثار الكثير من الغموض، قوامه خمسة من قادة العمل الوسطي في مجلس النواب يعلنون توافق جبهتهم على دعم بعض المرشحين لمناصب أساسية في مؤسسة البرلمان بطريقة لا يمكن نفي رائحة أو شبهة «الإقصاء» فيها ومنها.
لدى طراونة بالتأكيد «تفسير ما». لكن في منطقة أبعد وأعمق من مؤسسات القرار المركزي، رصدت «القدس العربي» في المقابل «محاولة عميقة» لتفسير المشهد المشار إليه بهدوء عبر طرح سؤال آخر أكثر تعقيداً: لماذا تتصور أحزاب الوسط الموجودة الآن أنها فقط تمثل «الدولة والوطن» فيما حزب شرعي من وزن جبهة العمل الإسلامي ليس كذلك؟
«صنفان» من الولاء
سؤال مربك في الواقع، أجاب عليه مبكراً وقبل أسابيع، السياسي والبرلماني الخبير الدكتور ممدوح العبادي، عندما قال: الوطن للجميع… ونحن جميعاً الدولة.
وهنا تستطيع «القدس العربي» أن تؤكد بأن نقاشاً من هذا المستوى دار حتى داخل دوائر القرار العميق، ولو من جهة الحرص على حسم مسألة خلافية يتوقف فيها اتهام المعارضة وشيطنتها والتشكيك بها حتى وصل الأمر، وفقاً للنائب صالح العرموطي، بطبيعة الحال، إلى منطقة قررت فيها كتلة التيار الإسلامي الترشح والمنافسة على رئاسة المجلس لعدة أسباب، من بينها الرد على تقنيات وألاعيب «شيطنة الإخوان المسلمين» التي تورط فيها مغامرون بالإعلام الرسمي تم «تسمين بعضهم» مع أن حزب الإخوان مسجل وقانوني وشرعي، واقترع له نصف مليون مواطن أردني خلافاً لأنه شارك في «لجان التحديث» لا بل قيادته العليا تطرح شعار «الدولة والجيش والقيادة» مؤخراً، رداً على أطماع اليمين الإسرائيلي.
حديث عن «صنفين من الولاء»… أحدهما «مكروه» والآخر «يفضله البعض»
عضو مجلس الأعيان حالياً، الإعلامي النشط عمر عياصرة، سبق له أن «فسر» نسبياً هذه المسألة قبل نشاطه الحيوي «ضد المعارضة الإسلامية» مؤخراً، حيث تحدث في ندوة استضافها قبل أسابيع مركز حماية حريات الصحافيين وأيضاً بحضور «القدس العربي» عن «صنفين» من الولاء، أحدهما «مكروه» والآخر «تفضله بعض أوساط القرار» وهو «ولاء الامتيازات»؛ والمقصود الولاء الناتج عن «امتيازات ومكافآت».
تلك كانت محاولة «جريئة» من العياصرة لتشخيص «حالة سلبية» تعيد إنتاجها اليوم بعض الأحزاب الوسطية وهي تحتكر «الميكروفون والتمثيل» مع أن بعض قياداتها لا تحتاج إلى ذلك؛ فالنائب أحمد الصفدي مرشح الجبهة الوسطية الائتلافية لرئاسة البرلمان، «قوي ومتمكن» ولديه القدرة على تمثيل المجلس، وقادر على الوصول للموقع بدون «استعراضات» بعض مؤيديه وكاميرات التلفزيونات الرسمية.
ثمة حاجة برزت مؤخراً لإبلاغ قادة الأحزاب الوسطية تحديداً، بأن المحطة الأهم في مسار تحديث المنظومة السياسية للبلاد بعد «الوثائق والانتخابات النزيهة» هو توقفهم عن الاعتقاد بأنهم حصراً يحتكرون تمثيل «الوطن والدولة والولاء» لأن تلك خريطة ـ في رأي الناشط الحقوقي البارز عاصم العمري ـ تشمـل طبعاً «كل الأردنيين» كما تشمل أحزاب وشخصيات المعارضة الـوطنية التي أسست بعـض التجـارب مجـدها علـى التناقض معها.
لافت جداً للنظر بالنسبة لأحد المراجع السياسية المهمة في عمان، أن الأحزاب التي ترفع صوتها أكثر في موضوعة «احتكار الولاء» وادعاء تمثيل الدولة هي تلك الأحزاب التي «أخفقت بوضوح» في انتخابات 2024 ولم يصوت لها الشعب الأردني بنسبة معقولة تقنع الشارع والدولة أيضاً.
«الجريمة الأكبر»
ضجيج الوطنية والتمثيل هنا مورس بدون «أدنى مراجعة حقيقية» في غالبية الأحزاب الوسطية لأسباب «الإخفاق» الانتخابي، بدون «مساءلة وعقوبات» بعد نتائج الانتخابات، وقبل ذلك من دون أصلاً اختيار مرشحي تلك الأحزاب للانتخابات الأخيرة على أساس «الديمقراطية الداخلية» كما حصل ويحصل عند التيار الإسلامي، وكما حصل أيضاً مع بعض مرشحي الإجماع العشائري.
لذلك حصراً، انزعج على الأرجح القطب البرلماني العرموطي، من إعلان نية جبهة ائتلافية وسطية عبر التلفزيون الحكومي «احتكار» مناصب الصف الأول بالبرلمان.
وعليه، أبلغ «القدس العربي» بأن ذلك «تدخل صريح مرفوض في الإرادة الحرة للنواب».
في المقابل، لدى الأحزاب الوسطية التي اندمجت، رأي آخر ومضمونه أن ممارستها ديمقراطية ومشروعة، والتيار الإسلامي «رفض التعاون» وأراد «سدة منصة رئاسة مجلس النواب» فقط.
والأهم أن الفهم الوطني للنقاشات الصاخبة التي تجري الآن على هامش مشروع «إدماج» أحزاب الوسط مؤقتاً، ينبغي أن يحذر من ارتكاب «أخطاء هندسية» من طراز تلك التي انتهت بنتائج الانتخابات الأخيرة، لأن نوايا ومؤشرات وملامح «الجريمة الأكبر» ضد مسار التحديث برزت مؤخراً من خلال المزاعم التي تروج لعبارة «نزاهة الانتخابات كانت غلطة». لذلك، لا بد من «استدراك سريع»… واقتضى التنويه.