كيف تصل الكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر سوريا بدون علاقات؟… دمشق تعيق مصالح «فائض» الطاقة
تبادل خشن للعتب والرسائل بين عمان ودمشق ودبلوماسية الصفدي محور خلاف
تستطيع وزيرة الطاقة الأردنية هالة زواتي، الاحتفال مجدداً ببقاء المملكة في المرتبة الأولى على مستوى إنتاج الطاقة المتجددة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وتستطيع أيضاً تذكير المواطنين بين الحين والآخر بأن الأردن لديه فائض قابل للتصدير من إنتاج الكهرباء ويستطيع تزويد دول عدة بالطاقة الكهربائية، بما فيها السعودية والعراق ولبنان ومصر، وحتى بعض دول أطراف أوروبا. وتلك منجزات صعب إنكارها.
لكن الوزيرة نفسها لا تستطيع حتى اللحظة تفسير الظاهرة التي تقول بأن المواطن الأردني دون وقبل غيره يدفع واحداً من أعلى أسعار كلف الكهرباء، بينما تتصدر بلاده قارتين على الأقل في مجال إنتاج الطاقة المتجددة. تلك مفارقة لا تزال بمثابة «سر نووي» على مستوى التجاذب المحلي، لأن التوافق حاصل على أن توفر فائض من الطاقة البديلة لم يقدم بعد أي مساهمة لتخفيف عبء «فاتورة الطاقة» على الأردنيين. ولم يساهم بعد في مراجعة اتفاقية الغاز التي تضع مصير ملف الطاقة برمته في حضن «العدو الإسرائيلي»، على حد تعبير عضو البرلمان صالح العرموطي. وبكل حال، تبدو الوزيرة زواتي شغوفة مع زملائها من كبار المسؤولين في «تسويق الطاقة» وتحديداً إنتاج الكهرباء «لأي بلد» يمكن التصدير له في الجوار. وهنا تحديداً تبرز العقدة السورية، لأن البلد المتاح أكثر من غيره ويحتاج للكهرباء اليوم هو لبنان. وأي محاولة لنقل وتصدير طاقة أردنية إلى الجمهورية اللبنانية تتطلب استعمال الأراضي السورية أو العبور عبرها.
الأكثر غرابة اليوم وجود مسؤولين أردنيين يعتقدون بأنهم في موقع «أقوى» من النظام السوري، بمعنى أنهم يستطيعون الاتفاق مع الأمريكيين والروس على تصدير الكهرباء إلى لبنان عبر الأراضي السورية في ظل علاقات متردية مع دمشق ودون طرق أبواب النظام السوري أو حتى السعي لـ «ترتيب العلاقات» معه خصوصاً بعدما فتح حلفاء لعمان، مثل الإمارات والولايات المتحدة ومصر، قنوات تواصل معه (أي النظام السوري).
لا أحد يعلم بعد من أين تستورد الدبلوماسية الأردنية تلك القناعة التي تقول بإمكانية القفز فوق النظام السوري ومعه حليفه الإيراني لتفعيل وتنشيط مصالح مع لبنان وفي عمق السوق العراقية. تلك دبلوماسية أخفقت طوال ثماني سنوات وأشار لها سياسيون كبار في اجتماعات سيادية، من بينهم عبد الكريم الكباريتي والدكتور طالب الرفاعي، وغيرهما.
وصلت في السياق، مؤخراً، رسالة من دمشق تقول بأن تصدير الكهرباء عبر سورية إلى لبنان أو غيره يحتاج إلى أسلوب أردني أفضل في التعامل مع الواقع السوري، بعيداً عن إصرار وزير الخارجية أيمن الصفدي على المزاحمة والحضور في اجتماعات المعارضة السورية. وتسأل الرسالة نفسها نخباً أردنية: كيف تفترضون أن سوريا ينبغي أن لا تعارض نشاطكم في الطاقة إلى لبنان عبر أراضيها ودون اتفاق معها؟.. كيف تفترضون أن ذلك قد يحصل والعلاقات «الأمنية والسياسية والحدودية والتجارية» بين بلدينا في أسوأ أحوالها.
بمعنى آخر، ما تقوله الرسالة السورية الخاصة بأن على عمان اتخاذ خطوات منتجة أكثر ومباشرة لإصلاح العلاقات الثنائية وبالقطعة، وأن عليها فعل الكثير، خصوصاً على الجبهتين الدبلوماسية والإعلامية قبل استعمال الأراضي السورية لأي غرض تجاري. ورغم ذلك، لا تبدو الاستراتيجية السياسية مفهومة عندما يتعلق الأمر بمعادلات العلاقة الأردنية مع دمشق، خصوصاً أن شخصيات سورية متعددة تعتبر مواقف بعض المسؤولين الأردنيين، ومن بينهم وعلى رأسهم وزير الخارجية وكذلك الإعلام الرسمي، «مخاصمة بحدية» لسوريا ولدولتها ولنظامها.
وبمناسبة الحديث الأردني عن تصدير الكهرباء إلى لبنان، تستذكر أوساط موالية لدمشق في الإطار النخبوي الحزبي الأردني كيف أوقفت شركة البترول الأردنية، بضغط من وزارة الخارجية، شحنات نفط ومحروقات تعاقد عليها عبر العقبة السوريون، وطلبها برسالة خاصة للقصر الملكي الرئيس بشار الأسد. ولاحقاً.. كيف قرر فجأة وزير التجارة والصناعة الأردني طارق حموري وقف استيراد نحو 2000 سلعة من سوريا رغم أنه أبلغ «القدس العربي» مباشرة مرات عدة، بأن الجانب السوري تجاهل قصداً كل دعوات التفاهم على المعاملة بالمثل، وأن هدفه حماية المنتج الأردني، مستعداً لمراجعة أي قرار في حال التفاهم بما يكفل المصالح الأردنية.
باختصار، تريد دمشق من عمان مستويات أفضل من الاتصالات والتعامل معها على أساس «جار في أزمة» حقيقية وضمن مستويات من القرار المستقل وعلى أساس ثنائي. وتريد عمان بالمقابل البقاء في مستوى البوصلة الإقليمية في كل ما يتعلق بالملف السوري وتفصيلاته المتناثرة، وبناء خطوات طويلة من استعادة الثقة والحرص على التحدث في المسألة السورية باعتبارها بين يدي اللاعبين الكبار في الإقليم والعالم. والأسلوب الأردني يغضب النظام السوري. والتقنية السورية تخيف الأمن الأردني، خصوصاً في ظل سهر نظام دمشق على «تصدير الأزمة» عبر الحدود الجنوبية.
في ظل مثل هذا الوضع المعقد، نجحت الوزيرة هالة زواتي بإقناع غالبية المسؤولين بأن لبنان قد يكون الهدف الأسرع والمنتج مالياً في حلقة تصدير «فائض الطاقة». لكن كيف تصل الكهرباء الأردنية إلى لبـنان؟.. سـؤال تـركته الوزيـرة زواتـي لغـيرها بحكـم «عدم الاختـصاص».