«لا للوطن البديل» و«نرفض التهجير»: شعب يحتفي بعودة ملك يبتسم… هل تبدأ في الأردن مرحلة «العودة للداخل»؟
على عكس صور التجهم والاعتراض والاستغراب التي ظهرت في واشنطن ملكياً خلال اللقاء مع ترامب

يعرف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تماماً ما الذي فعله بـ «حليف مهم» مثل الأردن، الثلاثاء الماضي.
يعلم المستوى السياسي والسيادي الأردني، في المقابل، تلك المقاصد وراء تصريح «متلفز» لترامب «المغرور»، فيه مجاملات قد لا تعني شيئاً الآن بعدما تصرف بطريقة «غير لائقة» عندما أدخل الصحافيين فجأة على «لقاء اتفق على إغلاقه». قبل لقاء الثلاثاء الماضي المفخخ على مستوى القمة بين عمان وواشنطن، كانت كل الاستراتيجيات المنقولة والمسربة أردنياً تقترح بأن المطلوب قبل أي اعتبار آخر هو «تمرير 4 سنوات» مع رئيس «غير متوقع» يشكو منه الجميع.
بعد لقاء واشنطن الأخير تبدلت «المعطيات» قليلاً، ورغم أن نوايا الرئيس ترامب تجاه الأردن كانت «عدائية وغير لائقة وتخطط للإحراج» فإنه «قدم خدمات استثنائية» عندما أنتج في الأردن شعبياً ورسمياً «حالة مستجدة» غير مسبوقة ومن الصنف الذي لا يمكن «التراجع عنه».
جهة ما في محيط البيت الأبيض أدركت بأن «ترتيبات الإعلام» في البيت الأبيض بحضور الوفد الأردني ولغة وإيماءات الجسد عند ملك البلاد وولي العهد الأمير حسين بن عبد الله قد تؤدي إلى إقلاق وإزعاج «حليف مهم وأساسي» في الإقليم للولايات المتحدة.
واضح أن تصرفات بروتوكول ترامب «غير اللائقة» أغضبت «المؤسسة الأردنية».
الأوضح أن بروتوكول ترامب حاول «الاستدراك» لاحقاً، فقرر تصوير «خطاب متلفز» يشيد به الرئيس بالقيادة والشعب الأردنيين، وقبل ذلك خرجت الناطقة باسم ترامب لتفصح حرفياً: «عاهل الأردن رفض مقترحات إخراج الفلسطينيين من أرضهم».
عملياً، التسريبات الآتية من واشنطن تفيد بأن «إدارة ترامب» قدرت لاحقاً لاستقبال الوفد الأردني بأن «المملكة تم إغضابها ودون مبرر»، فيما كتب توماس فريدمان في «نيويورك تايمز» عن «رموز إدارة وكونغرس وظيفتهم الوحيدة هز رأسهم».
حتى في رأي الأردنيين الخبراء في «الصداقة مع الولايات المتحدة»، تصرف ترامب «خارج اللياقة»، وكذلك فعل على الأرجح وزير خارجيته مارك روبيو مع نظيره الأردني أيمن الصفدي، في مشهدية لم تظهر تفصيلاتها بعد.
لكن بالذهنية الأردنية الخبيرة، تلك التصرفات غير اللائقة مبرمجة ضمن كمين سياسي للضغط على عمان وليست «صدفة»، قبل التصدي بدبلوماسية تقرأ كل التفصيلات.
وبتحليل الباحث السياسي الأمريكي الفلسطيني المحب للأردن الدكتور سنان شقديح، الذي تقدم به لـ«القدس العربي»، فإن الأردن تعامل بكفاءة واحتراف مع «الحالة النفسية» لترامب حتى يتجنب استفزازه، وكان الإنجاز الأكبر للأداء الأردني احتواء تلك الحالة، وفي النتيجة حجب مفاجآت أخرى غير مدروسة كان يمكن أن يتفوه فيها الرئيس.
وجهة نظر شقديح كانت أن الأردن تصرف بموجب إدراك منطقي بأن الجميع يتعامل الآن مع «حالة نفسية» أكثر من التعامل مع دولة اسمها الولايات المتحدة. تلك تبقى وجهة نظر، لكن الاستفسار الأهم: ما خطة عمان الآن وتصوراتها بعد «استعراض الكاميرات» الذي أقامه الرئيس الامريكي في واشنطن؟
السياسي الأردني مروان الفاعوري، اعتبر أن رسائل ترامب «واضحة»، وهذا يعني أن رسائل الأردن حكومة وشعباً ينبغي أن تكون أوضح، فالمسألة لم تعد تتعلق بـ «تصفية القضية الفلسطينية لصالح تصورات اليمين الإسرائيلي المخبول»، بل بـ»إخضاع الشعب الأردني وتهديد هويته الوطنية».
لذلك حصراً، تصرف الشارع الأردني بمختلف مكوناته الاجتماعية والسياسية على أساس القناعة بـ «مؤامرة على الهوية الوطنية» يجب التصدي لها، الأمر الذي يظهر عملياً أهمية قراءة الرسائل الضمنية المهمة جداً للاستعراض الشعبي العارم الذي شهدته بعد ظهر أمس الخميس شوارع العاصمة عمان وبقية المحافظات عند استقبال الملك العائد للتو من «مواجهة شرسة» مع ترامب محورها خطته لـ«التهجير» مقابل معادلة الملك «مصلحة شعبي أولاً».
واضح هنا تحديداً أن وجود النواب والأعيان والوزراء وشيوخ العشائر وعدد ضخم من موظفين القطاع العام والأهالي والمدارس والمؤسسات وممثلي البادية والمخيمات والبلديات معاً في الشارع لحظة هبوط طائرة الملك العائدة من واشنطن، مشهد على عفويته العميقة يحظى بكل الأضواء الخضراء من دوائر القرار في الدولة.
على عكس صور التجهم والاعتراض والاستغراب التي ظهرت في واشنطن ملكياً خلال اللقاء مع ترامب
الاستقبال الشعبي الضخم للملك، أمس الخميس، أقرب فعلاً إلى «استفتاء جماهيري» قال فيه الأردنيون «لا» كبيرة للتهجير ولخطة ترامب بعد المنازلة الدبلوماسية المباشرة والشخصية مع ترامب التي تخللها «لا واضحة» من جانب الوفد الرسمي، ثم أعقبتها «تغريدات» تشرح وتؤكد خطاب الثوابت.
في مشهد الأردن شعبياً «رسائل مختلفة» من العيار الثقيل هذه المرة، لأن المسألة لا تتعلق حصراً برغبة المكونات فقط في استقبال الملك ودعم الثوابت بقدر ما تتعلق أيضاً -وهذا مهم للغاية- بهتافات سياسية أنشدتها الحناجر وهي تصطف على الأرصفة بانتظار تحية الملك العائد، وأهمها «لا للتوطين» و«لا للوطن البديل»، وطبعاً ودوماً «نرفض التهجير».
أهم الهتافات هنا كانت تلك التي تقول «إسمعنا يللي برة… إحنا رجالك عبد الله»، أو تقول «كل الأردن هاشمية»، و«لا لا للتوطين… لا لا للتهجير». في الأثناء، صور الملك بالزي العسكري ورقصات دبكة وهتافات ضد ترامب قد تؤدي في حال الاسترسال بمشروعه لدعم خطط اليمين الإسرائيلي إلى «تغيير حاد» في المزاج الشعبي يعيد إنتاج وترسيم حدود للعلاقات الأردنية – الأمريكية وحتى خارج سيناريو «العبور لـ 4 سنوات فقط». في المقابل، الصورة لها دلالاتها؛ فقد شوهد الملك يستقل سيارة يقودها نجله ولي العهد وسط الناس قرب المطار. الملك في تلك اللحظة فتح نافذة السيارة مباشرة متجاهلاً كل بروتوكولات الحراسة والأمن ووجه التحية.
وظهر يبتسم بسرور بمعية ولي العهد للأردنيين، بدلالة مسيسة تقول بالاتجاه المعاكس لصور التجهم والاعتراض والاستغراب التي ظهرت في واشنطن ملكياً خلال التواصل الاستثنائي المغامر مع ترامب.
لاحقاً وبعد أقل من ساعة، نشر الملك الأردني تغريدته التي يقول فيها: «موقفنا ثابت وراسخ، ومصلحة بلدي فوق كل اعتبار… شكراً لشعبي الوفي… أستمد قوتي وطاقتي منكم». بعد تلك التغريدة، يصبح السؤال سياسياً بامتياز في مواجهة الخطط الترامبية: «هل ستبدأ قريباً جداً مرحلة العودة للداخل»؟ في الخلاصة، الإجابة مرتهنة بقدرة الحكومة والمؤسسات التنفيذية بعد الآن على الإجراء والتصرف بموجب هذا الارتقاء والمشهدية الموحدة التي ظهرت الخميس بعدما ساهم الرئيس الأمريكي بتغيير ضبط بعض الإعدادات.