«مجسات» الأردن تقرأ: دولة فلسطينية «على الورق» مؤقتاً

عمان – «القدس العربي»: اهتمام الدبلوماسية الأردنية بالحضور والمشاركة والمساندة للمؤتمر المنعقد تحت عنوان التحريك الفرنسي ـ الأوروبي لمبادرة “حل الدولتين” لا ينبع فقط من الاعتقاد بتوفر فرصة حقيقية لشرعنة دولة فلسطينية مرحلياً على الورق على الأقل، بقدر ما يعبر عن حراك سياسي تفاعلي الهدف منه التعاطي مع “الأمر الواقع”.
والأمر الواقع في التعبير الرسمي الأردني يشير إلى أن القضية الفلسطينية لم تعد على جدول الأعمال من عدة سنوات. و”حل الدولتين” كما قال عدة مرات المفكر السياسي الراحل عدنان أبو عوده لـ “القدس العربي” ليس أكثر من “أغنية” بلا معنى يرددها بعض الأوروبيين والعرب.
وفي لهجة الوقائع، لاحظت المؤسسة الأردنية مبكراً أن المجتمع الدولي ابتعد كثيراً عن “حل الدولتين” في السنوات الأخيرة، والجزء اليتيم المفيد من وجهة نظر المؤسسة الرسمية الأردنية في معركة طوفان الأقصى هو حصراً الجزء المتعلق بإعادة تسليط الأضواء على القضية الفلسطينية بعد العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة.
عمان، سياسياً ودبلوماسياً، تتحضر من أشهر للمساهمة في دعم وإسناد عودة الضوء إلى “حل الدولتين”. ووزير الخارجية أيمن الصفدي، أبلغ “القدس العربي” مبكراً أن العمل من أجل إنصاف وإقرار حقوق الشعب الفلسطيني مستمر وينبغي أن يتواصل، مصراً على أن مسار السلام الوحيد المتاح والمنتج هو حل الدولتين.
النشاط الفرنسي
ولأن عمان تعتبر النشاط الفرنسي في الأولويات، فقد ترأس الوزير الصفدي وفد بلاده إلى المنتديات التي تبحث سيناريو حل الدولتين، وخاض الأردنيون حواراً عميقاً مع دولة أوروبية مهمة مثل ألمانيا أيضاً، على أمل تشجيعها للمضي قدماً في دعم مبادرة عودة الأضواء لحل الدولتين.
ورغم أن السفير الأمريكي في تل أبيب مايك هاكابي، عاد لإظهار السخرية من النشاط الفرنسي مقترحاً إقامة دولة فلسطينية في “الريفيرا” الفرنسية، فإن الانطباع في عمان ووسط نخبها الرسمية يشير إلى ضرورة تجاهل وتجاوز الاعتراض الأمريكي على الجهود التحريكية الحالية انطلاقاً من تصور تدعمه عمان ورام الله، ويستند إلى التكثيف دولياً في مركز ثقل شرعنة الدولة الفلسطينية عبر الاعتراف فيها؛ بمعنى وضع حل الدولتين شرعياً وبموجب اعترافات الدول على الطاولة، ولو على قاعدة “لعل وعسى” وبناء على فرضية “متغير قد يحدث تحولاً ما” لاحقاً.
ما يقترحه الأوروبيون في الكواليس عبارة عن “هندسة عكسية” فكرتها وضع إسرائيل نفسها أمام واقع قانوني دولي وتأسيس دولة فلسطينية ولو على الورق فقط، على أن يتم لاحقاً إلزام مجلس الأمن بشرعنتها وقيامها.
وما أبلغ به الفرنسيون مبكراً الجانب الأردني هو سيناريو بموجب القوانين الدولية يتم شرعنته وفرضه على إسرائيل، على أن تضطر الولايات المتحدة للتفكير به لاحقاً، ويؤسس لحالة قانونية فيها دول بأكثرية تعترف بالدولة الفلسطينية الجديدة حتى وإن كانت “ورقية” ضمن مسار تراكم واستثمار بعنوان اتجاهات الهندسة العسكرية.
السيناريو الفرنسي وفقاً لفهم الخبير القانوني الدولي الدكتور أنيس القاسم، يتحدث عن الاعتراف بحق الفلسطينيين بتأسيس دولة والاعتراف بها، لكن أين وعلى أي حدود ومتى؟ كل تلك أسئلة لا أجوبة عليها بالمدلول القانوني.
ورغم التخوفات التي ترافق مقترحات الهندسة العكسية، بدا واضحاً ومن عدة أسابيع أن المؤسسة الأردنية السياسية تلتحق بنشاط في سيناريو هندسة حل الدولتين مجدداً، ليس لأنه قابل للتطبيق بسرعة أو يدخل في حيز الإمكانية الفعلية، ولكن لأن الخيار الوحيد المطروح في الساحة الآن هو السيناريو الفرنسي بدعم وإسناد بعض أطراف المجموعة العربية.
ورقياً فقط
مبكراً، قدرت عمان بأن إسبانيا أول من تحرك في اتجاه “الحق الفلسطيني” وفي إظهار التباين مع مسار حكومة اليمين الإسرائيلي. لاحقاً، تحركت فرنسا بثقل، ومبكراً شعر الأردنيون بأن الحاجة ماسة وضرورية جداً لكل من بريطانيا وألمانيا لمباركة المسار الجديد في سيناريو الدولة الفلسطينية الورقية في الحد الأدنى. وأمس الأول، عاد العاهل الملك عبد الله الثاني من زيارة رسمية خاصة لبرلين، بحصيلة يبدو أنها وافرة وتغطي الجزء الألماني في الحراك الأوروبي بعدما قيل في عمان من عدة أسابيع بأن ألمانيا وعدت بالالتحاق.
تصريحات القادة الألمان على هامش اجتماعات ملك الأردن بهم أمس الأول، تقول بوضوح إن ألمانيا وضعت قدمها إلى جانب الثلاثي الفرنسي الإسباني الإيرلندي، فيما يخص أولاً “تجربة حل الدولتين” الجديدة، وثانياً الدعوة لوقف إطلاق النار في غزة وإنهاء المأساة.
أول ملاحظة للمجسات الأردنية الخبيرة تقول إن برلين التحقت بتثاقل وببطء، لكنها فعلت، وتبقى لندن العنوان الأعرض في معركة حشد التأييد للمسار الفرنسي على المستوى الأوروبي، وإن كانت رسائلها تقول بأنها تناقش “الاعتراف بالدولة الفلسطينية”.
وهنا برز الانطباع الألماني القائل بأن برلين ومعها لندن لا توافقان على الصيغة التي يطرحها علناً بنيامين نتنياهو بشأن شكل وهوية الشرق الأوسط الجديد. وما يقوله الأوروبيون لدبلوماسيين أردنيين هنا هو أن الدول الأوروبية تريد بقاء إسرائيل آمنة وقوية في الشرق الأوسط، ولكن ليس القوة الوحيدة المستحكمة.
وما يبدو عليه الأمر في السياق، أن واشنطن لا تتحرك مع العواصم العربية والأوروبية في الاتجاه المضاد عملياتياً لمنهجية “حل الدولتين”، والسبب أن واشنطن لا تقدر خطراً على إسرائيل في حال بقاء الدولة الفلسطينية ورقياً فقط، حيث لن تدعم واشنطن أي خطوات إجرائية لإنشاء دولة فلسطينية على الأرض، ميدانياً وعملياتياً، بدون موافقة إسرائيل.
وثمة مستجد برز مؤخراً على هامش حمى الاتصالات، فكرته أن واشنطن أبلغت عمان وسلطة رام الله بأنها “لا تعارض حل الدولتين” لكنها تريد ترسيم تفاصيل حدود إسرائيل وتلك الدولة الفلسطينية أولاً.