من المحيط للخليج: ممنوع التضامن مع غزة! أسطوانة «تضحيات العرب»… والتشكيك صناعة أردنية

ما يحصل أو يمكن رصده على «الهواء الأردني» المباشر، وهو يرتدي «الزي الرسمي» قد يحتاج مجددا لتشكيل «هيئة لتشخيص المصلحة» وظيفتها تلمس «المصلحة العميقة» لدى بقية الهيئات المختصة بالبث والتلفزة، على أن ترسم ملامح «التشكيك» الحقيقية من حيث حجمها وتأثيرها وأسبابها.
ليس سرا أن المشهد حصل الأسبوع الماضي: مذيع جماهيري على شاشة قناة «المملكة» يستضيف مسؤولين في ملف «المياه» ويسألهما على الهواء عن «نقص المياه وتلوثها».. بعد الجواب مباشرة يتصل المذيع بشخص ما في إحدى المدن، ويطرح عليه صيغة سؤال «تنفي» ما تقوله جهة الاختصاص.
حصل ذلك أمام الجمهور، والسؤال يصبح هنا: ما هو مصدر «التشكيك»؟
لا نريد جوابا الآن، لأنه أصعب من «التذمر من التشكيك»، حيث يختلط «الواجب التنموي» لبرامج تلفزيونات الدولة بشغف الاستقلالية والادعاء بالمهنية بصورة تحول الشاشات الرسمية إلى مصانع متخصصة في «الشغب» تنتج أطنانا من المحتوى المعاكس لليقين.
وزير الاتصال أبرزه تلفزيون الحكومة، وهو يقلل من شأن التشكيك بالمساعدات الأردنية للأهل في قطاع غزة.
الوزير يفعل ذلك بلباقة ومهنية، لكن الأذرع الإعلامية التابعة للحكومة تتجه نحو العكس تماما، فهي تعلي من قيمة التشكيك.
حجم تعليقات التلفزيون والمقالات التي «ترد على المشككين»، خصوصا في ملف القضية الفلسطينية أكبر بكثير من حيز التسريبات المشككة في الإعلام الاجتماعي.
صناعة التشكيك
تكبر رقعة «المزايدين» هنا في «معادلة مهنية مختلة»، حيث تراكم في ادعاءات الوطنية لأشخاص لا يصدقهم الرأي العام وبصيغة توحي أن الحاجة ملحة لتدبير هؤلاء بامتيازات، حيث وظائف وأوسمة وأدوار توزع على رموز الرد على التشكيك لا تلائم الميزانية المالية للحكومة.
عمليا، عدد من يشتبكون مع التشكيك أكبر بكثير من عدد المشككين. وهذا الفائض مكلف بيروقراطيا وماليا.
لذلك لتشكيل هيئة تتولى دور الفلتر بمعنى «تشخيص حقائق» التشكيك بدلا من الإيهام به.
الموقف الأردني الرسمي متقدم واستثنائي ونبيل، خصوصا من الجريمة في غزة، ولا يوجد مبرر إلا للاستعانة بـ»القوي الأمين»، بدلا من عرس التأزيم والتوتير الذي يمارسه ضيوف الشاشات.
في الأثناء لا بد من تذكير علية القوم أن مشهد مثل مطاردة رجل أمن لشخص يهتف على باب مسجد للمقاومة، ليس من المشاهد التي ينبغي السماح بإنتاجها حتى تلتقطها قناة «الجزيرة مباشر»، ثم تتطور بسؤال لمذيع البث المباشر «لماذا تمنع السلطات من المحيط للخليج التضامن مع غزة؟».
أسطوانة «التضحيات»
سؤال مشروع في كل حال، وإن كان لا يطرح فقط على حكومة الأردن، بل على الدولة الجزائرية وحكومة مصر «أم الدنيا»، التي سمحت بضرب مناصرين لغزة يوما بالأحذية من قبل الرعاع قبل استرسال مزاودات محطة «القاهرة الإخبارية»، التي تعلن أن «مصر هي المتضامن الأكبر مع الشعب الفلسطيني».
فضائية الجزائر في المناسبة وصفت وقفة تضامنية «ضد الجوع» تم قمعها برجال الدرك مؤخرا بأنها «لم تكن مرخصة». الذريعة نفسها سمعناها في الكويت والمغرب، وفي تونس، وإن كانت فضائية تونس الخضراء قد أتحفتنا بالموقف الإنساني للرئيس، وهو يقلب صورا ملونة لأطفال قتلهم الجوع في غزة أمام مستشار أمريكي.
في القاهرة يقول مذيعنا الشهير أحمد موسى «محدش يزاود على مصر»!
في عمان نسمع يوميا أسطوانة «قدمنا كل التضحيات».
وفي بقية عواصم العرب ترفع تلفزيونات العسس ما غيرها شعار «يجب ألا تؤثر القضية الفلسطينية على مصالحنا».
وعند تلفزيون فضائية فلسطين في رام الله لا صوت يعلو على صوت «المستشار» الذي يريد من ستيف ويتكوف التفاوض مع «السلطة» بشأن وقف إطلاق النار في غزة، مع أن سلطته لم تطلق رصاصة واحدة، ولا تعرف أين تحتفظ كتائب القسام بالرهائن، الذين يبحث الرئيس ترامب عن «وسيلة جديدة لتأمين حريتهم».
دموع جمال الريان
محطة «سي أن أن» حاولت تحليل ما قاله ترامب عن «وسائل مختلفة» للأفراج عن الرهائن، والخلاصة كانت تلك التي أشار لها خبير عسكري على القناة 14 العبرية، وهي اشتراك قوات خاصة أمريكية رسميا في الحرب والبحث في الأنفاق.
ترامب موتور وقد يفعلها
لكن «سي أن أن» ذاتها عادت لتصريح ترامب الثلاثي عن «الجحيم» الذي سيجتاح غزة إذا لم يفرج عن الرهائن، فيما يسأل أحدهم: هل ثمة جحيم «أجحم» مما يجري الآن لأهل غزة؟ صاحبنا أضاف «سيدي الرئيس ترامب غزة في عمق الجحيم الآن»!
نعود لنغمة تحميل الشعب الفلسطيني «جمايل» التضحيات والمواقف من سكان النظام الرسمي العربي: لو كنتم تقدمون لغزة ما هو أكثر بقليل من «الإنشائيات» لما بكى مذيع «الجزيرة» زميلنا جمال الريان على الهواء المباشر، وهو يقول «نبض آخر توقف بينما أحدثكم الآن في غزة»! ويضيف «الجوع لم يعد خبرا.. الجوع هو ما سترونه الآن».
دموع جمال الريان تأكيد على الخذلان والعجز، وهي تدلل مع الاحترام لكل الدول على أن حكاية «التضحيات» ليست سوى «ذريعة حمقاء مخجلة» لمواراة العيب الأخلاقي والخُلقي لهذه الأمة.