اراء و مقالات

لماذا ركب الإسلاميون الأردنيون موجة «العفو العام»؟ تموقع تفاوضي… الحكومة «ضد» والخصوم «تحت اختبار»

عمان- «القدس العربي»: يعلم قادة ورموز كتلة نواب المعارضة الإسلامي في البرلمان الأردني قبل وأكثر من غيرهم، أن مبادرتهم وحراكهم في اتجاه إصدار «قانون عفو عام» جديد هو خطوة قد تقرأ باعتبارها دعائية وشعبوية أو على الأقل غير منسقة مع بقية التيارات والكتل في البرلمان، وسينتج عنها حجم يأمل الإسلاميون بالاستثمار فيه من تكدس الإحراج وفي حضن عدة أطراف.
رغم تلك القراءة القائمة على سوء النوايا تجاه الإسلاميين ومبادرتهم، يبقى التحرك -ظرفياً وفي التوقيت الحالي باتجاه قانون للعفو العام- خطوة تحريكية مسيسة بامتياز، تضع السلطات التشريعية وكتل الأحزاب الوسطية أمام اختبار من طراز خاص مدروس بعناية.
عنوان الاختبار الأعرض أن التيار في كل حال، وبالرغم من كل الضجيج المثار ضده بعد قرارات «الحظر» الشهيرة، قادر على التسلل إلى هوامش خاصة لا يتسلل لها الآخرون، وقد لا ينفع معها الصد والرد التشريعي؛ لأن التيار هنا وبطرحه فكرة العفو العام بقدر كبير من الجاهزية التشريعية على الملأ وأمام الرأي العام، يقول ضمناً بأنه المستفيد في كل الأحوال، حيث الخيارات معروفة مسبقاً.
عملياً، عندما تتصدر كتلة المعارضة اليتيمة في البلاد -وهي صاحبة أغلبية من المقاعد- مقترحاً لإصدار عفو عام فيما تطعن كتل أخرى منافسة بـ «شرعية مقاعدها»، ستبدأ حتماً مرحلة التكييش السياسي، حتى وإن كان مقترح العفو يغازل «غرائزية المجتمع» وينشد «شعبويات».
الجمهور لا يملك إلا التصفيق لمقترح إصدار عفو عام جراء الضغط الاقتصادي الناتج عن المخالفات المالية والشغف في معالجة حالات «عالقة في السجن» جرت بشأنها «اتصالات تسوية عائلية واجتماعية» ولم تكتمل بالإفراج في بعض قضايا الجنح والجنايات.
يتغذى مقترح الإسلاميين هنا على سلسلة أخطاء وصفت، لكن لاحقاً، بانها منهجية وغير مسبوقة في العفو العام الذي صدر سابقاً.
وهي أخطاء نتجت عن توجيهات سياسية قد لا تكون موفقة في عهد وزراء سابقين، أو أخطاء منهجية عند اللجنة التي كلفت بصياغة تفاصيل العفو العام السابق الذي تسبب في مشكلات في الأسواق، والتخاصم المالي، وفي حزمة قضايا تمت المصالحات عليها برعاية السلطات القضائية، ولم تؤخذ بالاعتبار جراء عثرات بيروقراطية.
يركب الإسلاميون هذه الموجة. وفي الأسباب الموجبة لإصدار قانون للعفو العام، يخاطبون حصراً مساحتين من الصنف الذي تهتم به عائلات الأردنيين، حيث التخاصم المالي والغرامات التي أرهقت كاهل بعض المواطنين وتحتاج إلى عفو عام، وحيث قضايا تسوية عالقة بسبب جنح وجنايات حظيت بالمصالحة العشائرية والاجتماعية لكن لم يشملها العفو العام في وقت سابق.
كان التوقيت ملائماً لجرعة مسيسة وذكية من جهة كتلة جبهة العمل الإسلامي البرلمانية، حيث تم الإعلان عن المبادرة الجديدة في سياق احتفالات المملكة بعيد الاستقلال.
أغلب التقدير أن بقية كتل البرلمان ليست بصدد التفاعل مع ما يطرحه الإسلاميون هنا.
وهذا بحد ذاته قد ينطوي على كلفة محرجة لتلك الكتل ولنواب التيارات الوسطية الحزبية أمام جماهيرها، فالعفو العام لغة يحبها الأردنيون ويطالبون بها ولا يمكن عملياً الاعتراض عليها حتى عندما تتوفر الإمكانية لإعاقتها.
تقدمت الكتلة بمشروعها لإصدار قانون مفصل للعفو العام وأودعته بين يدي مكتب رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي. وأعلنت الكتلة -بتوقيع قطبها ورئيسها القانوني والبرلماني المخضرم صالح العرموطي- التفاصيل للرأي العام، وتوسعت في الحديث عن دعم وإسناد قيم التسامح في المجتمع ومنح الأردنيين الذين أخطأوا أو حبسوا أو طالتهم يد القانون، فرصة ثانية.
دائرة الأسباب الموجبة تتضمن إشاعة العدالة والمرونة والسماح عبر العفو العام بإجراء تسويات عائلية وانعكاسها على قضايا عالقة عنوانها أشخاص خلف القضبان.
طبيعي القول إن الحكومة عملياً ولأسباب مالية واقتصادية، ستكون ألد خصوم أي تحرك نحو قانون جديد للعفو العام.
وطبيعي القول إن بقية الكتل البرلمانية الوسطية أمام اختبار حاد وضعه الإسلاميون فرفض مشاركة كتلة جبهة العمل الإسلامي بمبادرة العفو العام، تنطوي على تعارض مع مصالح النواب في المجتمع وفي أوساطهم العشائرية والمناطقية.
ومجامله الكتلة بالموافقة على عقد دورة أو المطالبة بعقد دورة صيفية استثنائية للبرلمان لأغراض العفو العام قد يربك خطط الدولة ومستويات القرار الرسمي، ويدخل الجميع في تعقيدات بتوقيت غير ملائم. النواب المخضرمون في الجبهة وخارجها يعلمون مسبقاً أن تجاهل اتجاه برلماني عريض يطالب بعقد دورة استثنائية ليس من الخيارات الملائمة للسلطة التنفيذية.
ولكن نص الإرادة الملكية التي تصدر بموجبها توجيهات بعقد دورة استثنائية هو الذي يحكم جدول الأعمال.
والمعنى هنا ما لفت له النظر مبكراً السياسي والبرلماني ممدوح العبادي عندما قال لـ «القدس العربي» إن نواب الجبهة يستطيعون حشد الأصوات من بقية زملائهم النواب لصالح مبادرتهم في إصدار قانون عفو عام والمطالبة بعقد دورة استثنائية.
لكن من يحدد جدول أعمال الدورة الاستثنائية هو نص الإرادة الملكية بموجب الصلاحيات الدستورية وليس النواب.
الدولة تستطيع إفشال خطة الإسلاميين، وهذا بحد ذاته مكسب شعبي وشعبوي يمكن تجييره وسط الناس لصالح الحركة الإسلامية التي ستظهر شغوفة جدًا بـ «مصالح الناس والشعب» حتى وهي تتعرض لاستهداف رسمي.
وعلى أساس ذلك التجيير، يمكن العودة إلى التفاوض على المسائل الأساسية في الأزمة بين السلطة والتيار الإسلامي، حيث عناوين بينها الكتلة ومقاعدها وحزب الجبهة وشرعيته القانونية بعد حظر الجماعة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مدونة الكاتب بسام البدارين

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading