لماذا يصفق «الأردني» لصواريخ إيران؟
المواطن الأردني ممتن لدولته ولمؤسساته السيادية ويتفهم أي إجراءات هدفها الحفاظ على أمنه ومنع اختراق أجوائه
تدافع سيارات الأردنيين بكثافة غريبة ليلة الهجوم الإيراني على الكيان الإسرائيلي إلى المناطق المفتوحة لرؤية الكيان وهو يقصف سلوك جماعي يحتاج للتأمل والتحليل والتعمق. ونقترح مسبقا على كل المنظرين بخصوص عنوان التموقع الأردني بين المشروعين الإيراني والإسرائيلي التوقف مليا عند تلك الظاهرة لفهم حسابات وحساسيات بوصلة الشعب.
أقترح مسبقا أن يدخل مشهد تدافع المواطنين لمناطق مفتوحة لرؤية صواريخ لدولة إسلامية تحاول على الأقل قصف إسرائيل في عمق معادلات التخطيط الاستراتيجي.
لسنا هنا مع أو ضد، لسنا بصدد توجيه القرار السياسي لأي بوصلة، ولكن تأمل هذا المشهد ضروري للغاية لأنه قد يوفر تغذية راجعة لدوائر القرار السيادي والسياسي بالحد الأدنى لفهم مشاعر الأردنيين ومواقفهم، فالمواطن بصرف النظر عن خلفيته المكوناتية أو موقفه السياسي لا يقف فقط عند حدود التضامن الكبير مع كل ضحايا الإجرام الإسرائيلي منذ عام 1930 حتى اليوم، بل يعتبر نفسه شريكا بالدم للشعب الفلسطيني وضحية.
زاد شعور الأردنيين بوضوح في هذا السياق بعد الجرائم التي ارتكبت بحق الأهل في قطاع غزة، ووصلت مشاعر الكره والارتياب بالإسرائيليين إلى مستويات لم تسجل سابقا منذ عقد السلام الموهوم معهم، وإلى ذروة من واجب القرار السياسي تفهمها حتى عندما يقرر تجاهلها أو احترامها.
ما قاله الأردنيون، وهم متكدسون قرب بعض الجبال والمناطق المفتوحة في خطوط التماس مع فلسطين المحتلة، إنهم يصفقون في الواقع لأي صواريخ من أي جهة تقصف الكيان المحتل الغاصب، كما يصفقون لأي رصاصة وجهد مقاوم يخدشان خوذة جندي إسرائيلي. تلك حقيقة في وجدان الشعب،
إنكارها في معادلة رسم السياسات والقرار السياسي أخطر بكثير من تجاهلها.
ليس ذنب الأردني إطلاقا أن الصواريخ التي تمسح على آلام ضحايا الإجرام الإسرائيلي إيرانية التوجيه والنشأة والاندفاع. وأغلب الظن أن الجماهير التي سهرت حتى الفجر تراقب إسرائيل وهي تقصف تفضل طبعا أن توجه هذه الصواريخ من الجيوش العربية حتى يتم الاحتفاء بها قوميا ووطنيا.
المواطن الأردني ممتن لدولته ولمؤسساته السيادية ويتفهم أي إجراءات هدفها الحفاظ على أمنه ومنع اختراق أجوائه
لا يتعلق الأمر لا بإيران ولا بخلايا المشروع الفارسي بقدر ما يتعلق بهوس المواطن الأردني حصرا ومعه الفلسطيني دوما بأي قوة نوعية يمكن أن تخدش العملاق الإسرائيلي المجرم أو على الأقل تقلق نومه.
من أطلقوا الصافرات لتحية الصواريخ الإيرانية ورحبوا بها في شوارع عمان أو غيرها ليسوا عملاء للحرس الثوري الإيراني ولا مؤمنين بطموحات المشروع الفارسي، ولم تجندهم سفارة طهران، هم مواطنون ضحايا لإسرائيل يشعرون بالعجز التام لحكوماتهم العربية، ويعلمون اليوم يقينا بعد سحق لحم الأطفال في غزة أن أطفالهم هم ضحية اليوم التالي.
وعليه من لاحظ أو استفسر أو سأل أو تحفظ من الأردنيين ليس خائنا ولا مندسا ولا يتحرش ولا يعمل مع ميليشيات إيران، بقدر ما هو مواطن حائر بالتأكيد يرحب بأي جهة تؤذي إسرائيل ويرتشف الهم والألم والوجع والخيبة صباح كل يوم بعد الـ 7 من أكتوبر.
يفخر الأردنيون دوما بمؤسساتهم ولديهم حق في البحث عن سرديات وتوضيح ولا مجال للاختلاف مع أي منطق يتحدث عن حفظ أمن الوطن.
رأى الأردنيون صورة الشهيد الراحل صدام حسين بالقمر عندما قصف الكيان. وأمس الأول تسابقوا لرؤية صواريخ تشفي ولو قدر بسيط صدورهم الموجوعة.
تلك رسالة ينبغي فهمها ولا مكان لتسييس المشهد الشعبي، ومن الطبيعي القول بأن المواطن الأردني ممتن لدولته ولمؤسساته السيادية ويتفهم أي إجراءات هدفها الحفاظ على أمنه ومنع اختراق أجوائه بل يشعر بالفضل بسبب تلك الإجراءات. لكن الخشية من أن يؤدي المشهد سياسيا وليس سياديا لاحقا إلى الغرق مجددا، وبدون فوائد أو مكاسب ملموسة في وحل الترتيبات الأمريكية التي تخدم دوما وأبدا إسرائيل، حتى وإن كان على حساب الأردن والأردنيين. الشعب لا يثق بالأمريكيين بعد غزة وفقد يقينا ثقته بالسلام والعلاقات مع الكيان.
ويمكن القول بالمناسبة بأن انشغال العالم برمته ستة أيام متتالية في متابعة وترقب الهجوم الإيراني الذي كان معلوما ووشيكا في التواقيت لم يدفع أو يحرك مسؤولا بيروقراطيا واحدا في الحكومة، لكي يتحدث مع الناس أو يشرح للشعب ولو من باب نظرية الحقنة الإعلامية ما الذي يجري وما هو موقف البلاد الرسمي وماهي السيناريوهات والأهم ما الذي جرى في ليلة الهجوم.
تقصير شديد ومعيب بيروقراطيا في الشرح والتوضيح للمواطنين وحتى في تجميعهم قبل الحدث ولو من باب التحشيد للموقف الرسمي ونتائج هذا القصور البيروقراطي ينبغي أن لا يسأل عنها المواطن بل المسؤول والوزير بدلا من ترك الحقائق والأوهام والوقائع والمبالغات لروايات الإعلام الإسرائيلي أو الإيراني.
مارس السيادي حقه في ضمان أمن وسلامة الأردنيين وأرضهم وسمائهم. بالمقابل مارس المواطن أيضا حقه الشرعي في إظهار البهجة، حتى ولو لحجر يطلق على ذلك الكيان الغاصب.
الحقيقة المرة التي يمر بها الشارع الأردني وهي النظرة الرسمية المترسخه في العقل السياسي والامني الأردني وهو ما ينعكس على كل مستويات الدوائر الوظيفيه بحيث يكون الموظف يحمل بين جنباته وفي راسخ عقله أن ما يقوم به فوق وظيفته ومكرمة منه وإن المواطن لايقدر جهوده وما تبذله الدوله ومؤسساتها من أعمال وخدمات هي ليست شيئا في نظر المواطن الذي يدفع من قوت يومه وقوت عياله وجهده وتعبه ثمناً مضاعفاً لتلك الخدمات والاعمال والتي هي اصلاً من صلب عمل الدولة التي ما وجدت اصلاً لغاية تقديم الخدمات الارقى له والتي من وجابها رفع المعاناة عنه وتسهيل كل أموره بلا ثمن مادي وعناء بدني وفكري .
إن الإنسان الأردني تهمه قضاياه الخاصة والعامة وقضايا الأمة برمتها فهو جزء أصيل من أمة محمد عليه الصلاة والسلام وهو لايستطيع أن يحجر على فكرة ومشاعره واحاسيسه به خاصة ويغلق عينيه ويصم أذنيه ويلغي ذاته ويصبح بهيمة لا هم لها إلا الاكل والشرب الذي يتجرع آلاف المعاناة في سبيل الحصول عليه بلا اراقة ماء الوجه . هو محكوم بمنظومة عقدية وشرعية لايستطيع الفكاك منها وليس بمقدور احدٍ أن يثنيه عنها وأمن بلده عنده امر لا يجوز لأحد أن يزاود به عليه مهما ارتقت مرتبته ومستواه العلمي والوظيفي فمثلاً ( كيان يهود كياناً غاصباً لأرض فلسطين وفلسطين هي أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسولنا وهي برباط وثيق مع مكة المكرمة والمدينة المنورة هذا المثلث التنويري العقدي لايستطيع الاحتلال الصهيوامريكي سلخه من عقول كل مسلم وكل أردني حر وهذا الاحتلال لابد من زواله عاجلاً ام آجلاً شئنا أم أبينا رضينا أم استلمنا فإن تحرير هذه قادماً لامحالة ولا يحق للنظام ولا لمسؤوليه اعتبار هذا منقصة او إنشقاقاً فإن من يصنع ذلك هو العقلية السياسية والإدارية وهي التي تبني على جدرً سميكة بينها وبين مواطنيها . ولا يعقل أن يقبل السياسي والقائمين على النظام أن يعتبروا غضبة لشارع لتغريدات وتصريحات مسؤولي واعلاميي ووسائل اعلام هذا العدو التهديدات والاستفزازية للاردن وشعبه والحط منه هو عداوة لهم . حينما استشعر كيان يهود بخطورة المرحلة قام بتسليح الشارع اليهودي حتى يتمكن مواطنيه وشذاذ الأرض من الدفاع عن أنفسهم ولم يقوموا بتخوينهم والتهديد بتجريدهم من جنسيتهم وكأن الجنسية هبة ومنحة لغير مستحق وليس حقاً طبيعياً للناس .