محاذير أردنية بعد «تصنيف ترامب»: نتنياهو «يستفيد»… الفاصل مع «الفصائل» يزول… وحاضنة المقاومة «قد تزيد»

عمان – «القدس العربي»: كيف يمكن تحقيق الأهداف عبر استجابة تكتيكية مدروسة بعناية للتوجهات الأمريكية الملموسة الخاصة بما يسمى تصنيف جماعة الإخوان المسلمين وفروعها بالإرهاب؟
السؤال ذاته بصيغة مختلفة: كيف يعمل بلد مثل الأردن وفقاً لصيغة الأمر التنفيذي للرئيس دونالد ترامب؟
سؤال مطروح بقوة في أوساط المراقبين الآن في عمان.
التوازنات هنا في لحظة حاسمة قبل توفير إجابة مطلوبة على أساس مهني ومحترف لتحديد المسافات الفاصلة بين أمرين: مصالح الدولة الأردنية ذات السياق الأمريكي وهي أساسية ومهمة ولا يمكن التساهل بإنكارها، وبين مصالح التوازنات الداخلية التي يمكن اعتبارها أيضاً أساسية ومفصلية وليس من السهل التفريط بها.
بين المساحتين العديد من الخيارات ذات البعد التكتيكي.
لكن المسائل قد ترتبط ليس بقرار ترامب التنفيذي التصنيفي المعروف، بقدر ما سترتبط -برأي المحلل السياسي والناشط الأمريكي الفلسطيني الدكتور سنان شقديح- بطبيعة الإجراءات التي ستقترحها هيئات أمريكية لاحقا بالتفاصيل، أولاً على مستوى وزارتي الخارجية والخزينة، ومن ثم البنك الفيدرالي الأمريكي. وثانياً -وقد يكون الأهم- على مستوى الكونغرس، وثالثاً على مستوى الدول الغربية الأوروبية الحليفة للإدارة الأمريكية؛ لأن موقف أوروبا هنا مهم للغاية في التفاصيل، بصفة أن بعض الساحات الأوروبية -بتقدير شقديح- هي من الساحات التي تمثل، لأسباب سياسية ومنذ عقود، حواضن خاصة لتعبيرات وقواعد وكوادر الإسلام السياسي المصنف بالاعتدال عموماً، حتى بموجب القاموس الأمريكي في الماضي. جزء من فعالية الأمر التنفيذي لترامب واهتمامه بما يسمى «تعبيرات الإسلام السياسي الداعمة للإرهاب» مرده الانقلاب اليومي الذي يمارسه الرئيس ترامب على الديمقراطيين وتراثهم.
وفي هذا الجزء تحديداً رغبة في مسح آثار صيغة الاستثمار في الإسلام السياسي التي اقترحها يوماً الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما.
في الأثناء، يستثمر ترامب وطاقمه في ورقة تصنيف الإخوان المسلمين على أساس أجندة إسرائيلية بوضوح، وفقاً لشقديح والمحلل السياسي الإسلامي الدكتور رامي العياصرة.
هنا حصراً يبرز تناقض المصالح الذي ينبغي قراءته بقسوة وبعمق في عمان قبل اتخاذ أي قرار.
إسرائيل اليمينية المتشددة لديها أجندة عبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عندما قال إن إسرائيل تستهدف الإخوان المسلمين في الساحات المجاورة باعتبارهم داعمين لإرهاب فصائل فلسطينية. الأجندة الإسرائيلية واضحة ومكشوفة، لكنها على نحو أو آخر تتعاكس بالاتجاه والقيمة والكلفة والفاتورة مع مصالح وأولويات الثوابت الأردنية في النتيجة.
السبب أيضاً مكشوف، وفكرته أن توريط الأردن بمسلسل يخطط لضرب الحركة الإسلامية، لا تستفيد منه عمان بل تل أبيب في المسار الأبعد.
وبناء عليه، أي قرار يمكن أن يتخذ ضد تعبيرات الإسلام السياسي سواء على صعيد حزب جبهة العمل الإسلامي أو غيره، يفترض أن تقرأ تداعياته بعناية شديدة؛ لأنها تمس بشبكة من المصالح والأولويات المعقدة.
الانطباع يشير إلى أنه لا مصلحة للدولة الأردنية بإنتاج حالة صدام مع تنظيمات إسلامية بقيت بين مكونات أساسية في النسيج الاجتماعي، والأهم طرف فعال ونشط في اللعبة السياسية المركزية والدستورية بين الناس والدولة، والتي يمكن ربطها بقواعد أثبتت قيمة الاستقرار.
من يقترح اليوم التفاعل مع إشتراطات وتصنيفات ترامب، عليه أردنياً ووطنياً أن يجيب على 3 أسئلة مفصلية: التناقض الأهم في الجيوسياسي مرحلياً مع نتنياهو وطاقمه.. كيف نضمن ألا تستفيد تل أبيب؟
والسؤال الثاني: جذر التصنيف الأمريكي ضرب الحاضنة الاجتماعية للمقاومة الفلسطينية في الأردن.. كيف نضمن ألا يحصل العكس في عمق المجتمع، بمعنى زيادة حصة المقاومة بضرب الإسلاميين؟
السؤال الثالث: الواجهة «الإخوانية» لعبت منذ عقود دور «الوسيط أو الفاصل» ما بين الداخل الأردني وفصائل المقاومة الفلسطينية.. ما كلفة إزالة هذه الحلقة الوسيطة؟
هنا حصراً الحذر الشديد واجب؛ لأن ما يمكن تسميته باليمين الإسلامي الأردني على المستوى الشعبي قد يكون حصرياً هو السلاح الأساسي في المستويات الشعبوية بين يدي الدولة الأردنية عندما تصبح لحظة الصدام -وهي آتية لاريب- مفصلية بين الدولة الأردنية واليمين الإسرائيلي وخططه وأجنداته.
اليمين، كما قرر وقدر المحلل الإستراتيجي الخبير الجنرال المتقاعد قاصد محمود، هو في لحظة سيولة استراتيجية؛ يحاصر الأردن ومصالحه جيوسياسياً، خصوصا في سوريا ولبنان، وحتى في منطقة الأغوار التي تتم عسكرتها.
الإسلاميون بصرف النظر عن اتخاذ موقف أيديولوجي أو قانوني أو سياسي ضدهم، فهم في الحالة الأردنية عبارة عن ذخيرة وسلاح إذا ما قرر يمين إسرائيل يوماً تفريغ الضفة الغربية من سكانها، وبالتالي هم سلاح فعال ومنتج في هذه اللحظة. انطلاقاً من فهم هذا الواقع الموضوعي دستورياً وشعبياً، يمكن القول بأنه لا مصلحة أردنية رسمية في التأسيس لحالة صدام أو عنف تغلق بوابة التعبير عن الإسلام السياسي في الأردن فقط لأن الرئيس ترامب قرر أو يريد ذلك.
في المقابل، لا مصلحة بمواجهة صدامية مع إدارة عابثة وعدمية تخلط الأوراق حالياً في واشنطن.
ولا بد من تذكير الإسلاميين بأن المرحلة صعبة ومعقدة، وبأن معادلاتهم في الداخل الأردني ينبغي أن تقاس ضمن مقاربة لا تجازف ولا تضع الحكومة والسلطات الرسمية في حضن ما تريده الإدارة الأمريكية، مع أن الجميع يقر بأن هدف ترامب أصلاً ليس الإسلاميين، ولكن دورهم في الحاضنة الاجتماعية الداعمة للمقاومة الفلسطينية في مواجهة اليمين الإسرائيلي.
